تشكل مسألة التقارب والوحدة بين المذاهب والطوائف الإسلامية أمنية جميع أبناء الأمة lsquo; وقد ازدادت الرغبة في ذلك مع تصاعد أعمال العنف الطائفي التي شهدها العراق خلال السنوات الأربعة الأخيرة وهي ظاهرة لم يشهدها العراق من قبل ابداً. كونها ليست ناتج ثقافة عراقية lsquo; وإنما هو مشروع عدائي كان يبحث عن ساحة يتخذها قاعدة للانطلاق منها نحو باقي دول المنطقة lsquo; و قد ساهمت الأجواء والأوضاع السياسية التي أوجدها الاحتلال بالتعاون مع المليشيات التي انبثقت من رحم المشروع الطائفي lsquo;على المساعدة في إيجاد هذه الظاهرة والسعي في تحويلها إلى ثقافة عامة في نفوس العراقيين ليصبح العراق بديل للبنان الذي كان يراد له ان يكون قاعدة المخطط الطائفي الذي يعم المنطقة. ولكن حين فشل هذا المشروع في تجاوز حدود لبنان اختاروا العراق lsquo;بحكم وضعه الجيو السياسي وتركيبته الاثنية والدينية والمذهبيةlsquo; وما له من مكانة في قلوب العرب والمسلمين lsquo; ليكون حاضنة لهذا المشروع الجهنمي.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الوطنيون العراقيون وسائر النخب الفكرية والسياسية الإسلامية و الوطنية في بلدان دول الخليج العربي والبلدان العربية عامة lsquo; في العمل على محاصرة هذا المشروع و وأده lsquo; نرى جهات و أطراف أخرى تريد لهذا المشروع الطائفي ان يبقى متوهجا ومتمددا إلى حيث تقيم هي lsquo; مستغلة كما هي عادتها مناسبة عاشوراء الأليمة منبرا لإشعال الفتنة الطائفية.
ومثالا على ذلك ما طالب به مايسمى بوكيل المرجعيات الدينية في الكويت قبل أيام. حيث طالب هذا الشخص المثير للجدل والذي عرف بتصريحاته الطائفية المعهودة lsquo; وبنبرة تهديدية lsquo; طالب الحكومة الكويتية قائلا : كما نطالب الإعلام عامة والتلفاز والإذاعة خصوصا بتغطية مراسم عاشوراء والبث المباشر من الحسينيات وعدم الإصغاء إلى الجماعات المتحجرة المتشددة أعداء أهل البيت عامة وأعداء الحسين خاصة، ونطالب الحكومة بالإعلان الرسمي عن عطلة يوم عاشوراء، كما طالبنا بها في الأعوام السابقة،.واني أدعو أبناء المذهب السني إلى الحضور في الحسينيات لاستماع المواعظ والخطب والمحاضرات بهذه المناسبة.
هذا الرجل وغيره من الذين لا يجيدون غير لغة الاتهامات واستفزاز الطرف الآخرlsquo; يتناسى ان أعداء الحسين وأهل البيت هم من أمثاله الذين يصرون على ان يتخذوا من مأساة عاشور منبراً لترويج مشروع الطائفية.
كما انه يتناسى ان في تاريخنا العربي والإسلامي هناك الكثير من الشخصيات التي تستحق أن يخلد ذكراها أكراما وعرفانا منا لشهامتها وتضحياتها الغالية التي قدمتها لهذه الأمة lsquo; ومنها شخصية الأمام الحسين بن علي عليهم السلام lsquo;صاحب وقعة كربلاء المؤلمة lsquo; هذه الشخصية الكبيرة التي استحقت أن تكون مثالا وقدوة بكل ما تحمله من معنى lsquo; ولكن ليس بالضرورة ان نحيي ذكرى عظمائنا بهذه الطريقة الغوغائية والاستفزازية التي لا نجني منا سوى ثقافة الكراهية للآخر.
