وأخيرا دخل ميكي ماوس إلى حلبة الصراع هذه المرة حلبة بعيدة عن أفلام الكارتون والرسوم المتحركة فقد أصبح له مكان في خطاب التعبئة الذي يستخدمه الأيدلوجيين ضد بعضهم البعض بعد أن ملوا استخدام الصيغ التعبوية المعتادة والشعارات الرنانة التي استهلكها الناس الأمر الذي فرض استبدالها بصيغ وشعارات جديدة تتماشى مع أذواق وميول الأجيال الجديدة لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة ولابد أن يحصل شيء مباغت يخلط الأوراق ويبعثر الحسابات فقبل دخول ميكي ماوس إلى الساحة.


لم يكن لهذه الشخصية الكارتونية شهرة طاغية على المستوى العربي يناظر مالها من شهرة على المستويين الأميركي والعالمي وذلك انطلاقا من غلبة النهج السياسي المناهض لهذا النوع من المنتجات التي تروج للقيم الأميركية و الذي كان له الأثر في خلق تعاطي حذر مع جملة المنتجات الفنية الغربية و الأميركية منها بشكل خاص وزاد من سطوة وخناق الرقابة بما تفرضه من قيود ومعايير ترتبط أساسا بالنموذج الأيدلوجي المهيمن نموذج الإقصاء ورفض الأخر المشهود في منطقتنا و الذي استقى جل عناصره من التراث الثقافي العام للمنطقة لكن مع ذلك فهذا ليس أمرا مطلقا لان كثافة الإنتاج الأميركي وجودته العالمية فرض تسوية منحت المنتج الأميركي فرصة الولوج إلى الساحة العربية شريطة أن لا يتعارض مع النهج السياسي لبلدان المنطقة أو لايحمل رموزا أو قيما غريبة أو تبشر بنمط الحياة الأميركية ويبدو أن كارتون ميكي ماوس الشهير أميركيا كان من بين هذه المنتجات المحضورة أو شبه المحضورة وفي بلدان عربية كثيرة إذ قلما عرض في قنوات عربية حتى تلك المتخصصة بأفلام الكارتون كقنوات سبيس تون وغيرها لكن هذا الأمر تغير في الآونة الأخيرة ويبدوا أن لصدور فتاوي دينية مضادة لهذه الشخصية كان له دور في ذلك لاسيما بعد الضجة الإعلامية التي أعقبت صدور هذه الفتاوى وحملة الرفض والتنديد لها حيث يلاحظ حصول تصاعد ملحوظ في شعبية هذه الشخصية وفي تواجدها الإعلامي بحيث حضيت بتعاطف لم تحظ به حتى الشخصيات الحقيقية وكسبت مؤيدون ومعجبون لم يكن بالإمكان كسبهم في السابق ويبدوا أن الفتاوى عوضت الغياب القسري لافلام ميكي ماوس وأعطتها شعبية عربية لم تكن تحلم بها من قبل ففي العراق الذي عانى ويعاني من أمثال هذا التطرف ازداد إقبال الأطفال على شراء صور ميكي ماوس بل و زادت محاولتهم للحصول على أفلامه الشحيحة من اجل التعويض عن النقص الذي يسببه عزوف القنوات التلفزيونية عن عرضه وعلى الأرجح فان هذه الظاهرة لم تقتصر على العراق بدليل انتشار موجة التنديد بالفتاوى في أكثر من بلد عربي ما يعني أن تأثير الفتاوى كان عكسيا وان شهرة هذه الشخصية الكارتونية قد ازدادت كثيرا عن السابق وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد لايغير كثيرا من التعاطي الإعلامي المتبع حاليا إلا انه ربما سيدعم أي توجه من هذا النوع يصدر قريبا أو بعيدا وقد يكون لهذه الفتاوى دور في التحول إلى الانفتاح و تفتيت المقاطعة الفنية التي لم تعد مجدية ولا تقدم أي حلول لواقع المنطقة ولوهنها أمام اختراق الأخر لان سلاح الفتاوى فقد معناه ولم يعد بمقدوره تغيير المعادلة ولعل استخدام الفتوى ضد شخصية وهمية هو ابلغ مثال على هذا التحول الذي تجاوز أبعاده العادية وأصبح يغري بما هو اكبر من الموجود فهل حقق ميكي ماوس ما عجز عنه مفكرين وعلماء كثر أم أن المعركة مازالت في بدايتها لتغدوا هذه الشخصية الكارتونية عنوانا لجدل جديد ومعمعة أخرى مباغتة نتمنى أن لا يقع أطفالنا فريسة هذا النوع من الجدل ولا يكونوا ضحية له لأنهم أبرياء ووديعون.

باسم محمد حبيب