تصاعد مظاهر الفرز الطائفي بين المسلمين والأقباط
سيارات المصريين ساحات لحرب الرموز والأيقونات
نبيل شرف الدين من القاهرة: قبل سنوات شنت الشرطة المصرية حملة واسعة على ملصقات السيارات، مع أنها كانت حينئذ مجرد صور طريفة لأرانب أو قطط، أو فنانين أو لاعبي كرة أو عبارات بالانكليزية أقرب إلى السخرية، وفي أحوال أخرى مأثورات شعبية من نوع العين صابتني ورب العرش نجاني .اليوم وبعد سنوات تراجعت معها جهود شرطة المرور في ملاحقة تلك الملصقات، خاصة في ظل مهام أكثر تعقيداً وإلحاحاً، كمواجهة الزحام الخانق الذي ضرب كافة مناطق القاهرة وطوال أوقات اليوم، وبالتالي فقد عادت بشدة ظاهرة ملصقات السيارات، لكن هذه المرة اتخذت بعداً خطراً، تحولت معه السيارات إلى ساحة فرز طائفي بين المسلمين والمسيحيين، تنطوي على مخاطر أكبر من مجرد مخالفة قواعد المرور.
ومن بين كل ثلاث سيارات يمكن لأي عابر سبيل في شوارع القاهرة أن يجد واحدة عليها رمز ديني، ومن أشهر الرموز لفظ الشهادتينquot; لا إله إلا الله محمد رسول اللهquot;، وفي الأسفل سيف مسلول، بما يشبه كثيراً العلم السعودي، وإن كانت بتنويعات لونية وزخرفية متعددة، هذا فضلاً عن عبارات من نوع quot;إلا رسول اللهquot;، وquot;كلنا فداك يا رسول اللهquot;، وهي العبارات التي شاعت بشدة وعلى نحو كثيف عقب الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية، التي كانت فرصة لإطلاق حالة العصاب وتفجر الاحتقان بإعلان صارخ للهوية على نحو غير مسبوق .
بعد ذلك قرر الأقباط بدورهم أن يميزوا سياراتهم برمز ديني أو أيقونة وهي رسم لسمكة غير مكتملة اختلف الناس حول تحديد مغزاها، فيما رد عليهم المسلمون بملصق لصورة quot;سمكةquot; كتبوا داخلها عبارة quot;لا الله إلا الله، محمد رسول اللهquot;، وهكذا اشتعلت لعبة الرموز، والرموز المضادة، ناهيك عن المسابح وquot;الدلاياتquot; التي تحمل آيات قرآنية، وآية الكرسي، تعلق داخل السيارات، ويقابلها صليب يضعه المسيحيون بشكل واضح داخل سياراتهم، أو أيقونات أخرى تحمل صوراً للسيدة العذراء والسيد المسيح مصلوباً وغير ذلك من الرموز الدينية .
رموز ودلالات
وبينما لا تطرح عبارة الشهادة quot;لا إله إلا الله، محمد رسول اللهquot; أي تساؤلات اللهم إلا إعلان الهوية الإسلامية لصاحب السيارة، إلا أن هذا السيف المسلول الذي يوضع أسفلها هو ما يثير التساؤلات حقاً عن مغزاه، فهل يعني مثلاً أن هناك صلة ما بين الإسلام والسيف، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تقليداً ببغائياً لا ينطوي على أي دلالات، أم أننا بصدد اختراق ثقافي من هنا وهناك، أم ماذا بالضبط يعني هذا السيف، وما صلته بلفظ الشهادة لدى المسلمين ؟ .
نأتي إلى الرمز الأشهر مسيحياً، وقد اختلف رجال الدين المسيحي حول مغزى quot;السمكةquot;، فمنهم من قال إنها رمز للخصوبة والخير، إذ إن السمكة تبيض آلافاً من البيض التي تتحول إلى أسماك، وهناك من رأى أنها رمز إلى قصة السيد المسيح حينما أطعم المئات من مريديه بعدد محدود من الأسماك، أما الرأي الثالث فيرى أنها مجرد تقليعة وردت إلى مصر من الولايات المتحدة، وليست لها أي دلالات دينية محددة .
