مأساه ديمقراطية جديدة، حيث ضرب نقيب المهندسيين الاردنيين ليث شبيلات و هو النائب المعارض و رئيس جمعية مكافحة الصهيونية في الاردن على يد مجموعة رجال امام مخبز العيش بالعاصمة الاردنية في منطقة العبدلي، و تذكرت كلام الصحفي فخرى قعوار عندما فاز عن المقعد المسيحي في مدينة عمان بالدائرة الثالثة، و كان شعاره quot;لاجل الخبز و الحرية quot;.


لم يعد هناك خبز، و لم تعد هناك حرية.. فقد عاد ليث شبيلات في سنوات عمره الخامسة و الستين الى المستشفى مضروبا دون ان يشتري الخبز، ووصلت الرسالة الى المثقفين و اصحاب الاراء الاخرى ان لا صوت يعلو الا بغطاء امنى حسبما صرح نائب في مجلس النواب الحالي و هو quot;الصفدي quot; و الذي قال انه، بمجرد خروج مدير المخابرات مقالا من مكتبه، رفع عنه الغطاء الامني فلم يعد قادرا على الحديث بحرية. و هو حديث من مسؤول منتخب يجعل الذعر ينتاب النواب الاخرين ويؤكد مصادره حرية الكلمة.
و تلك قضية يجب دراستها و التأمل في محتوياتها، و كيفية و صول النواب الى المجلس النيابي، و ما مدى الحرية التى يمتلكونها.


لا خبز لان الاسعار ارتفعت و الاوضاع تراجعت، و جيوب الجشعين انتفخت و هناك من ينام على صوت احجار تغلى بانتظار لحم كاذب ان يطهى، بينما يرقص الاخرون على الكافيار و السيجار، انها حاله انصهار الطبقة الوسطى و انتعاش فئة انتهازية على حساب قوت الشعب..


شبيلات، زميل مهندس مدني تخرج من الجامعة الامريكية في بيروت و حاصل على ماجستير في ادارة المشاريع من امريكا 1963 وهو صديق تعرفت عليه عن طريق الامير زيد بن شاكر رئيس وزراء الاردن، وقت ان كنت في لندن وبحضور صديق مشترك بيننا للمهندس ليث و زميل دراسته محمد شاهين، و الامير هو الذي طلب مني ان اذهب الى quot;ابو فرحانquot; في مكتبه بعمان و اشاركه حملته الانتخابية.كان ذلك في بداية الثمانينات.. و من وقتها و انا ادفع ثمن تلك الصداقة التى من المفترض انها اتت من بوابة القصر الملكي، و اعتبرتها الدوائر الامنية نقطة سوداء وحيده في ملفي الذي اطلعت عليه في مكتب نائب مدير المخابرات الاردنية من ثمان سنوات تقريبا. و من اكثر من عشر سنوات لم اجتمع به، و لم اره الا معزيا في زوجته او احد من افراد عائلته.. و كنت ارى في وجهه الشاحب الصبر و في قلبه الايمان بالوطن.


بالنسبة لي ما دفعته وما سادفعه ثمنا لتلك الصداقة هوفي سبيل رغيف الخبز و في سبيل الحرية، و انا سعيد و اعتز بتلك الصداقة، و اكتب اليوم اذ ليس من المقبول ان يضرب رجلا او شابا او طفلا ويقف الاعلام مشاهدا والاقلام جافة.


و ليث شبيلات لديه ايمان راسخ بالاردن، و مؤمن بترابه، و له وسائله التى قد يختلف البعض معه و لكن يحترمه عليها. وهو الذي اخرجه الملك الحسين من السجن في رمضان بسيارته الخاصه، عاده في سجنه بعد اتهامه بقلب نظام الحكم، و انتظره ينهي صلاته ثم افرج عنه، و اتفق معه quot;اتفاق quot; السياسي الجنتلمان اثناء مروره امام محلات ماكدونالز الامريكية يوم افتتاحها، و كأن الملك اراد بهذا الاشارة الضمنية quot;ان الحياة اختلفتquot;، و قال عنه لرئيس ديوانه الملكي : ان quot;ليث شبيلات quot; يمنحني صلاحيات الملك في quot;العفوquot; اتمنى وجود اكثر من واحد مثل ذلك الرجل وهوالذي قال له الملك الحسين يوما، لقد كبرت يا ليث؟.


اليوم يضرب في العاصمة الاردنية، و الحزن يلف الحريات، ليس لانه شبيلات الرجل الذي اراد يوم توقيع اتفاق وادي عربه ان يلف مجمع النقابات برداء اسود، و لكن ايضا لان الاردن في مراحل التطور الديمقراطي و المناخ المنفتخ و الرؤية نحو مزيد من الحريات و قطع شوطا نحو مستقبل مغاير للمراحل التاريخية الاولى من التاسيس و التى كان لها اسبابها و مسبباتها التى يفهمها الساسة و المؤرخون، فلماذا هذا التراجع؟.


