لعلها واحدة من أعجب الظواهر في تاريخ المؤسسات الوطنية ليس في العراق فحسب بل في العالم بأسره أن يعمد جهاز أمني مهم يفترض أن يكون وطنيا للإستعراض في الشوارع ومن ثم القيام بسلخ الظهر وممارسة ضرب الزنجيل (السلاسل) وفي ملابس الخدمة أي بالزي العسكري!! دون مراعاة لحقيقة و ضرورة الفصل بين المعتقدات الخاصة و بين الجانب الوظيفي العام خصوصا و أن العراق دستوريا أو ظاهريا ووفقا للرعاية الأميركية المباشرة التي أنتجت ذلك الدستور المثقوب بألف ثغرة و ثغرة ليس دولة دينية أو أوليغاركية و بالتالي فإن تلك الطقوس الخاصة بكل طائفة تظل حكرا على معتنقيها و مريديها، و لكن أن تلطم الشرطة الوطنية المفترضة بزيها الرسمي ثم تعمد للإستعراض الشوارعي و ممارسة ضرب الظهر بالزنجيل و بملابس الخدمة أي بالقميص الأبيض و البنطلون الأزرق!!

فهو أمر قد تجاوز المسخرة بكثير ليدخل في أبواب و تصنيفات و مسميات أخرى لا علاقة لها بالعمل الوظيفي و لا بالولاء للوطن بأسره بعيدا عن سياسة المحاصصة الكريهة أو التأييد العلني لأحد أطراف العملية السياسية المعوقة في العراق و من أعنيهم تحديدا هم أتباع المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق من الذين أثارت غرائزهم بعض الدعوات العقلانية لأحرار شيعة العراق بضرورة تشذيب المذهب من الظواهر و الممارسات الدخيلة و المستهجنة و التي أضفوا عليها زورا القداسة و حولوها لشعائر مقدسة بينما هي في حقيقتها و خرافة و ضلال و إبتعاد عن المفهوم الإيماني الأصيل و الخط الرسالي الواضح لأهل بيت النبوة الكرام من الأئمة سلام الله عليهم ، فعندما تخرج الشرطة الوطنية للتطبير و ضرب الزنجيل و اللطم الواسع فإن ذلك يعني إنحياز ذلك الجهاز الأمني و السيادي لطرف على حساب الأطراف الأخرى؟ كما أنه يعني الإخلال بالواجبات الوظيفية و التدخل في أمور بعيدة عن المهنية؟ و لا أدري حقيقة أن كان ضاربو الزنجيل قد إستحصلوا موافقة وزير الداخلية لإجراء تلك الممارسة علنا أم أنهم إكتفوا بمشورة أحد معممي السياسة من المراهقين و الجاهلين بأصول الدين و المتمسكين بالقشور و المظاهر الخادعة و الساعين للسلطة بقوة من أجل تحقيق الأجندات الخاصة التي ترسم خطوطها في أزقة قم و مجالس طهران و مكاتب مخابرات حرسها الثوري!!

هل من المعقول أن تتحول الشرطة الوطنية لموكب عزاء و لطم و ضرب بالسلاسل؟ وهل من المحتمل أن نرى في الغد القريب إحدى فرق الجيش العراقي الجديد وهي تخرج لتمارس التطبير و تجري خلفهم العواقر من النساء من أجل التمسح بدمائهم لنيل البركة و الحصول على الذرية المفقودة؟ هل بهذه الطريقة المضحكة و المأساوية يعمر العراق و يبنى على أنقاض الفاشية البعثية المنقرضة؟ أم أن الشعب العراقي سيضطر للبكاء على الماضي برغم وحشيته جزعا من مآسي الحاضر و صوره الميتافيزيقية؟ بل هل ستخرج الكتل السياسية في البرلمان العراقي بمواكب لطم دموية من أجل النصرو و الولاء لبعض المعممين من الذين يفتون بأمور هي أكبر منهم و من عقولهم المتحجرة ومن شهوتهم الشبقة للسلطة؟ عيب و الله و ألف عيب تلك المهازل التي تحدث في العراق و التي أسست لحالة إنقسام مجتمعي شديدة و لتكريس التخلف و تعميمه و لتحويل البلد لأكبر لطمية في تاريخ البشرية المعاصرة ، تصوروا أن النظام الإيراني وهو نظام ديني شيعي يحكمه رجال الدين ووفق مفهوم ولاية الفقيه و مع ذلك فإن للشرطة في إيران هيبتها و لا تمارس بملابسها الرسمية تلك الطقوس علما بإن التطبير ممنوع في إيران بقوة الفتوى التي أصدرها الراحل السيد الخميني و التي عززتها إستمرارية موقف السيد الخامنئي! بينما يرفض المتخلفون في العراق تلك الفتاوي و يأخذون بآراء و إجتهادات أهل الغلو المغرقة في القدم و المجافية لروح العصر بل أنهم يهاجمون كل منتقد بشراسة ووفق أسلوب تكفيري لا يختلف عن أساليب الجماعات السلفية المتوحشة، فمثلا تلقيت أنا العبد الفقير تهديدات كثيرة لكتابتي حول هذا الموضوع بعض تلك التهديدات تهددني بأن السيدة فاطمة الزهراء ( رض ) ستكون خصمي يوم القيامة!

و لا أدري بمن أخبرهم بهذا الخبر ؟ بينما هددني البعض الآخر بإن الإمام المهدي المنتظر سينتقم مني!!!!! فيما أكد البعض الآخر بأنني ( عميل وهابي )!! و مؤيد للإرهابيين!!، و يبدو أن لغو أهل الغلو و عواصفهم الترابية سيستمر في ظل حالة الكساح السياسي القائمة في العراق و التنافس المحموم على السلطة و إستعمال مختلف الوسائل غير النظيفة من أجل غايات دنيوية ، و يبدو أيضا إن إختراق الأحزاب الطائفية بفرقها المتنوعة وكذلك جماعات الحرس الثوري الإيراني للمؤسسة الأمنية العراقية سيظل أحد أكبر علامات الإستفهام في الحالة العراقية الكسيحة..!

و هنيئا للشرطة العراقية في عيد تأسيسها حفلات اللطم و ضرب الزنجيل و لكن عليهم أولا بدلا من تبديد المال العام بنزع القمصان البيضاء و لبس الدشاديش السوداء الممزقة من الخلف من أجل ممارسة تلك الشعيرة التي تحولت ( لشعرية ) في ليل العراق الحالك الطويل... و هي حالة فيها إستحالة كما وصفتها الرفيقة المناضلة وردة الجزائرية!!! إنها الفوضى العراقية الكسيحة وهي تنثر إبداعات الصفويين الجدد.

داود البصري

[email protected]