يشكو نواف من وزارة الصحة وعبارتها الشهيرة quot;لا يوجد سريرquot; وكأن نواف يريد سرير في فندق خمس نجوم، أو يحجز شاليها في ماربيا، وينظم مشعان قصيدة نبطية مُكسرة ناقمة من وزارة التجارة التي تعين عدة مراقبين في المرتبة الثالثة وتقول لهم راقبوا آلاف المتاجر في بلادنا. أما صالح فهو يجزم أن كل البلاوي على وجه البسيطة من وراء رأس الدكتور عبد الله العبيد وزير التربية، وأن يرفض إعطاء المدرسين التقدير المالي والمعنوي الذي يستحقون.
أكذب على نفسي إن قلت أنني لا أشاطرهم شيئا من أحزانهم وأنينهم وويلاتهم، لكني مؤمن أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. لقد آن الآوان أن ندعم مؤسسات المجتمع المدني لإصلاح الحال وإدارة العجلة التي تبدو كالبطة العرجاء في كثير من الأحيان.
ستستمر العلاقة وجلة، صدئة، مرتابة، بين القطاعين العام والخاص، فكيف يطمئن قطاع لقطاع يراه الحكم والجلاد. وكيف يركن قطاع لقطاع همه الرئيس الربح المادي، وهو يعلن ذلك على رؤوس الأشهاد. لا بد من طرف ثالث يركن إليه الاثنان ويشعران في الوقت ذاته بأنهما يطمئنان له ويثقان برؤاه وتوصياته، ويدركان أن ما يصدر عن هذه المؤسسات رغبة شعبية حقيقية، لا توصيات من بضعة أشخاص لا يخضعون إلى رقابة إلا من بعض أشخاص. إن مؤسسات المجتمع تعد الركن الثالث للمجتمعات المتقدمة فهل آن لنا أن نستفيد إلى أبعد حد من تجارب الآخرين.
لكم سعدت، بالتفاعل الشعبي، مع استقالة عبد الله السويلم عضو المجلس البلدي في منطقة الرياض، ليس لأني مؤمن بما ادعاه من مسببات للاستقالة، وليس للطريقة التي فعل بها ذلك، بل لأن الناس باتوا يرددون كلمة أن هذا الشخص يمثل جزءا من الشعب. لذا يجب دعمه.. لسانه يردد ما يدور في أذهاننا.. كلماته تعكس رؤانا.
ليس من المعقول أن ننتظر كل يوم متى ينفتح الباب المفتوح، ويجب ألا يتحول مسؤولونا إلى مستقبلي عرائض. لماذا لا تصبح العلاقة بين جميع الأطراف علاقة مؤسسية لا تخضع للتأويل والقلق. يكفي أن يعبر شخص واحد (العضو في مؤسسة المجتمع المدني/ النائب في المجلس البلدي) عن 20 ألفا (الناخبون)، ويكفي للرد على ذلك الرد على شخص واحد (النائب).
إذا، وقتها مستقبلا، لن نعد نحتاج إلى الباب المفتوح. نحن لسنا نجارين بالضرورة، ولن يكون المسؤولون في القطاع الحكومي بحاجة إلى طوابير من رجال الأمن لتنظيم عملية الدخول. ببساطة سنقف على حقيقة مفادها أن المسؤول التنفيذي أمامه متسع من الوقت وفرصة كافية لتأدية ما يريده المشرع، وقد يكون شخصا أو اثنين، شريطة ألا يطلب المشرع مخالفة الدستور أو أنه كان لديه قصور في الفقه الدستوري في فهم نقطة ما، ومن ثم يتم التباحث والنقاش بين شخصين مؤهلين لقول ما يريدان، ويدركان أنه يجب عليهما التفاهم بهدوء، لأن كليهما ربما يكون خاسرا في حال عدم الاتفاق أو التوافق، فالأصل أن يلتزم المشرع بتوجهات الناخبين، وأن تؤدي السلطة التنفيذية ما يريده المشرع الذي هو بالأصل تحقيق طموح المواطن.
لعل ما يميز مؤسسات المجتمع تلك القوة التي تضاهي أي قوة أخرى في المؤسسات الحكومية، أو قوة الأفراد، من وجهاء وغيرهم، كونها تستمد قوتها من الصوت الإنساني، الذي يعد المشعل لأي تقدم وتطور على وجه البسيطة، فالصوت له مفعول السحر في بناء المجتمعات وإكسير الحياة الذي ينبض في شريانها. عندما تقوم مؤسسات المجتمع المدني على أصوات المجتمع برضا أكيد فإنها تمتلك قوة ليست بحاجة معها لأن توارب أو تتخفى تحت هذا الجلباب أو ذاك. بل تصدح في الآفاق
تريد النهار... لا مكان للتستر.. بلدنا نقي.. الشفافية ديدن الجميع. والجميع يعلم بذلك ويطمئن له. حينها لا داعي أن تسمي الواسطة شفاعة كي تنجز أمورك، فما دام ليس في أمرك بثورا فإن طريقك هي ذاتها طريق الآخرين، وكل شىء على المكشوف.. هل تنزعج من ذلك؟.
إن المجتمع المدني ليس حلا سحريا لإخفاقات المجتمع، لكنه أداة ممكنة لعلاج كثير من المشكلات التي باتت سمة عديد من المجتمعات في دول العالم النامية، ومنها بلدي الحبيب، الذي يتطلع إلى أن يصبح الأفضل في كل شيء لكننا لسنا كذلك.. لسنا قريبين من ذلك، والسبب أن لدينا موقفا غير متساهل مع التغيير.. لعل هناك أسبابا أخرى.
يجب أن نختار ما نريد، لا أن ننتظر يوما بعد آخر ما يراد لنا.. ليس معنى ذلك الصراخ أو الاعتداء بل بالإيمان أن الله وهبنا عقولا لنفكر بها. وهو جل وعلا الذي استهل أغلى الكتب وأحبها إلينا كمسلمين بكلمة: اقرأ، وهو الذي قال: quot;قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعملونquot;.
علينا أن ننظر لما يجري حولنا بهدوء وصفاء.. لنتوقف قليلا ونسأل أنفسنا عما إذا كنا نرضى لأبنائنا أن يدرسوا بالطريقة الحالية، ويتلقوا العلاج في المراحل الحرجة من بالأسلوب الحالي، ويأكلوا بسكويتا لا يصدقون تاريخ انتهائه، ويسكنوا في بيوت كل ساعة تنخر الجرافات أمام أبوابها أو بابها، وكأنما ديدان الأرض كلها لا تقضم سوى أسلاك كهرباءنا ومواصير مياهنا.
علينا ألا نطفق نبحث عن حل من المريخ.. الحل أدنى بكثير.. لا يحتاج الحل سوى نفوس مطمئنة تؤمن أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

حبشي الشمري
[email protected]
* إعلامي سعودي