رشيدة داتي تحولت إلى قصة أشبه بقصص 'سندريلا وكوزيت'
هل سيحمي ساركوزي وزيرته العربية من إنتقادات اليمين واليسار

أنيسة مخالدي من باريس: عندما أعلن الرئيس سركوزي، فور توليه السلطة في شهر أيار/مايو 2007، تنصيب ثلاث نساء من أصول مهاجرة في مناصب وزارية مُهمة عمت مشاعر الارتياح والفرحة أوساط المهاجرين. وشكلت سابقة صفّق لها الجميع ناظرين لها كخطوة إنصاف لجهود الأقليات العرقية التي تُساهم منذ ما يقارب القرنين في بناء صرح المجتمع الفرنسي. لكن خطوة ساركوزي لم ترق لآخرين، إذ سرعان ما إختلطت الأوراق باتجاه رموز التعددية في فرنسا. ففي الوقت الذي تستّعد فيه الولايات المتحدة الأميركية لانتخاب رئيس من الأقليات العرقية، يدور حديث بين صفوف المهاجرين بأن أقرب الشخصيات السياسية لقلب الرئيس سركوزي وأكثرها شهرة وهي الوزيرة الجزائرية الأم والمغربية الأب ''رشيدة داتي'' تتعرض لحملة هجوم كبيرة، تشّنها عليها شخصيات من اليمين واليسار قد تكلفها منصبها بمناسبة التعديل الوزاري المقبل. بينما يعرف مقياس شعبيتها انخفاضًا كبيرًا فقد وصل إلى 10 نقاط في ظرف 8 أشهر فقط.

خصوم من اليمين واليسار
حملة الهجوم الأخيرة على الوزيرة رشيدة داتي كانت الأعنف، وكشفت أن الوزيرة لها من الأعداء في عائلتها السياسية أكثر مما لديها من المعارضة. والمناسبة هي حادثة إلغاء زواج مسلميَن بسبب عدم عذرية الفتاة، وكانت الوزيرة في أول تصريح لها قد أعلنت أن ''هذا القرار هو حماية للفتاة'': فهبّت الأصوات من اليسار واليسار لتتهمها بانعدام المسؤولية فقالت وزيرة الصّحة روزلين باشلو: '' أنها مصدومة جدًا..'' وقال فريديرك لوفبر الناطق الرسمي للحزب الحاكم بأنه ''مذهول ولا يفهم شيئًا''، إدوارد بالادور (نائب ورئيس حكومة سابق) عقّب يقول: ''لا تدعوها تتحدث فهي حمقاء...'' أما باتريك دوفجيان الذي يرأس أمانة الحزب الحاكم فكان أكثر المُنتقدين لوزيرة العدل باعتبارها أخذت منه المنصب الذي كان يطمح إليه وكان قد صّرح أن '' مقوماتها تتلخّص في كونها رمز من رموز التعددية... فقط لا غير... ناهيك عن انتقادات المعارضة من اليسار، وأعنفها كانت تصريحات النائب ''أرنو منتوبور'' الذي قال عنها إن:' 'إصلاحاتها أكثر غباء منها، فهي غير كفوءة بمنصبها ولا يدعمها سوى الرئيس لأنها تابعة مطيعة له''. الوزيرة العربية الأصل كانت أيضًا عرضة لهجوم كبير شنته عليها الصحافة بكل أشكالها وخاصة الصحافة المكتوبة ومجلة '' لكسبرس'' اليسارية التوجه، التي خصّصت لها عدة مقالات وملفين مُطولين من الإنتقدات والهجمات: الأول في شهر اكتوبر2007 بعنوان ''الوجه الخفّي لرشيدة داتي'' والثاني في شهريونيو حزيران 2008 بعنوان '' تحقيق حول نزوات رشيدة داتي''. المجلة انتقدت الوزيرة على أدائها في الوزارة، على الإصلاحات التي تقوم بها وقرارها بإغلاق عدة محاكم صغيرة دون استشارة المسؤولين المنتخبين. المجلة ذهبت إلى حدّ البحث في ماضيها الدراسي ونشرت أخبار عن شهادات تقول إن الوزيرة قد زوّرتها للحصول على مناصب مهمة. كما وصفتها ''بالمتسلّطة'' في تعاملها مع مستشاريها ومساعديها، ''ميشال دوبكين'' المدير السابق لمعهد القضاء استقال بعد ستة أسابيع فقط من تنصيبه مديرًا لمكتبها بعد أن صرّح للصّحافة: ''بأنه لم يعد يستحمل مزاجها المتّقلب وطريقة كلامها معه...'' 12 من المساعدين والمستشارين وضعوا هم أيضًا استقالتهم في مكتب الوزيرة في ظرف سنة وكلهم اشتكوا من مزاجها الصّعب المتّقلب. الوزيرة لم تسلم أيضًا من انتقادات زملائها في الوزارة آخرها كان تصريح الوزيرة المنتدبة لحقوق الإنسان: السنغالية الأصل ''راما ياد'' التي: أكدت ''أنها حاولت مرارًا التّقرب من زميلتها رشيدة، لكنها وجدت أن لا شيء يجمعهما ببعض، فرشيدة تحب السهرات والفساتين الجميلة، أما هي فلا يستهويها سوى تاريخ فرنسا القديم''.

