لم تكتب بعد قصة التيه الجماعي العراقي على أرصفة المنافي وبين جحيم الغربة... لم تكتب بعد بروح نقدية متجردة عن الانشائيات العاطفية وتشير بصراحة الى غباء وحماقة وأوهام أكثر المهاجرين العراقيين الذين فرطوا بأنسانيتهم وحياتهم من أجل الركض خلف سراب أوهام السفر والحصول على اللجوء ومزاياه!

جمعنا التيه على أرصفة الغربة، وبعثرة أعمارنا فوق مذبح الأوهام والسذاجة والفرار من الوطن بلا وعي لماهية حقيقة الواقع العراقي والحياة والعالم... يالها من مخدر خطير معطل للبصيرة.. فكرة الرحيل ومغادرة الوطن!

هو سفك ايام عمره في دروب الغربة، وكنت أنا في الطريق أقتفي أثره في السير نحو مجزرة الأستنزاف والأنهاك الوجع اليومي، التقيته في سوريا، كان قد مضى على مغادرته العراق حوالي 15 عاما، ووجدته قد توقف تقريباً عن القراءة والكتابة الى الصحافة، وأفترسه الفقر والجوع، وقد بلغ الخمسين من العمر ولم يتزوج، كان وحيداً في غربته، واجتاحه مرض الانفصام وصار يتخيل وجود أعداءاً وهميين يلاحقونه يريدون قتله، ويسمع أصوات اطلاق رصاص وهمي نحوه في الليل والنهار.. لقد بدأ يسدد فواتير حياة الغربة من روحه وجسده وعقله!

في احدى الليالي بينما كنت جالسا في المسجد أقترب مني وجلس القرفصاء ودعاني للخروج والتمشي قليلاً في شوارع منطقة السيدة زينب في دمشق، كان مرهقاً ومعذباً... لن أنسى أنكساره ماحييت، كان يلخص حالة الانكسار العراقي وهزائمه، كان يريد الكلام بأي شيء ويبحث عمن يسمعه!

في تلك اللحظة المشحونة بالوجع الانساني.. أقترفت جريمة الأعتذار مرغماً ولم أخرج معه وقام وأنصرف خائباً.. كنت وقتها انا الاخربدأت أسدد فواتير الغربة وماأحمله معي من أكداس الهموم والاحزان من العراق، وأدافع عن نفسي بوجه خطر الفقر والجوع والكآبه واليأس المطبق من المستقبل المجهول!

لم أكن قادراً على منحه بعض الوقت والأصغاء اليه ومعانقته والبكاء سوية على عمر ضاع وروح تكسرت واثخنت بالجراح... كنت معذباً بنفسي، وكانت حياتي عبئاً ثقيلاً عليّ!

رباه.. بعد مضي 10 سنوات على هذه الحادثة، مازالت تعذب ضميري وتجلدني بذكراها، رغم اني التقيته بعدها ودعوته عدة مرات على العشاء والغداء في المطعم، ولكن ماذا نفعل لتأنيب الضمير.. ((صوت الله في الانسان))!

خضير طاهر

[email protected]