هل أصبح الإنسان مشاعاً في هذا الشرق العربي،كما يجري في غزة؟! وهل أصبح النظام العربي الرسمي والشعبي معه شالاً ومشلولاً بهذا الشكل المهين؟! وهل عميت العيون وصمت الآذان وماتت المشاعر والأحاسيس وتقطعت الصلات والأوصال وبلغ التردي إلى هذا الحال؟! وهل ما يعانيه مليون ونصف فلسطيني أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء،وبدون ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا غذاء ولا حتى قبور، وآلة الفتك تحصدهم بالعشرات ليل نهار؟!، أأصبح ذلك رمزاً وحيداً مهيناً لوجود نظام عربي لم يعد له وصف؟!وهل في الكرة الأرضية سابقاً ولاحقاً وحتى في أسوأ الحروب،من حرم من المستشفيات والإسعاف وإغلاق الأرض والسماء والمعابر والمقابر؟! وهل أصبح احترام كرامة البشر وآدمية الموتى وحرمتهم ودفنهم يحتاج إلى مؤتمر قمة عربي عتيد؟! فما هو سر هذا الصمت المهين على الكارثة التي تتكرر في غزة ليل نهار؟! وماذا عساكم يا عرب فاعلون؟!.
من السابق لأوانه الحديث عن نشر الديمقراطية أو احترامها، وعن خلافات بين أجنحة سلطة فلسطينية غير موجودة أصلاً سوى بأداء دور التشريفات وإصدار النعوات، ومن العبث الخوض في خطط وخرائط ومؤتمرات للسلام، ومن السخرية الحديث عن مبادرة عربية للسلام، ومن المعيب الاستسلام لهذا العجز في مواجهة ما يحدث في غزة، المعيب للسلطة الوطنية الفلسطينية أولاً وللنظام العربي ثانياً ولدعاة الصمود والممانعة على وجه التحديد ثالثاً ولكل الهياكل السياسية والثقافية الشعبية رابعاً ولجامعة الدول العربية خامساً وللشعوب العربية كلها سادساً ولكل دعاة حقوق الإنسان سادساً ولكل دعاة القومية سابعاً وللدول المجاورة لفلسطين ثامناً ولكل المتشدقين بالصمود والممانعة تاسعاً وللإعلام العربي وقنواته الفضائية والأرضية والورقية والصوتية عاشراً،ولكل المتفرجين والصامتين والعاجزين والمتخازلين والمشاركين في استمرار ذبح الشعب الفلسطيني.
الكلام الذي يجب أن يقال لكل المعنيين بالكارثة هو: كفى متاجرة بحياة الشعب الفلسطيني وأطفاله ونساؤه ودماؤه وكرامته، كفى مساومة على أحياؤه وجياعه ومرضاه وشهداؤه، كفى تقبيل الشوارب واللحى في حفلات إراقة الدم الفلسطيني الطاهر، كفى حصاراً وتجويعاً وحشراً في زاوية واحدة، هي الموت والدمار والفقر واليأس والتطرف، كفى تظاهراً مقيتاً بالحرص على الشعب الفلسطيني.
ارفعوا خناجركم من قلب أطفاله ونسائه وشيوخه، واتركوه يواجه مصيره بنفسه،إذ رفعتم راية العجز والاستسلام!، لأنكم أنتم سبب مصيبته بدايةً واستمراراها إلى الآن!، اتركوه إذا كنتم عاجزين إلى هذا الحد المهين!، اتركوه واستسلموا وطبعوا وطبلوا للسلام كما تريدون!، اتركوه واصمدوا ومانعوا كما تشاؤون!، والعبوا وتاجروا وساوموا وتسولوا وقبلوا وانحنوا واركعوا...! فهذا هو دوركم....فالإرادة وبالحجارة سوف تصنع مافشلتم في صنعه أنتم ومعكم جيوش أردتموها مهزومة وقادة مشؤومة ومليارات ومؤتمرات وقنوات فضائياتكم التي أصبحت هي الهادي وهي الرائد وهي المبرر لنفاقكم وعجزكم وفشلكم وبؤسكم ومهانتكم!.
اتركوا الشعب الفلسطيني، فعاراً عليكم أن تلفظوا اسمه! واستقيلوا جماعياً وطوعياً قبل أن يعم الحريق وأنتم وقوده القادم، يا من فقدتم طعم الحرية والكرامة الإنسانية...وصغرتم عن المسؤولية...ورضيتم بأن يذبح الشعب الفلسطيني من الوريد إلى الوريد على موائد استمرار عروشكم الكرتونية!،التي أصبحت وسط العاصفة التي تهزها وأنتم معها بغباء عجيب... ولازلتم تصمتون وتتمايلون وتشربون من دماء الضحايا والشهداء... وتضحكون وترقصون بالسيوف على أشلاء الشعب الفلسطيني..!.
ففي عيون كل طفل فلسطيني جريح فاقد الدواء... وفي عيون كل مرأة فلسطينية جريحة فاقدة المأوى والعلاج والهواء...وكل جنين فلسطيني يعيش المأساة وهو في رحم أمه المعذبة...وكل شهيد فاقد قبر يستر آدميته، وكل مشرد وجائع ومريض...كلهم يعرفون من هم هؤلاء الراقصون على شواطئ الدم الفلسطيني،هم يعرفون مسرح الجريمة والمشاركين فيها وأدوارهم ورجولتهم!...
الأمل معقود على الشعب الفلسطيني وصحوة الشعوب العربية، هم وحدهم القادرين على حفظ الدماء والكرامة والحقوق في لحظة فاصلة في تاريخ العالم العربي...
يجب على الشعوب العربية أن لا تترك شعب فلسطين أعزلاً أمام الهمجية، بل هي الوحيدة المعنية بالمبادرة السريعة شاءت أنظمة الذل والعار والصمت أم أبت!. مطلوب من الشعوب التظاهر الفوري والدعم المعنوي والمادي والإنساني مع أطفال فلسطين ونساء فلسطين وشيوخها وتقديم كل المساعدات الإنسانية لهم، مطلوب حضور الصوت والفعل الشعبي الذي سوف يهز هذا الوضع العربي الرث البليد... ويحرك العقول والضمائر والقلوب والحناجر والسواعد التي تحمي شعب فلسطين... وتعلم قيم والكرامة لمن فقدها،والمسؤولية لمن لايعرفها وليس أهلاً لها!.
فالتاريخ لا يصنعه الجبناء والضعفاء، بل أطفال فلسطين الشجعان الأقوياء، والوحدة الوطنية والحريصين عليها ومالكي إرادتهم، وليس الممانعين والمخادعين المسلوبي الإرادة، وشعب فلسطين الذي عاش الكارثة لأكثر من نصف قرن، قادر بعون الله وبطولته ودعم الشعوب العربية والصديقة وكل الأحرار على تجاوز المحنة تلو المحنة على طريق حريته وبناء دولته الحرة الديمقراطية...ارفع صوتك أيها الشعب وقلها لا للقتل...لا للدمار،لا للحصار...وألف لا للعار...!.
د.نصر حسن
التعليقات