نعم ان الحسين يستحق منا كل المحبة والاحترام lsquo; لا لكونه سبط الرسول المصطفى (صلى الله عليه وسلم ) فقط lsquo; ولا لكون أبوه علي المرتضى الذي تغنى جبرائيل باسمه ( لا فتى إلا علي lsquo; لا سيف إلا ذو الفقار)lsquo; ولا لكون أمه فاطمة الزهراء التي قال فيها رسول الله (ص) (فاطمة بضعة مني) lsquo; ليس لهذا كله lsquo; و إنما لأجل الموقف البطولي الذي وقفه الحسين lsquo; فالحياة عقيدة و موقف lsquo; وقد قال علي بن أبي طالب عليه السلام lsquo; (جهاد دون عقيدتك حتى المماتِ lsquo; أن الحياة عقيدة وجهادِ) وهذا ما دفع الحسين على خوض المعركة التي خلدته وجعلته رمزا في حياة الأمة.
ولكن ما هي عقيدة الحسين وما هي أهدافهlsquo; ألم يكن الإسلام عقيدته و وحدة المسلمين هدفه lsquo;الم يكن هو القائل: أني لم اخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرجت من اجل الإصلاح في امة جديlsquo;فهو إذاً خرج من اجل أصلاح مسيرة خاف ان يصيبها الاعوجاج وتنحرف عن مبادئها إذا ما استولى عليها حاكم جهول وطاغية مهول، ولذلك عز عليه أن يرى هذه المسيرة التي هي ثمرة لجهاد ودماء وتضحيات عظيمةlsquo; من ان يعبث بها أناس غلبت عليهم الأهواء والمصالح الدنيوية وراحوا يعيثون فسادا في الملك و يمارسون ظلما على العباد مشوهين الصورة الحقيقة لهذه المسيرة الإنسانية. ولذا وجد الحسين أن لا خيار سوى النهوض وان كان في ذلك تضحية كبيرةlsquo; وهل هناك أغلى وأحب من الروح لدى الإنسان، فأذن لتكون الروح هي الثمن لخدمة العقيدة و وحدة الأمة.
وبهذا أصبح الحسين رمزا للتضحية من اجل تصحيح المسيرة والدفاع عن الحرية والكرامة والحفاظ على الوحدة الإسلامية التي خاف عليها من الانحراف.
ولكن لماذا حوّل البعض هذه الذكرى إلى مناسبة مفرغة من كل معاني الحركة الحسينية lsquo; لماذا حولوها من حركة فكرية إلى موسم للردح الطائفي و قصة عاطفية ومناسبة لجلد ألذات وتأنيب الضمير وزرع الفتن بين محبي الحسينlsquo;أهذه هي الدروس التي أراد لنا الحسين أن نتعلمها من حركته؟. أليس هذا هو الانحراف الذي حاربه الحسينlsquo; لماذا لا تكون ذكرى واقعة كربلاء مناسبة لبناء وحدة الصف والعمل من اجل نشر المعاني السامية التي حملتها الحركة الحسينية بدل أن تبقى هذه المناسبة وسيلة بيد الحاقدين على العروبة و الإسلام يستغلونها في زرع الأحقاد والضغائن وإشعال الفتن الطائفية العمياء وشق صف المسلمين وإضعاف وحدتهم.
ثم ما قيمة البكاء واللطم على الحسين إذا كان هذا يقدم خدمة لطاغوت العصر الذي يحتل أرضنا ويدنس مقدساتنا و يهتك كرامتنا ويصنع لنا في كل يوم كربلاء جديدة يذبح فيها عشرات الأطفال والنساء والشيوخ من أهلنا.
فمن هنا يتبين أن إحياء ذكرى واقعة كربلاء بهذا الشكل الذي نراه ونسمعه في كل عامlsquo; فهي ليست مجرد إحياء ذكرى وإنما هناك أهداف أبعد مما يتخيله البسطاء من الشيعة الذين غلبت عليهم العاطفة والغفلة وعدم الدراية والمعرفة بالدسائس التي حاكها أعداء الإسلام وما زالوا يحيكونها من خلال هكذا ممارسات.
فأي معنى للعويل ولطم الصدور وشج الرؤوس وإلقاء الخطب التي تشحن المستمع بالروح الطائفية lsquo; و أي درس يتعلمهم الإنسان من هذا الاستعراض العاطفي الذي يخلو من ابسط معاني الحركة الحسينية التي هي أنموذج لحركة التصحيح في البناء الفكري والاجتماعي والدفاع عن الكرامة والحرية الإنسانية. فلماذا لا تكون هذه المناسبة فرصة للتقارب والتآخي و نبذ التعصب الذي يرضي الله والرسول والحسين lsquo; بدلا من الردح الطائفي الذي يغضب الله والنبي والحسين.
صباح الموسوي
التعليقات