كل من يتهجم على الأشقاء العرب......يخرج على عروبته!quot; هذا الكلام الذي جاء على لسان رئيس الجمهورية اللبنانية خلال زيارته الأخيرة للملكة العربية السعودية يصلح في الحقيقة كشعار يوضع ضمن برواز ويرفع على الحائط حتى تلامسه العين مراراً فينطبع بالفكر والوجدان. والكلام الصادر عن الرئيس في جدة موجه كما هو باين للبنانيين الذين نسوا أو تناسوا أن أشقاؤهم هم العرب أولا قبل غيرهم من الجيران المشرقيين، نسبة لانتماء لبنان إلى العالم العربي أولاً. وبالتالي يصبح كل تهجم أو سباب يوجه للأشقاء العرب بمثابة خروج أو انحراف عن إطار عائلة الانتماء الأوسع ألا وهي العروبة. وللذين لم يوفروا الشقيقة الكبرى ورائدة العروبة المملكة العربية السعودية من سهامهم اللاذعة، وهي التي لم تدخر يوما جهدا من اجل تقريب وجهات النظر بين الإخوة اللبنانيين المتقاتلين أيام الحرب والتي لم تتأخر عن مساعدتهم ومساندتهم أيام المحن والشدة، نسألهم أين هم من مفهوم العروبة؟ وهل يعنيهم فعلاً التحذير الصادر عن رئيس الجمهورية؟


قد يعتبر البعض أن تساؤلنا هذا تشوبه نسبة عالية من الطوباوية كون المعني بالتهجم على المملكة ومن بعدها المقصود من مبادرة التقويم الرئاسية هو الجنرال عون بالذات. والطوباوية تأتي من كون مسألة quot;الخروج عن العروبةquot; لا تشكل قلقاً فعلياً للجنرال ميشال عون، أو تقض مضجعه. نقول هذا بكل قناعة انطلاقا من مبدأ أن كل الساعين للتقوقع ضمن طوائفهم ومذاهبهم، هم بفعلهم الانعزالي هذا لا يسعون فقط لرذل وتغييب مفهوم المواطنية اللبنانية الحق، بل وقد لا يكونوا معنيين بتاتاً بالانتماء للعائلة الأوسع إلا وهي العروبة. والجنرال عون الذي حصر ذاته في كيانية الزعيم المسيحي فقط، هل ننتظر منه أي انزعاج فيما خص إشكالية الانتقاص من نسبة العروبة في الدم؟ بل أكثر من ذلك يمكن القول أن مجرد الكلام عن العروبة اليوم وخاصة بعد ورقة التفاهم، قد تثير حساسية الجنرال بل وقد ويقشعر لها بدنه لأسباب يعرفها تماماً. وإذا كان علينا من نصيحة نسديها له قد تكون أن يتحاشى الكلام عن الانتماء لعائلة العروبة، لأن مجرد فتح هذا الموضوع قد يكشف عوراته الانعزالية. لذا قد لا يكون غريباً تهجمه على المملكة العربية السعودية كونها الرائدة في مجال رفع اسم العروبة، فموجبات تعزيز الخطاب ألغرائزي المسيحي الانعزالي تتناقض وأي مواقف انفتاحية باتجاه العالم العربي. إن عمل الجنرال عون الدؤوب لتقوية شعور الخوف عند المسيحيين منquot;بعبعquot; الإسلام السني، تهدف إلى تقديم نفسه كالمخلص الأوحد، ومن ورائه إيران كالملاذ الأول والأخير لهم. وهو مشروع يستوجب من منظوره التهجم على المملكة العربية السعودية، وكل ما يمت لها بصلة. وبالتالي من الطبيعي أن تكون الإضاءة على الانتماء العربي الطبيعي لمسيحيي الشرق مغيب وممقوت.


وإذ نعتبر أن البيئة الطبيعية لمسيحيي الشرق هي العالم العربي، هو لسبب رئيسي كون السمة العربية هي موجودة كلغة وكثقافة وتطبع تاريخ وهوية كل الشعوب المشرقية ومنها المسيحية حتى قبل تواجد الإسلام. أما الإسلام فلقد أضاف بعداً حضارياً مميزاً على السمة العربية الأولية نتيجة ارتباطه بالوعاء الثقافي العربي ماضيا وحاضرا ومستقبلا. وبالتالي لا يعني الالتزام بالعروبة التدين بالإسلام حكماً والقرآن الكريم هو واضح وصريح في هذا المجال. والعروبة ليست وضعا يكره بموجبه الإنسان العربي من اعتناق الدين الإسلامي أو النزوح عن بلاد العرب كما يتعمد الترويج له حالياً جماعة التخويف والتقوقع والانعزال، وجماعة رفض الآخر أو الانتقائية في الرفضية، كرفض المسلم السني، وتفضيل الشيعي عليه من منطلق الترويج أيضا لمبدأ تضامن وتكاتف الأقليات... ولكن ثقافة الانعزال التي نعيشها حاليا تغيب السمة العربية الثقافية السابقة للعصور الإسلامية وتشدد على ارتباط العروبة بالإسلام وتعتبره ثقافة رفضية للأديان المغايرة. وهي مواقف باتت مكشوفة ولم تعد تنطلي خفايا أهدافها المشبوهة على أحد.


كلام خطير أن يخرج المواطن العربي عن هويته العربية الأصلية والأصيلة أيا كنت ميوله أو تحالفاته السياسية! كلام خطير أن يخرج الإنسان عن حجمه الطبيعي ويتقمص جلد الفيل وهو بحجم النملة. وهل الجنرال عون هو إلى هذا الحد بعيد عن الإحصاءات التي تؤشر إلى النزف المسيحي الحاصل في العالم العربي وإلى التناقص المستمر في أعداد المسيحيين المشرقيين؟ ألم يرى الجنرال عون ما حدث للمسيحيين في شمال العراق وكيف تحولوا إلى فرق عملة بين ليلة وضحاها؟ والسؤال هو أين إيران من حماية هؤلاء المسيحيين النازحين عن بيوتهم وأراضيهم في الموصل حتى يثق مسيحي لبنان بالوعود الذي يقطعها الجنرال عون حول غيرة إيران عليهم ورعايتها لهم ولمصالحهم، ولاستعدادها لدرء الإخطار الذي يدعي إنها تهددهم كل يوم؟ لم نرى أي موقف شاجب أو مستنكر من قبل إيران تجاه عملية التهجير المسيحية القريبة منهم فهل ننتظرها في حال تهجير مماثل للمسيحي الأبعد، في لبنان، لا سمح الله، يوما من الأيام؟


إن في سياسة الجنرال عون الهادفة للالتحاق والالتصاق بالخط الفارس البعيد، لهو تصرف من خارج جلدته وهويته ومحورها منطقة من المشرق تسمى عادة بالشرق الأقصى. فهل يدرك العماد عون أهمية ودور المسافات في نسج علاقات القربى بين الشعوب؟ أولم يكن أجدر وأفيد وأصوب أن يبادر الجنرال إلى زيارة quot;الأشقاءquot; في سوريا مثلاً؟ ولكن هذا هو موضوع آخر. وربما كانت المغازلة العونية باتجاه سوريا كالحب من طرف واحد. وكما يقول المثل ربما كانت سوريا quot;حصرم بحلبquot; ليس فقط بالنسبة للجنرال بل ولباقي أطراف جماعة 8 آذار أيضاً...


مهى عون