لكن الصحافة اهتمت بالجانب الشخصي للوزيرة معلقةً كثيرًا حول حرصها الدائم على الظهور في الحفلات والمناسبات بالفساتين والحلّي الباهظة الثمن، في الوقت الذي يُطالب فيه الفرنسيون بشّد الحزام لأن ''خزائن الدولة فارغة''، حتى أن النائب اليساري ''أندريه فليني'' قال إنها ''تزور السجون وكأنها تحضر مهرجان كان....''، أما موقع ''ميديا بارت'' الذي أسّسه رئيس التحرير السابق في جريدة لومند ''إيدوين بلينال'' فقد كشف نقلاً عن موريس بستوز المراقب المالي للمُستشرية (وهو المبنى الذي يأوي مكتب وزيرة العدل ومكاتب معاونيها) بأن ميزانية هذه الأخيرة ارتفعت منذ وصول السيدة داتي بنسبة %30 معظمها صُرفت على حفلات أقامتها الوزيرة على شرف ضيوفها، لكن المراقب أعلن انه تفاجأ حين وجد الوزيرة تضع فواتير مكياج وإكسسوارات باهظة الثمن على حساب ميزانية المستشرية، وهنا راح كاتب الخبر يُذّكر قراءه بأن نائبة رئيس الوزراء السويدي السيدة ''منى سالين'' أُرغمت على تقديم استقالتها على أقل من ذلك، حين أُكتشف أنها دفعت ثمن شوكلاطة وحفاظه لأحد أبنائها من ميزانية الوزارة. الوزيرة دافعت على نفسها قائلة بأنها ''تعودت منذ صغرها على الظهور بمظهر أنيق ليس حتمًا بثياب غالية الثمن بل بإحساسها بالراحة والرضا على مظهرها، وهو ما تعلمته عن والدتها''. على الرغم منهذا فهي لم تستطع أن تُكذب الأخبار التي أفادت بوجود بمشكلة بينها وبين دار إيف سان لوران بسبب تماطلها في إرجاع الفساتين والثياب التي أعارتها إياها دار الخياطة الشهيرة بحسب التقليد الذي يجري في هذه الأوساط، و يقال أن دار إيف سان لوران اضطرت إلى تهديد الوزيرة برفع دعوى قضائية ضدها و قطعت بعدها تعاملها معها. أما دار ''كريستيان ديور'' التي تملك فيها الوزيرة صديق ثمين في شخص المصّمم المشهور ''جون غاليانو''، فقد منحت الوزيرة امتياز التصرف في الملابس التي تعجبها دون مقابل وهو ما لا تحصل عليه عادة سوى قلة قليلة من النجمات والشهيرات.

طفولة الوزيرة وسنوات الكفاح
أصدقاء رشيدة يقولون إنها لم تكن لتتعرّض لهذه الحملة الشنيعة quot;لولا النجاح الباهر الذي عرفته في وقت قياسي؛ فهي مثال للمرأة المكافحة الصّلبة، وعلى الرغم من أصولها الأجنبية وبساطة منشئها وحداثة خبرتها في السياسة التي لم تدخلها إلا بمناسبة الرئاسيات الأخيرة، إلا أنها تشغل اليوم منصبًا وزاريًا من أهم المناصب في الحكومة، وهو ما جعلها عرضة لأحقاد ومكائد من كانوا يطمعون في الاستحواذ على منصبهاquot;. وقد كانت الوزيرة قد كشفت عن تفاصيل من حياتها الشخصية في كتاب بعنوان: '' أجعلكم تحكُمون علي'' (دار نشر غراسي) روت فيها الظروف الصعبة التي نشأت فيها في كنف عائلة من 11 ولد: أربعة ذكور و7 إناث لا يُعولهم سوى والدها الدهّان الذي كان دائم التنقل وهو ما أجبر رشيدة وهي الثانية في ترتيب الإخوة على تحمل المسؤولية مبكرًا، والخروج للعمل وهي بعد تلميذة في الثانية عشر، حيث عملت مع والدتها في خدمة البيوت ثم بائعة، مساعدة ممرضة، وعاملة في المقّسم الهاتفي حتى تستطيع إتمام دراستها.

