التصريحات التي أدلى بها رئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني بشأن استعداد الإقليم لإقامة علاقات جيدة بينه وبين تركيا التي تحكمه حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، تشكل فاتحة طيبة للبدء بإزالة التوتر التي رافقت العلاقات في الفترة السابقة، وتمثل رؤية عملية في تقريب وجهات النظر بين الطرفين لتوفير أرضية مناسبة لبناء مقومات مشتركة تؤهلها أن تلعب دورا مهما في رسم علاقة متبادلة على صعيد المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها، ولا ريب إن بناء وتأسيس مثل هذه العلاقة المتينة تلزم إقامتها في أجواء ايجابية بعيدة عن التوتر والتشنج مع توفر النيات الحقيقة المبنية على المصلحة والمنفعة المتبادلة للأطراف المعنية التي تشترك فيما بينها برابطة قوية وهي الجيرة المشتركة.


واعتمادا على هذه الرؤية الواقعية، نجد أن مسار العلاقات تحوي مقومات عديدة ومتنوعة مرتبطة بمصالح بين تركيا والعراق وكوردستان، ونجد أن قواسم مشتركة عديدة تتحكم بهذه المساحة المتوفيرة بينهم وهي لها جذور وجسور مشتركة تاريخية وجغرافية واجتماعية واقتصادية ممتدة على مدار العصور والعهود من التاريخ القديم والحديث، اغلبها كانت ايجابية ونافعة لصالح كل الأطراف.
ولا شك أن استغلال القواسم المشتركة بروحية بناءة وبهاجس الانتفاع المشترك بين الاطراف قادر على فرز مساحات واسعة من نقاط التلاقي والتبادل للمصالح والأهداف، حيث تساعد في التفكير الجدي لإقامة علاقة استراتيجية بين تركيا والعراق والإقليم مبنية على المصلحة المتبادلة لخدمة شعوب المنطقة لتقديم نموذج متقدم متسم بكل المقومات الإيجابية الى المجتمع الدولي لمساعدة تركيا للدخول الى الاتحاد الأوربي المتسم بتوفير الرفاه والرخاء لشعوبها وأفراد مجتمعاتها.


والعوامل المساعدة لإقامة مثل هذه العلاقة في الظرف الراهن، بدأت بالبروز على الساحة بإيجابية كبيرة، خاصة منها المتعلقة بالطرف التركي وهي وصول حزب إصلاحي الى الحكم بعملية ديمقراطية ناجحة، وعدم تدخل المؤسسة العسكرية في القرار السياسي، واتجاه الحكومة المنتحبة لانتهاج ديمقراطية من الدرجة الاولى، وتفعيل دور المكونات التي تتركب منها تركيا مثل القومية الكردية، وتغيير الدستور لادخال مواد جديدة تراعي التعدد القومي واللغوي والثقافي وحقوق الانسان، وابراز اهتمام لمعالجة القضية الكردية، وغيرها من العوامل الداخلية والخارجية، كل هذه العوامل بدأت تجد صداها في محور العلاقات التركية العراقية والعلاقات التركية الكردستانية لتبني خطوات حقيقية ميدانية للبدء بإرساء علاقات طيبة لدى الأطراف المعنية لصالح عملية السلام وإرساء الاستقرار لشعوب المنطقة.
وبطبيعة الحال فان القواسم المشتركة الموجودة بين العراق وتركيا وإقليم كوردستان تحمل في بنيتها الأساسية مقومات إيجابية وعوامل محفزة لتكون محل اهتمام من قبل المعنيين من منظور سياسي واقتصادي وإقليمي ودولي، لأنها تساعد بكل ثبات ومرونة في تهيئة أرضية أساسية لإقامة علاقة طموحة مع بدء ظهور نيات صادقة مبنية على احترام المصالح المتبادلة لكل طرف، والقواسم المشتركة التي تجد نفسها في الساحة هي النظام العلماني بين الاقليم وتركيا الذي يمتلك مقومات النجاح والإدامة والصيرورة لقيادة المجتمعات والشعوب بمرونة، والنظام الاقتصادي المبني على السوق الحر وهو السياسة العامة التي تسيطر على السار العام لاقتصاديات المجتمع الدولي، والجغرافية المشتركة التي تتسم بطبيعة متشابهة يمكن الاستفادة منها من خلال إقامة مشاريع مشتركة تقتضيها البنية التحتية للمنطقة الحدودية لكي تعود بالنفع المتبادل والمشترك الى الأطراف المعنية، والثقافة المشتركة التي تحمل مقومات عديدة ومتنوعة مرتبطة بمفردات حياتية اجتماعية وثقافية للقوميات المتنوعة التي تشكل النسيج المجتمعي لدول المنطقة، والتجارة المتبادلة التي تعتبر القاسم المشترك المهم لربط اقتصاديات شعوب المنطقة بمقومات تجارية مشتركة من خلال تصدير وتوريد وتبادل العديد من السلع والبضائع والمنتجات.


هذه القواسم المشتركة بين اقليم كوردستان وتركيا وبين العراق وتركيا، والتحولات الإيجابية في المعادلات السياسية، تشكل ثوابت أولية مناسبة لارساء علاقات راسخة بحكم المصالح المتبادلة والأرض والجغرافية والتاريخ والجيرة، للتعايش المشترك المبني على الجيرة الإيجابية، وتشكل في عين الوقت منهجا صائبا لترسيخ مقومات على أرض الواقع لتشجع القيادات السياسية على مستوى الحكومة والأحزاب المنتخبة ومكونات المجتمع المدني على ابداء مرونة تامة لاستغلال الفرصة التاريخية المتوفرة في الظرف الراهن لإقامة علاقة استراتيجية ونموذجية بين العراق وتركيا وبين اقليم كوردستان وتركيا لخدمة المصالح المشتركة بينهم، وهي بلا شك ستكون القاعدة الأساسية لإرساء سلام دائم لإيجاد صمام الأمان الذي يضمن العيش الكريم المتسم بالبناء والتنمية والعدالة لكل شعوب المنطقة.

د.جرجيس كوليزادة
[email protected]