وكالعاصفة التي تأتي بصورة غير متوقعة لا تعرف متى ستضرب أو اين! فيظن المرء انها تزمجر في مكان بعيد، لتقترب منه فجأة وتصب بكوارثها فوق رأسه.. كذلك المخدرات التي يستسلم لإغرائها ويقع في اخاديدها المظلمة كثير من شبابنا، الذين ينغمسون في ملذاتها فيضيعون أمام مواجهة واقع الحياة لتتحطم أحلامهم وإرادتهم تحت تأثيرها، ليصبحوا فريسة المرض والإنحراف والإجرام مما يؤدي بهم إلى إرتكاب أفظع الحوادث المؤلمة وينتهي بهم ذلك إلى طريق الإنتحار أو السجن!!

وذلك لأن تعاطيهم للمخدرات يجعلهم يفقدون كل قيمهم الدينية والأخلاقية والإجتماعية فيهملون مظاهرهم ووظائفهم أو حتى تعليمهم الدراسي مما يجعلهم يتراجعون إجتماعياً وثقافياً، لتنتزع منهم ثقة الناس بهم ويصبحون سطحيين ليس لهم هم في الحياة سوى تأمين قليل من هذا المخدر بأي وسيلة كانت فينحرفون ويهملون كل واجباتهم العائلية والإجتماعية.

وكثير منهم يلجأ إلى أعمال غير مشروعة ومشبوهة كالإختلاس أو التعدي على أملاك الغير والسرقة والبغاء، فيبيعون أنفسهم وأسرهم وحتى وطنهم مقابل حفنة من الهيرويين!! لتتضارب الأفكار لديهم ويشعروا بعد تعاطيهم إياها بالسعادة والعيش الأقرب إلى الخيال والغياب عن الوجود، فيتزايد لديهم النشاط والحيوية ولكن هذا الإحساس سرعان ما ينطفىء بمجرد إنتهاء مفعول المخدر ويتحول من عالم السعادة الذي كان غارقاً فيه إلى واقع مؤلم من تعب وإرهاق مصحوب بالكسل والإكتئاب، فينتج بعد ذلك حالة عصبية وحساسية وتوترا وإختلالا في التوازن لديهم...

وبالتالي فإن هؤلاء الأشخاص ينطوون على أنفسهم ويصبح عندهم تصرفات غريبة وهذيان أقرب إلى الهلوسة، وتتولد لديهم مؤثرات عديدة وحساسيات زائدة كالقلق والتوتر المستمر والشعور بعدم الإستقرار والعصبية المفرطة وحدة في المزاج، تدفعهم إلى إساءة علاقاتهم بكل من حولهم. عندها يتجنبهم مجتمعهم وينبذهم ولا يستطيعون بعدها إقامة أي علاقة إجتماعية مع الآخرين ولا حتى مع أنفسهم ليختاروا طريق الإنتحار بعد اليأس الذي يستولي على حياتهم، أو يختارون طرق الجريمة لينتهي بهم المطاف إلى السجن حيث لا ينفع ندمهم!!!

وهنا لا بد للدولة في هذا المجال أن تكثف حملات التوعية عبر المنظمات الإنسانية المكافحة لهذه الظاهرة الخطيرة، وأن تأخذ الأمر بجدية أكثر وتنشر البرامج الوثائقية عبر الوسائل الإعلامية المرئية والغير مرئية وعبر المدارس والجامعات لتثقف الأجيال الناهضة حتى لا يقعوا في طريق المخدرات.

وكذلك بالنسبة للسجون فيجب على المراقبين أن يشددوا من مراقبتهم للخروقات التي تجعل من المتعاطي للمخدرات بعد دخوله السجن بغية التأديب والشفاء من حالته، ليخرج منه بحالة أسوء مما دخل إليه، لان المتعاطي للمخدرات يصنف بالمريض وليس بالمجرم حتى يسجن مع من ارتكب أفظع الجرائم فيؤدي به الأمر بأن يصبح مثلهم عند إنتهاء مدة سجنه!!!
*************
قال لها عندما أكبر وآخذ شهادتي الجامعية سأدعك ترتاحين من العمل وسهر الليالي لتعتمدي على ساعديّ في كل شيء... لكن ذلك السم القاتل حال بينه وبين حلمه ووعده لها، وأفقده بصره وبصيرته وانتزع منه ما تبقى له من رحمة تجاه كل من حوله وحتى أقرب الناس إلى قلبه ألا وهي أمه!!!

بلال تفتحت عيناه المراهقة على أصحاب السوء لتضعف إرادته ومعها قيمه الدينية والاخلاقية التي ربته عليها أمه بعد وفاة الوالد في الحرب اللبنانية، ليؤدي به الأمر إلى الإنحراف وإختيار طريق الشيطان عبر تعاطيه لنوع من أنواع المخدرات لتضيع كل آمال تلك الأم المضحية في مهب الريح..