شعرت بغصة صباحية و ان اقرأ الخبر و ارى الدماء تسيل على قميصه ووجه مدمغ باللكمات و مع كل هذا يبتسم فأن هناك امل في الافق، متناسيا ما قاله سعد باشا زغلول، ما فيش فايده، حتى و ان رحل الليث عن الحياه، امد الله في عمره، فقد تحقق له ما اراد، و هو اين يجمع عليه المعارضون مثلما اجمعوا على سليمان النابلسي، و يعتقد البعض انه تفوق على النابلسي المعارض الذي اصبح رئيسا لمجلس الوزراء الاردني في الستينيات من القرن الماضي..


ماساه ديمقراطية، لان ليث شبيلات شخص معروف، و من غير المعقول ان يقوم بضربه اشخاص لاختلاف في الرأي امام مخبز العيش كما صرحت بعض الصحف المحلية، و لقد اتصلت مع اطباء نفسيين و بحثت على الانترنت لاجد طبيعة ان يقوم جمع من اشخاص معا لضرب شخص اخر، هل هذا بالامكان؟، فلم يكن هناك اي دليل انه بالامكان الاتفاق على الضرب الجماعي الا بترتيب مسبق و لهدف محدد. في الجيش مثلا لا يتم وضع ثلاث ضباط في مكان نوم واحد، لانه بالامكان ان يتفق الاثنان على الثالث و من غير المتوقع ان يتفق الثلاث في ان واحد، فكيف اتفق مجموعة رجال تقارب عدد اليد الواحدة على رجل واحد و في برهه من الزمن، و لاجل حديث جانبي، او حتى مشاجرة كلامية. و لماذا اوسعه الخمس ضربا، الا يكفي الرجل الستيني اثنان لضربه!!!!


لا يمكن ضرب رجل في شارع عام، و لا يوجد اثر لهؤلاء الرجال، يختفون مثل الخفاش الطائر، و لا يصورهم احد بالهاتف او يقترب منهم احد مدافعا عن الرجل. اين الشرطة و الامن؟؟؟. و كيف تمت ملاحقته و معرفه اين هو، اذا ما صحت بعض التسريبات عن اسباب ضربه؟.


quot;شبيلات quot; بغض النظر عن ارائه التى قد نتفق معها او نختلف، هو مواطن اردني، ابن عشيرة اردنية، مهندس و نقيب مهندسيين، نائب في البرلمان، في الجزء الثاني من ستينيات العمر، ووجهه مالوف اعلاميا و سياسيا، يضرب في وضح النهارفي العاصمة الاردنية، و يقولون صبيه ضربوه بسبب خلاف في الرأي، هي حادثة تؤسس لديمقراطية الغاب. لاجل ذلك عادته النائب توجان الفيصل و لاجل ذلك اعتصم النقابيون و لاجل ذلك حزن عم، لان الاردن كبير بأهله و عشائره و ابنائة المفكرين سواء تم اتفاق معهم او الاختلاف.
والادهى أن تأتي تصريحات على لسان الناطق الرسمي ان quot;شبيلاتquot; يستغل الحادثة سياسيا؟، و هل معقول ان quot; ليث quot; ضرب لانه لم ايقف في طابور الخبز مثلا، او تعدى على دور الصبية، او غيرها من المضحكات البائسة.


ان ليث شبيلات لديه من الاسباب و الاراء السياسية ما هو اكبر من استغلال حادثة ضرب، فهو لا يحتاج الى مثل تلك الهزليات المسرحية المرتبة.
الا يذكرنا ذلك بحادثة ضرب النائب البرلماني quot;ابو زنط quot; في المسجد، و مراسل قناة الجزيرة ياسر ابو هلاله اثناء تغطية المظاهرات.!!
انها احد قصص فيكتور هيجو المؤلمة تحدث في القرن العولمي.


و هنا لا اريد ان استبق التحقيقات و التى ينتظرها الشارع بثقة من الشرطة الاردنية التى امسكت بحرامي سرق بيت رئيس الوزراء الاردني الاسبق عبد الكريم الكباريتي في 24 ساعة و قادره على ان تعرف من ضرب شبيلات و تأتي به الى ساحه القضاء في زمن مشابه، و لكن ضرب رجل بهذه المكانه، وفي هذ ا السن معيب للغاية، خصوصا و ان المواطن quot;اردني quot; في وطنه..


في يوم ما، ذهبت لمنزل وزير الخارجية و كانت هناك مظاهره لدعم حملة شهادات الدكتوراه و لاجل توظيفهم، فحصلت على عصاتين اوجعتني في كتفي من رجل امن مع صورة بكاميرا امنية ايضا اسعفني من العصا الثالثة صراخ والده الوزير لابنها من بلكونه الفيلا في الدوار الرابع، الحق انهم يضربون صديقك عبد الفتاح.
مرحبا بالعصى في سبيل الحرية.

د.عبد الفتاح طوقان
[email protected]