لم يكد حذاء منتظر الزيدي ينطلق باتجاه رأس الرئيس الأميركي جورج بوش، حتى فتحت النقاشات والمواقف المتناقضة على مصراعيها. كان من المتوقع أن تنقسم المواقف بين مؤيّد ومعارض، لا بل كان متوقعًا جدًا ما ستتناوله quot;الأقلام quot;المعارضة لهذه الحادثة والنعوت التي سيتم وصفها بها.

كتب الكثير وقيل الكثير. كتب ما هو جميل جدًا من المؤيدين وكتب القليل جدًا مما هو مقنع من المعارضين، أما البقية فذهبت إلى حدودها القصوى ألا وهي quot;الإعتذار من بوشquot; .

لكن الحجة الاكثر اثارة للضحك من بين كل الحجج التي تم تقديمها هي الدفاع عن quot;شرفquot; القلم وحياده وموضوعيته ومهنيته.quot;لا يحق له... فهو صحافيquot;، quot;لقد دنس المهنةquot;، quot;الحياد... الموضوعية... المهنية...quot;، quot;التعبير بالقلم والكلامquot;... حجج عدة تم الحديث عنها من قبل quot;أهل القلمquot;.

لكن المثير في كل هذه الحجج أن أهل القلم انفسهم يعلمون قبل غيرهم أن هذا quot;القلمquot; تم كسره وتشويهه منذ مدة طويلة من الزمن. تحول إلى قلم غير حيادي وغير موضوعي وغير مهني، لا بل بات قلمًا لا يخط سوى الكره والعنصرية والطائفية والفرقة في كثير من الاحيان. فعن أي quot;قلمquot; يتحدثون، وعن أي حياد ومهنية. وأي حجة يملكون... يتحجّجون بمثالية quot;مهنةquot; مشوهة يتم بيعها وشراء اقلامها.

مثالية فارغة لم تخدم اطلاقًا هدفهم في ادانة صحافي لم يستخدم هذا القلم المشوه .لا بل اعتقد ان اجمل ما قام به الزيدي انه ترك هذا quot; القلم quot; لأصحابه وعبّر على طريقته الخاصة.

في المقابل برزت مقارنة بين حذاء الزيدي وحذاء ابي تحسين، وان كانت المقارنة لا تجوز لكننا سنفنّدها .
قام ابو تحسين بضرب صورة ديكتاتور عربي بعد سقوط نظام هذا الديكتاتور على ايدي النظام الاميركي .
اما الزيدي فقام بضرب ديكتاتور اميركي ..رئيس الولايات المتحدة الاميركية بلحمه وشحمه بفردتي حذائه .
فأين وجه تفوق الأول على الثاني... اين شجاعة الاول من شجاعة الثاني ؟

قيل ان هذا دليل للديمقراطية، وان الزيدي لو لم يكن يعلم انه سينجو بفضل الديمقراطية المنتشرة لم يكن ليقوم بذلك. دليل الديمقراطية هذا تجلى بكسر ذراعه على الفور وضربه .اما حذاء الزيدي فخضع للتحليل بحثًا عن المتفجرات !

الزيدي يتعرض للتعذيب ، يضرب بالاحذية ويحرق وجهه بأعقاب السجائر . حسنًا ما زلنا في اطار المتوقع ..لا بل ما زال ما يقومون به اقل بكثير مما هو متوقع. فالديمقراطية التي ينعم بها اهل العراق ، تفترض سلفًا أنه وبعد التنكيل بالزيدي، سيتم قتله ان لم يكن عاجلاً فسيكون اجلاً.

لنزل جورج بوش كشخص من الصورة ولنبقه كرئيس لدولة ما. يقول المنطق ان المواطن هو اساس اي عملية ديمقراطية وهو بالتالي ينتخب من يريده ان يمثله كي يقدم له الخدمات .

اما في عالمنا العربي، فإن فكرة quot;المواطن quot; تبدأ من لحظة ولادته ، فيعيش تحت ديكتاتوريات من انواع مختلفة .
فيصنف ويهمش وينكل به ويحدد دوره كمصدر للضرائب لا اكثر، وإن تجرأ وتكلم فيضرب بالحذاء على رأسه .
هذه هي ثقافة الاحذية التي انبرى الجميع يعايرون بها مؤيدي الزيدي بها ، هذه هي الثقافة التي ارستها الحكومات العربية لمواطنيها .

الخنوع او الاحذية فوق رؤوسكم .

... وفجأة يظهر علينا احد المعترضين على quot;فعلة quot;الزيدي بمقال يعتذر فيه من بوش وآخر يعتبر ان اهانة بوش هي اهانة لكل العراقيين. لا اعرف ان كان هؤلاء يقيمون على الكوكب نفسه معنا !

نظرية اخرى اخرجت الى العلن تتحدث عن تدبير مسبق للعملية، وعن تورّط قادة البعث فيها، مجددًا ما زلنا في اطار المتوقع جدًا.لكن المضحك في هذه النظرية هو ان مسربها غاب عنه انه لا يهم فعلاً من قام بالتخطيط او من قام بالتنفيذ .لا يهم لو قام الشيطان نفسه برمي بوش بفردتي الحذاء .. المهم ان هناك من قام بها .

المهم ان هناك من قام واعطى ذلك الرجل ما يستحقه فعلاً .

هل الزيدي بطل عربي ؟ لا اعرف حقًا. فمن هم الابطال العرب؟

لكنه بطل... بطل حين قام بما قام بذلك لأجل اليتامى والآرامل، لأجل من لا يُسمع لهم صوت.لأجل من قطعت اجسادهم ونهشت الكلاب ما تبقى منهم . نادى باسمائنا جميعًا... نحن العرب السكارى من ضربات احذية حكامنا المتتالية على رؤوسنا .

نسرين عزالدين