من اللحظات القليلة أو النادرة، أن نشهد مظاهرات يحمل فيها مئات الآلاف من المسلمين أعلاما أميريكية لا لحرقها، وإنما لإعلائها فوق الأسطح والمباني، هاتفين بحياة أمريكا على الصنيع الذي قدمته لهم.

هذا ما حدث في العاصمة بريشتينا وفي مدن الإقليم المختلفة عند إعلان قيام دولة كوسوفو الجديدة في الإتحاد الأوروبي. ومن غريب الصدف أن أولئك الذين رشقوا السفارة الأمريكية في بلغراد بالحجارة وزجاجات المولوتوف الحارقة ليسوا مسلمين بل قوميون صرب ندّدوا ب(تآمر) أمريكا والعواصم الغربية على دولتهم الصربية، وذلك بإنشاء دولة جديدة في خاصرتها، تسعون في المئة من سكانها مسلمون. فهل تآمرت أميريكا مع حلفائها المسلمين ضد المسيحيين؟ أم أن الحسابات السياسية حتّمت ذلك؟

رغم أن السياسة تقوم على مبدأ تبادل المصالح، فلا صديق دائم ولاعدو دائم، إلا أن قراءتنا للتحالفات السياسة العالمية وتصارع القوى دائما ماتكون مبنية على العاطفة، ولم نستوعب بعدُ أن قرارات الدول تُبنى على مصالح استراتيجية بعيدا عن الكلام والتنظير الذي يُلقّن في معاهدنا (السياسية) حول القضايا العادلة وانتصار قوى الخير، وما إلى ذلك من نظريات لو سمعها مكيافيلي لمزّق كتابه الأمير.

استقلال كوسوفو الذي ساندته واشنطن وأكثر العواصم الغربية لتكسير ماتبقي من عظام الدب الروسي، عارضته موسكو الحليف التقليدي لصربيا، مخافةً من أن يُسيل لعاب الانفصاليين في منطقتي الحكم الذاتي الجورجيتين وهما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ولم تعارضه مدريد حبا في الصرب وإنما خوفا منها من تكرار التجربة مع إقليم الباسك المطالب بالاستقلال.

بعيدا عن نظرية المؤامرة، إذا أسقطنا سياسة التحالفات الدولية على منطقة الشرق الأوسط، فلا يمكن أن ننتظر من الصين التي تسعى لأن تصبح قوة عظمى في السنوات القليلة المقبلة، بأن تتحالف مع أنظمة لاتملك القدرة على استغلال نقاط الضعف والقوة عند خصومها. وأي دولة عظمى تطمع في خيرات المنطقة فإنها ستتحالف مع أنظمة تمارس السياسة وتبني حساباتها المستقبلية على التخطيط والدراسات الاستشرافية ولا تغامر بالتحالف مع أنظمة حكم تبني مستقبلها على الحدس والتكهنات، حتى ولو كانت تملك أعدل القضايا في العالم.

والواقع يقول إن عدد الأنظمة التي تمارس السياسة بمفهومها المكيافيلي في المنطقة ينحصر في ثلاث دول : إسرائيل تركيا وإيران. والأيام دول.

سليمان بوصوفه