نفهم أحيانا عند تغيير اسم احد الشوارع في المدن العربية، كيف يكتب الاسم الجديد، ثم يوضع تحته بخط اصغر الاسم السابق للشارع، مع إضافة كلمة سابقا، وذلك لكي لا يتيه المارة أو السائق غير المتعوّد على الاسم الجديد، فلا يدري إلى أين يتجه.


إلا أنّ طريق الديمقراطية العربية وشوارعها المتعرّجة قد ابتكرت طريقة جديدة في التعامل، ليس مع الشوارع الجديدة، وإنّما مع البشر. فقبل أيام كان العالم كله على موعد مع النصر المصري المؤزّر في مباريات كرة القدم. وقد سرّ العرب بأجمعهم لهذا النصر الجميل والمستحق. ولكن وفي ذات اليوم، أصدرت المحاكم المصرية ما كان العالم يرقبه أيضا وهو فتح المجال لشمس الحرية الدينية لأن تسطع فوق مصر الشامخة.
فتم الإقرار بان يتاح لمن كان مسيحيا ثم أصبح مسلما الحرية في عودته إلى المسيحية. وأنْ يكتب ذلك فوق هويته الشخصية. بينما في السابق لم يكن يكتب له أي شيء أو كان يكتب له عبارة quot;بلا دينquot;. وهو أمر ما زال معمولا به في كثير من الدول ( العربية حصريا). هذا في الوقت الذي حصل فيه المواطنون البهائيون على نسمة حرية دينية في أنْ يكتب شحطة (أي إشارة -) لتكوين صيغة الاعتراف ولو من بعيد بأنّهم ليسوا مسلمين، كما كان يكتب لهم سابقا.


ولكن، وبالعودة إلى الحكم الصادر عن المسيحي العائد، فقد أضافت المحكمة إلى جوار اسم مسيحي: كلمة quot;مسلم سابقاquot; لكي يعرف كل من سيتعامل مهنيا وحتى اجتماعيا مع هذا الشخص انه قد خان ديانته الإسلامية وذهب ليصبح مسيحيا. وهذا سيضاعف التمييز الذي تمارسه بعض الجهات، وسوف يخلق شرخا في الأوساط الاجتماعية التي يهمّها أن تعرف دين الشخص الذي تتعامل معه، قبل أن تتعرّف عليه. وسيخلق أيضا العديد من الصعوبات في الارتباط بزواج، إذ إنّ الديانة شأن مهم للارتباط.


وهنا نتساءل. هل تمخض الجبل هنا فولد فأرا؟ وهل هذه الديمقراطية هي ما كان المواطنون بانتظارها منذ سنين؟ وهل يسمى ذلك حرية دينية غير موجودة أصلا في الوطن العربي؟ ( وقد تحدّثت في مقال سابق عن الحرية الدينية واختلافها عن حرية العبادة وإقامة الشعائر الدينية. فهذه موجودة وان كانت بمقادير نسبية تتباين من بلد إلى أخر ). لقد فرح العالم لقرار المحكمة المصرية، ولكنّه قرار ينطبق عليه قول أخوتنا المصريين: quot;يا فرحة ما تمّت quot;!


فهل من الضروري أنْ اعرف المواطن من خلال تبيان مدى قربه من مواطن أخر؟ فليكن. إذاً، لماذا لا نكتب بدل كلمة quot;مسيحي quot; عبارة quot;ليس مسلماquot; على شاكلة من كان مسيحيا ثم أصبح مسلما وأراد العودة، فإذا هويّته يخط عليها، مسيحي ولكن، مسلم سابق.


المشكلة ليست في التسميات بل في العقليات التي ما زالت تملك خللا في التعامل مع الأقليات. ( هذا إذا اعتبرنا أنّ الأقباط الذين يعدّون أكثر من 10 ملايين نسمة من ضمن الأقليات ). ونحن هنا لا نتحدّث عن المشكلات الاجتماعية التي تطرأ بين جيران أو أبناء قرية واحدة. نحن نتحدّث عن القوانين التي تحكم بين المواطنين وتبين لهم حقوقهم وواجباتهم. وبالفعل فقد صدر في مصر قبل أيام إعلان القاهرة للمواطنة وهو يشكل دعوة ديمقراطية شعبية وأكاديمية من منظمات حقوق الإنسان في سبيل المساواة، قولا وفعلا في حقوق كل مواطن وواجباته. فهل سيجد هذا الإعلان الجديد تطبيقا على ارض الواقع؟ فالمهم ليس أن نحفظ حقوق الإنسان غيبا. ولكن أنْ نمارسها فعلا. والمهم ليس في أن نسنّ التشريعات لكي نروّج لها إعلاميا، فيرضى عنا تقرير الحريات الدينية الأمريكي السنوي. وليس في التكلّم عن التعايش والتزاور بين المسلمين والمسيحيين في أي بلد.


بل إنّ ما يحتاجه شرقنا العربي العزيز هو أنْ ننظر إلى الإنسان كانسان والى البشر كأسرة واحدة. والى كل مواطن بمقدار ما يتفانى في خدمة مجتمعه ووطنه. حتى لو كلفنا ذلك أن نزيح، ليس فقط كلمة quot; مسلم سابقquot; فحسب، بل أن نزيح خانة الديانة أصلا، من الأحوال المدنية، إذ إنّ المهم في عصر حقوق الإنسان وحرياته، هو الإنسان نفسه، وحقوقه الأساسية التي يحتاجها حاجته إلى الهواء والمياه والغذاء. المهم هو حرياته التي لا تنازل عنها، وأولى تلك الحريات وأجملها حرية الإنسان الدينية.


الأب رفعــت بدر
www.abouna.org
[email protected]