نزار جاف من بون: إبتسم لي من مسافة غير قصيرة و کلما ازداد اقترابه ازدادت إبتسامته اتساعا، کان شابا اسمر ذا قامة قصيرة وعين سوداء لا تکاد تستقر على حال ويحمل على ظهره حقيبة رصاصية تبدو ممتلئة بحاجيات ما، وعندما صار أمامي حياني بأدب قائلاquot;سلام عليکمquot;، و هو ينظر الى أفراد عائلتي الذين کنت معهم في جولة عائلية في مدينة بون، وقال بصوت يکاد أن يکون خافتا:quot;معي روائح و عطور من نوعيات راقية جدا و بأسعار منخفضة للرجال و النساء، هل تريدون شراءها؟quot;. وکعادة أي صحافي، لم أفوت الفرصة و أجبته بالإيجاب فطلب منا أن نتوجه الى مکان فرعي قريب ودلفنا خلفه الى زقاق ضيق بجانب حانة تبيع خمورا ايرلندية، وهناك وبعد أن نظر مليا هنا و هناك، أنزل الحقيبة من على ظهره و فتحها بحذر و هو يرينا أصناف الروائح و العطور الفاخرة التي کانت معه. وخاطبته مشککا: من يقول انها أصلية؟ فأخرج علبتين إحداهما رائحةquot;شانيلquot;.

أما الاخرى فقد کانتquot;روماquot;وسمح لي بفتح أي منهما وتظاهرت بأنني قد صدقته. ولما سألته عن السعر، فقال انه يبيع الواحدة منها بمبلغquot;15 يوروquot;، وتظاهرت بمعارضتي للسعر و إقترحت مبلغ خمسة يورو، فإشتاط غضبا و هو يقول: هل تعلم أن سعر الواحدة لا يقل عن 80 يورو! وعندما سألته کيف حصل عليها، قال مبتسما: لي عصافيري الخاصة التي تأتيني بها! وسألته عن اسم بلده فأجابني بالمانية رکيکة، و ماأهمية ذلك أنا في المانيا الان وهذا هو المهم. قطعا لم أبتع منه حاجة وقلت له في فرصة أخرى.

بضائع من مختلف الانواع
وبدأت خوض غمار هذه السوق السوداء الخاصة و تبين لي بأن هنالك بضائع من مختلف الانواع. والعديد من هؤلاءquot;اللصوصquot;المتمرسين يقومون بعرض بضائعهم دوما على الشرقيين و يحاذرون جدا من عرضها على الالمان. وتجد بين بضائعهم بالاضافة الى العطور، الملابس و المقتنيات و أدوات المطابخ و الزينة و الساعات و المواد الکهربائية و الهواتف النقالة و غيرها. وتباع هذه المواد دوما بأسعار تکاد تکون رمزية قياسا الى اسعارها الاصلية، إذ إنهم کمثال على ذلك، يبيعون هاتفا نقالا سعره الحقيقي أکثر من 700 يورو بخمسين يورو مثلا.

وقد تتشارك مجموعة قد تتکون من ثلاثة أو أربعة أشخاص في عملية البيع حيث يقوم أحدهم بالعملية فيما يقوم الآخرون بالمراقبة تحسبا من ظهور الشرطة.

بضائع بحسب الطلب
وأغرب ما سمعناه بهذا الخصوص، هو وجود سراق متمرسين يقومون بتقديم خدماتهم من خلال الاقتراح على زبنائهم بتحديد البضاعة التي يريدونها، وهم يتواجدون أمام أسواق کبيرة مثلquot;کارشتادquot;وquot;کاوفوفquot;وquot;سي ئوند ئاquot; و حتى أمام محلات العطور المشهورةquot;دوغلاسquot;، وکما هم ماهرون في عملية السرقة فإنهم بارعون أيضا في إختيار زبنائهم من بين الناس رغم انهم يرکزون عادة على الشرقيين و الاوروبيين من غير الالمان. أما جنسية هؤلاء فأغلبهم شرقيون أو من بلدان أوروبا الشرقية.