فكانت تعمل داخل البيت على آلة الخياطة خاصتها لمعمل خياطة قريب من البيت، فتسهر طوال الليل لتنجز أكبر كمية ممكنة لتؤمن لأطفالها أقساط المدرسة ولقمة العيش، وإستمرت على تلك الحالة مدة خمس سنوات تعطي من دمها ونور عينيها حتى ينال إبنها الوحيد بين إبنتين الشهادة الثانوية، واكتملت فرحتها وجاء اليوم الموعود ونجح بلال في شهادته لتنسى تعب السنين بأملها بتحصيله الشهادة الكبرى. وهنا ولأن بلال كان ذا تربية صالحة أراد إعانة أمه والتخفيف عن العبء الذي تحمله على كاهلها، وفكر بالعمل في الليل حتى يساعدها ولو بجزء بسيط ففتش عن عمل بدوام ليلي إلى أن وجد عمل كنادل في احد المقاهي الكبرى في وسط المدينة حيث الأجواء المليئة بالمجون والعربدة والناس مختلفة ببيئتها عنه وعن اخلاقه، ولكن كان بنظره العمل أين ما كان ومهما كان ليس مشينا إن لم يحيده عن مبادئه وأخلاقه. في بلد يضطر فيه الشاب للعمل بأي وظيفة كانت لتأمين دخله البسط حتى لا يقع في حفرة البطالة!!!

وإستمر على عمله مدة سنتين وهو على أحسن حال في جامعته وعمله وأمه مفتخرة بإبنها الذي يساعدها بنفقة البيت، لكن الحلم إنقطع وتبددت الآمال عندما تعرفت عليه quot;شلةquot; من الشباب المترددين على ذلك المقهى لإعجابهم بشخصيته، وكان ليس لتلك المجموعة من هم سوى السهر والسمر والتعاطي حيث يتخذون من المخدرات تسلية ومصدر فرح لهم ولا يبصرون عواقبها المرتقبة عليهم. لأن معهم من المال ما لا يملك بلال قرشا واحدا منه، فينغمسون في ملذاتهم دون الإلتفات إلى أي شيء بجمعهم أكبر عدد ممكن من الشباب حتى يروجوا بضائعهم..

وإنغمس معهم بلال بعد أول حبة أخذها منهم وطار حلم الشهادة الجامعية وذهب وعده لأمه أدراج الرياح، وأصبح يتوق للمخدرات كتوق الظمآن للماء، إلى أن أصبحت كل خلية بجسده تطالب بالشفاء والخلاص..

والأم لا تدري ما حل بولدها سوى أنه أصبح إنسانا غريبا عنها وعن مجتمعه، إذ صار عصبي المزاج وتنتابه نوبات هلوسة ويتصرف تصرفات غريبة تحير الأم فتارة يضرب أخوته ويكسر كل ما تتناوله يداه وتارة يشتم أمه و يهينها بشتى الطرق، وكانت الأم على طيبتها وحبها له تتوسله وتترجاه أن يعرض نفسه على طبيب وكان يأتيها الرفض القاطع منه حتى لا ينكشف أمره..

ولكن في يوم ما تجد أخته بعضاً من الحبوب عندما كانت تنظف تحت سريره فتعطيها لأمها التي تأخذها بدورها إلى أقرب صيدلية لتتفاجأ بأن وحيدها يتعاطى حبوب هلوسة، فيجن جنونها وتنتظره ليرجع إلى البيت وهناك تواجهه بالأمر وأنها ستأخذه إلى المستشفى، فتحدث مشاجرة بينه وبين أمه لتمتد يده على من ضحت بعمرها من أجله، تاركاً البيت والأم تبكي إبنها وما جرى له، لتبحث بعدها عنه في كل مكان لكن دون جدوى وكأن بلال تبخر، فتتوسل الجيران والأقارب أن يرجعوا لها وحيدها حتى تعالجه من حالته ولكن لا يفلح معهم البحث كذلك، إلى أن يأتي ذات يوم بعض من رجال الشرطة يدقون بابها ويخبرونها أن إبنها في السجن بتهمة التعاطي للمخدرات..

وهناك تهرع الأم إلى مقر السجن لتتفاجأ بوحيدها وراء القضبان ذليلاً ويلوم نفسه على خطأه بحق نفسه وحق أمه ومن حوله، وتنهمر دموع الندم من مقلتيه، فيتقطع قلب أمه عليه وتستدين المال من الأقارب لتوكل له محامي ليخفف له الحكم.. ولكن هل برأيك من يدخل إلى السجن ويختلط بالمجرمين والقاتلين يخرج منه تائباً وصالحاً؟!!!

وبعد انقضاء مدة عقوبة بلال في السجن يخرج ليستقبله بدل المجموعة الصغيرة مجموعات ليصبح ذا مهارات وقدرات تتخطى الإدمان من ترويج وبيع وشراء للمخدرات بعد علاقاته التي وطدها داخل السجن مع أصحاب السوابق وتجار المخدرات..

لتندب الأم حظها بفلذة كبدها وما حدث له بعد أن كان قدوة في الأخلاق وما أصبح عليه بعد تعاطيه للمخدرات، وما خبأه القدر لها من مصيبة كسرت لها ظهرها هماً وألماً...

حنان سحمراني
http://hananhanan.maktoobblog.com/