عدة شخصيات ممن التقتهم رشيدة داتي وهي في بداية مشوارها يتذكرونها فتاة طموحة، حيوية، متعطشّة للنجاح لدرجة أنها لا تتورع عن التوجه للآخرين والإلحاح في طلب مساعدتهم. فسيمون فاي(وزيرة الصحة السابقة) تقول أنها ساعدتها للدخول في سلّك القضاء لأنها أعجبت بجرأتها. أما ألبان شَلوندون (وزير العدل السابق) فيتذكر كيف ألّحت عليه رشيدة عدة مرات بمناسبة لقائها به في حفلة أقيمت بالسفارة الجزائرية حتى ساعدها وهي ابنة الثانية و العشرين على الحصول على عمل في شركة ''ألف توتال'' الشهيرة.

في حياة الوزيرة العربية الأصل نقاط سوداء توقفت عندها في كتابها وتمثلت في مشكلة انحراف اثنين من أخويها جمال وعمر وتعاطيهم المخدرات، وذكرى مؤلمة عن زواج فاشل أُجبرت عليه وهي في سن الرابعة والعشرين.

السندريلا والرئيس
حياة إبنة المهاجر المغربي تحولت إلى قصة أشبه بقصّص ''سندريلا'' و''كوزيت'' منذ سنة 2002 تاريخ تّعرفها على الرئيس نيكولا سركوزي الذي كان بمثابة الفارس الذي انتشلها من حياة الرتابة والبساطة إلى أضواء المجد والشهرة. حيث عيّنها أولاً مستشارة في وزارة الداخلية حين كان على رأسها ثم ناطقة باسم حزب التجمع الوطني اليميني، إلى أن أوْكل إليها وزارة العدالة وهي من أهم الحقائب الوزارية، بعد أن سطع نجمها بكل قوة، وأصبحت تحتل صفحات الجرائد والمجلات أكثر من أي وزير آخر في الحكومة. الوزيرة نفسها تعترف بفضل الرئيس عليها وتقول إن والديها أعطوها الحياة، أما سركوزي فقد منحها شهادة ميلاد جديدة في المجتمع، ولهذا فستبقى وفيّة له مهما حدث، حتى أنها تُفكر بترك السياسة إن هو استغنى عن خدماتها، وهي التي ضحّت بصداقاتها مع زوجته السابقة سيسيليا وقاطعت حفلة زواجها وزواج ابنتها لكي لا تغضب الرئيس. والواقع أن رشيدة داتي حظيت دائمًا بدعم وحماية الرئيس، آخرها كان بمناسبة حادثة محكمة ليل، حين اضطر للتدخل لكي يطلب من عائلته السياسية الكّف عن الهجوم عليها، كما كان هنا أيضا حين تعرضت للهجوم بسبب حادثة القبض على اثنين من أخويها في قضية الاتجار بالمخدرات، ومنحها في الانتخابات البلدية فرصة الترشح في الدائرة السابعة، ذات التوجه اليميني تقليديًا حتى يضمن فوزها ويضفي على الوزيرة الشرعية السياسية التي كانت تفتقدها. لكن الفرنسيين لاحظوا أيضا أن الوزيرة الرشّيقة الأنيقة، العزباء قريبة جدًا من الرئيس سركوزي وتكاد لا تفارقه، فهو يصطحبها في كل رحلاته، في الجزائر أيضًا علقّت الصحافة المحلية كثيرا على معاني الوردة الحمراء التي أهداها الرئيس لوزيرته على مأدبة العشاء، إلى غاية تونس وليبيا والولايات المتحدة أين شوهدت الوزيرة دائمًا ضمن الحاشية المقّربة للرئيس. قوة هذه الروابط تبدو وكأنها أثارت غيرة زوجته الجديدة كارلا بروني التي يقال أنها طلبت من رشيدة داتي الكّف عن بعث الس.م.س للرئيس في الصبّاح الباكر، لأن وضع الرئيس تغير بعد أن تزوج. كما صّرحت لها في حفلة عيد ميلاد الرئيس أنها ترّددت كثيرًا قبل أن توجه لها دعوة إلى الحضور. يبقى أن نعرف ما إذا كانت من تمثل رمز النجاح والتعددية ستحتفظ بدعم الرئيس و حمايته طويلاً علمًا أنه هو نفسه يعرف انخفاضًا في نسبة شعبيته وصلت إلى سبعة نقاط في أقل من 8 أشهر. وبات السؤال بين المراقبين للسياسة الداخلية الفرنسية هل يضحي ساركوزي بها بمناسبة التعديل الوزاري القادم، أم سيزداد تمسكًا بها؟
[email protected]