ثقافة الترقيم في السعودية - وربما في بعض الدول الخليجية - هي أن يرمي أحد الشباب رقم جواله للبنت أو لمجموعة البنات التي يستهدفهن أو يعترضن طريقهن سواء في الأسواق أو في المنتزهات أو في بعض أماكن التجمعات العائلية أملاً في الوصال أو الإتصال لإشباع رغبة أو طرح دعوة لخلوة قد تتبعها خلوات تكون نواة لعلاقة غير شرعية تدفع البنت ثمنها من أخلاقها وشرفها ومشاعرها، وقد تنتهي بها إلى الفضيحة أو حدوث الجريمة وتسقط بعدها من أنظار المجتمع وتخسر ثقة أهلها وعزوف الشباب عن الإقتران بها.. وتصبح ورقة محترقة بعد أن كانت وردة نظرة يعشق رحيقها من يعيش حولها ويطلب ودها ممن هو بعيد عنها. وبعض البنات تستجيب لهذا النداء مدفوعة بإغراءات التجربة وبتراكم المشاعر وبدافع الفضول وبالرغبة النفسية في التعرف على الطرف الأخر الذي يبقى غامضاً لاعتبارات اجتماعية وشرعية في بلد كالسعودية يُمنع فيه الإختلاط ويكون الرقيب حاضراً في كل مكان. وينتهي غالباً هذا النوع من التواصل إلى تنازلات ومُساومات تكون الصور والتسجيلات الصوتية واللقطات المرئية مادتها الأساسية لتكون فيه الفتاة بعدها كالسلعة الرخيصة في سوق نخاسة من أوهموها بالحب وسقوها الغرام وزينوا لها الحرام.. ولعل قضية فتاة القطيف وقضية برجس شواهدٌ على ما نقول.


ومع ثورة الإنترنت وشيوع ثقافة استخدامة في السعودية عند الكثير من الشباب والفتيات، وفي ظل غياب الرقيب العائلي تحول الترقيم اليديوي إلى الترقيم الإلكتروني من خلال المنتديات ومواقع الشات المشهورة كالماسنجر والياهو وغيرها حيث يسهل التعارف والتواصل، ويصبح تبادل الصور واللقطات أسرع وأكفأ ولكن تبقى النتائج متشابهة والنهاية واحدة حيث يبدأ الأمر بالإعجاب ثم الإرتياح ثم الإنشراح وتنتهي هذه الدراما بالمساومات والتهديدات التي تستجيب لها الفتاة في الغالب ظناً منها أنها تمنع الفضيحة فإذا هي كمن يشرب الماء المالح على العطش لتتوسع الفضيحة ويصبح السيطرة عليها أمراً مستحيلاً تكون فيه الفتاة هي الخاسر الأكبر في النهاية.


وفي ظل برنامج خادم الحرمين للإبتعاث الخارجي، ومع توافد أعداد كبيرة من الشباب والفتيات للدراسة في الخارج، ظلت ثقافة الترقيم مسيطرة على عقول بعض هؤلاء الشباب وتلك الفتيات ولكن بتقنيات أكبر تدعمها ثقافة المجتمع الغربي الذي يُتيح فرص اللقاء دون خوف أو اضطراب من سلطة الرقيب أو عيون الغيورين، فكانت مواقع كالفيس بوك وماي سبيس وهاي فايف وغيرها هي البديل المُفضل لتكوين علاقات ولقاءات تحت مسمى صداقات.. حيث يقوم الطرفان بإنشاء حسابات تحت أسماء وهمية وأحياناً حقيقية ليبحثوا عن الفريسة التي تملأ عيونهم وتشبع نهم رغباتهم.. فتبدأ الحلقة الأولى من حلقات التعارف التي لا يحتاج القارئ بعدها إلى جهد كبير لمعرفة تفاصيل الحلقة الأخيرة. وكم من فتاة خُدعت فتم التلاعب بعرضها، وأخرى غامرت بشرفها وكذبت على مرافقها (وهو الأب وربما الأخ) وسافرت للقاء حبيبها المزعوم الذي يلفظها بعد أن يسلب منها كرامتها وعفافها وحيائها.


وإذا تجاهلنا الشاب السعودي في مقالنا هذا على اعتبار أن الكثير منهم ربما لهم سوابق محلية أو خارجية مع بقاء الجانب الشرعي الذي يُحرم هذا العمل، فإن الفتاة السعودية المُبتعثة هي الخاسر الأكبر في هذه التجربة حيث تأتي بعضهن لوحدها لتُُصارع تكاليف الغربة وهي تفتقد للخبرة والتجربة فتقع فريسة سهلة لأولئك الذئاب الذين يدغدغون مشاعرها لتستند عليهم في غربتها ثم بعدها تأتمر بأمرهم وتصيع معهم في كل حانة أو مرقص أو ملهى.. والبعض منهن تأتي ومعها مُرافقها (الأب أو الأخ) الذي غالباً ما يكون وجوده كعدمه من حيث انعزاله عن إبنته أو أخته أو سهولة استغفالها لهما لتتعلم مهارات الإنحلال والضياع فتُضيفها إلى سيرتها الذاتية إلى جانب شهادتها الأكاديمية. ويزداد الأمر سوءاً حينما تُتقن فن الصياعة من كان الحجاب رداءها والخمار غطاءها فتكون كمن يقوم الليل بلا وضوء. والأخطر حينما تنشأ صداقة بين الفتاة السعودية والولد الأمريكي أو الأجنبي ثم تتطور هذه الصداقة لتتحول إلى علاقة استلطافية ثم عاطفية تسقط معها قيم شرعية واجتماعية معروفة عن البنت المسلمة وتتحمل بالتالي هي وزر سقوط هذه القيم.


وبعض الفتيات المُبتعثات تعتقد واهمة أن مثل هذه العلاقات والصداقات هي الطريق الأقصر للحصول على الزوج المناسب تحت مغريات الحب والتعارف والإنسجام وتنسى هذه البنت أو تتناسى أنها تتعامل مع عقلية سعودية حتى ولو كانت مُسلحة بشهادة أكاديمية من الخارج.. إذ يرفض الشاب السعودي الإقتران بطالبة سعودية وافقت على الخروج معه سراً وتبادلت معه مشاعر الحب والهيام مهما كانت العلاقة بينهما لانعدام شرط اساسي في العلاقة الزوجية وهو الثقة.. فالبنت التي تخدع أهلها وتخون ثقة مرافقها في الغربة لن تكون أهلاً لأن تنال ثقة من شاركها الغرام وتبادل معها الهيام.. والشواهد كثيرة والقَصَص أكثر.. وقد أتعرض لشئ من القَصَص الحقيقية في المقال القادم كشواهد للاثار السلبية للترقيم بأنواعة، خصوصاً الترقيم في الغربة حيث سقطت أقنعة الكثير من الفتيات وانكشف أمرهن وشاعت أسماءهن لاستمرارهن على الخطأ والإدمان عليه.


وأختم بالتذكير بالفوائد الإيجابية لتلك المواقع الإلكترونية وانها ليست شراً محضاً بل لها من الإيجابيات مالا يمكن حصره في هذا المقال.. كما أن هناك نوعية من شبابنا وبناتنا من هم مثال ٌ للإحترام والإفتخار بالتزامهم وتفوقهم العلمي والثقافي والأخلاقي والسلوكي.. فهم الإستثمار الحقيقي لبرنامج الإبتعاث.

خليل اليحيا

المشرف العام على الملتقى السعودي في أمريكا