وبينما يذهب إسلاميون في تفسير مغزى هذا الملصق فيرونه محاولة من قبل الأقباط لتمييز أنفسهم في مصر ووسيلة لتعارفهم مع بعضهم، كما يرون أن الأقباط يريدون استعراض قوتهم الاقتصادية من خلال عدد السيارات الفارهة التي تحمل ملصقاتهم، مقارنة بعدد السيارات التي يملكها المسلمون، على الرغم من الفارق الكبير بين أعداد الجانبين في مصر التي يربو تعداد سكانها على ثمانين مليون نسمة، وهو ما يهدد في المدى البعيد بفتنة بين المسلمين والأقباط، تعيد إلى الأذهان حرب الملصقات التي نشبت قبيل تولي وزير الداخلية المصري الأسبق أحمد رشدي مهام منصبه في منتصف الثمانينات من القرن الماضيquot;، وفق رؤيتهم التي استمعنا إليها لاستطلاع الأمر من شتى جوانبه .
لكن في المقابل يرد الأقباط بأن الشعارات الدينية الإسلامية هي الأوسع انتشاراً، وربما الأكثر استفزازاً، فليست هناك ملصقات مسيحية تقول quot;إلا يسوع يا أعداء المسيحيةquot; وليست هناك ملصقات تضع السيف أو البندقية، ويشير إلى أن الملصقات تحرض على ملصقات مضادة، كما يرى كاهن قبطي تحدثنا معه ـ وطلب عدم ذكر اسمه ـ أن الملصقات المسيحية تحديداً قد تنطوي على مخاطر على السيارة وصاحبها القبطي، لأنه في quot;لحظة عبثية ماquot;، قد تسهل مهمة المخربين في استهدافها، والنيل من السيارة وصاحبها في ما لو حدثت توترات طائفية أو أعمال عنف كما يحدث بين الحين والآخر في عدة أماكن في مصر، لافتاً إلى أنه ينبه أبناء الكنيسة التي يرعاها، إلى عدم إبراز هذه الملصقات حتى لا تتحول سياراتهم إلى هدف للمخربين والمتعصبينquot;، على حد قوله .
خلفيات وتداعيات
ويقول مصدر أمني مصري إن السلطات رصدت بالفعل بقدر من القلق تنامي ظاهرة ملصقات السيارات خلال الفترة الأخيرة، وقال إن قانون المرور الجديد الذي جرى إقراره في البرلمان أخيراً يتضمن نصا صريحا لمنع تلك الملصقات، لكنه ينبغي النص على إلغاء ترخيص السيارات التي تحمل ملصقات تحريضية من هذا النوع، مع عدم الإخلال بإحالة من يستخدمها على المحاكمة بتهمة التحريض على العنف والكراهية .
وفي الخلفية التاريخية لأيقونة السمكة لدى المسيحيين فإنها تستحضر معجزة السيد المسيح، كما تحيل على الحقبة التي كان فيها المسيحيون يتعرضون للاضطهاد على يد الرومان فيلجأون إلى رسم صورة هذه الأيقونة على الأرض، كنوع من التضامن مع المضطهدين، وتنتشر في الولايات المتحدة مثل تلك الرموز الدينية في لوحات السيارات الخلفية، رغم أنه مؤخراً ظهرت أيقونات أخرى جديدة تبرز فيها أيضاً صورة العالم ''داروين''، في إشارة إلى نظرية النشوء والارتقاء التي يؤمن بها الكثيرون مقابل المعتقدات الدينية حول أصل الخلق وتطور الحياة .
ويقول الكاتب ''كريستوفر كودلويل'' في صحيفة ''ويكلي ستاندرد'' إن سمكة ''داروين'' تنتهك القاعدة الأخلاقية المتفق عليها في سياق إبراز الهوية، وهي أنه من المقبول إبراز الهوية، إلا أنه من المشين التهجم عليها، ويضرب ''كودلويل'' مثالا على ذلك بقوله : ''إن كتابة كلمة quot;شالومquot; العبرية داخل quot;نجمة داوودquot; قد لا تثير أي انتباه، لكن وضع كلمة ''الربا'' داخل النجمة سيثير السخط''، ولعل الأكثر إزعاجاً من ذلك فهو الشعور بالقوة التي قد تتيحها ممارسات كاستعراض سمكة ''داروين'' في ظل غياب أي ردود فعل سلبية على ذلك بحيث أصبح استخدام الرموز الدينية نوعاً من المواجهات المأمونة العواقب، في ظل غياب التشريعات التي تنظم هذه الأمور أو تواجهها بشكل صارم .
[email protected]
التعليقات