إن كلود غييان ليس أمينا عاما لقصر الإليزيه كالآخرين. شغوف بالأسرار وبالمعلومات وبالشبكات الموازية.. غييان raquo; شرطي laquo; قبل أن يكون مديراً للشرطة. خبرته وتمرسه حصل عليهما في وزارة الداخلية مع نيكولا ساركوزي و بالأكثر مع raquo; مرشده laquo; شارل باسكوا. raquo; منه تعلمت أسلوب الإدارة laquo; يقول غييان بحماس. برنار سكارسيني، رجل باسكوا السابق ورئيس جهاز الاستخبارات حالياً، يعطيه التعليمات : raquo; ضاعف المهمات، افصلها، وزّعها واطلب من الجميع اطلاعك على النتائج laquo;. قائمة عناوين غييان التي وطدها خلال مروره المتكرر في وزارة الداخلية تعج برجال استخبارات ومسؤولين في الأجهزة الأمنية وأخوة سلاح في مكافحة الإرهاب الإسلامي، يتواجدون اليوم في الجزائر، في دمشق أو في طرابلس وهم ركائز لأنظمتهم..
في أيار / مايو 2007 عند تعيينه أمينا عاماً استعاد غييان رفاقه. ولكن ما يحرّك غييان أكثر من كل شيء هو ميدانه الجديد شديد التكتم والمتعلق بالرئيس السوري بشار الأسد لاسيما أن سورية عامل رئيسي في الملف اللبناني ويعتبرها ساركوزي قطعة أساسية في raquo; البازل laquo; الشرق أوسطي. صيف 2007، أرسل بشار الأسد مبعوثاً إلى كلود غييان لإبلاغ خليفة جاك شيراك الذي قطع كل اتصال مع دمشق بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عن رغبته استئناف الحوار مع فرنسا ومع الرئيس الجديد. ينفي غييان أن يكون المبعوث السوري هو آصف شوكت صهر الرئيس ورئيس الاستخبارات العسكرية. هو أم غيره، تجددت الاتصالات في كل الأحوال وسط استياء الأميركيين ووزارة الخارجية الفرنسية. أيام الآحاد، يجلس الأسد وغييان ( أحيانا بحضور جان دافيد ليفيت مستشار ساركوزي الدبلوماسي ) لمناقشة المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية اللبنانية، وتشكيلة الحكومة اللبنانية.. كأنه شهر عسل حقيقي. حتى أن غييان تولى تنظيم اتصالات الدكتاتور السوري الإعلامية في باريس : raquo; صحيح، حصلت على موافقة الأسد على إعطاء مقابلة لـ raquo; اتيان موغوت laquo; للـraquo;فيغارو laquo; جريدة صديقه سيرج داسو.
يمتلك سيرج داسو جريدة ولكنه يمتلك أيضا طائرات الرافال.
هذه المقدمة من دراسة صغيرة أعدت عن هذا الرجل الغامض، كما يقال عنه في السياسة الفرنسية، وكلود غيان كرجل استخبارات، هو مهندس الانفتاح السريع على دمشق، خاصة إذا علمنا أن المسؤولين السوريون جد كرماء مع رجال الاستخبارات من دول أخرى. ومن الواضح جدا، من سيرة هذا الرجل وحركته أن آخر ما يهمه في هذا العالم هو قضايا حقوق الإنسان، الجميل في هذا الرجل أنه لا يتجمل كباقي المسؤولين الغربيين، الذين ساقهم على سياسة الانفتاح على نظام مغلق كنظام الأسد في دمشق. وميزة هذا الرجل أنه أعاد إلى الواجهة دور رجال الاستخبارات في رسم سياسات بعض الدول حتى الكبرى منها، حتى برنار كوشنير بدا هزيلا أمام هذا الرجل، والذي لا يحب الاستعراض المجاني على طريقة كوشنر.
قيل في اعتقال أحد أهم رموز الدفاع عن حقوق الإنسان في سورية، أن سبب اعتقاله المباشر هو مقابلة أجراها مع قناة بردى المعارضة، ومن داخل دمشق، والجرأة لا تغيب عن هيثم المالح أبدا، ولكن المقابلة أجريت منذ أكثر من نصف عام، هي سبب بالطبع، ولكن لماذا الآن يتم اعتقاله؟ والحديث يدور عن توقيع اتفاق للشراكة مع أوروبا، لماذا لم يصدر عن الإليزيه أي موقف؟ بينما صدر عن الخارجية الفرنسية؟
السبب هو أن الإليزيه- غيان وليس ساركوزي صاحب الاستعراض بالانفتاح، لأن غيان لا يعنيه هذا الملف لا من قريب ولا من بعيد كرجل استخبارات، مع ذلك مشكورة الخارجية الفرنسية، ومعها البريطانية، والبيت الأبيض على بيانات الإدانة، ومطالبتهم بالإفراج عن هيثم المالح.
هنالك نقطة تحسب للنظام في دمشق وقد أرساها الراحل حافظ الأسد، وهي أنه لا يقيم وزنا للإوروبيين في السياسة الدولية، له عينان فقط واحدة على البيت الأبيض والأخرى على الكرملين في موسكو. والرئيس بشار الأسد لم يحد عن هذه القاعدة حتى اللحظة، لهذا هو أيضا يعرق منتجي السياسة الكلبية الآن في تركيا و فرنسا وغيرها من الدول التي يعتقد أصحابها أن هنالك دول ومجتمعات، لا تستطيع تسيير نفسها، وبحاجة إلى أوصياء جدد!
وهذه النقطة، تشبه إلى حد كبير التعاطي السياسي والثقافي لأنظمتنا مع شعوبها، وفي الواقع لا بد أن نسجل هنا، أن اعتقال هيثم المالح، جاء كدرس من دروس تعلمها النظام في دمشق، من الساسة وأجهزة الاستخبارات الأوروبية، وهي التذاكي في التوقيت، التوقيت جاء ليقول لساركوزي، والقول لغيان بالطبع، على لسان النظام في دمشقquot; مصالح فرنسا الآن ترتبط بملفات كلود غيان، وليس بملفات المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان، كما لتؤكد أيضا أن حقبة شيراك لن تعود، ولكن نسي غيان أن سورية، حتى مع هذا النظام ولاعتبارات عديدة لسنا بوارد ذكرها هنا، لن تتحول إلى كونغو، أو إلى غابون جديدة.
إن المناضل هيثم المالح كان من دعاة الانفتاح على النظام في دمشق، هكذا كان جوابه عندما سئل في أحد المقابلات التي أجريت معه، وكان حاله كحال الكثير من الناشطين والحقوقيين السوريينquot; أنه ربما سياسة الانفتاح تجعل النظام يتقدم خطوة نحو الإصلاح السياسي! وبعد أن جرى الانفتاح...اعتقل هيثم المالح.
قال لي أحد الصحفيين الفرنسيين: أن المالح سيخرج من السجن قبل زيارة الرئيس بشار الأسد إلى باريس الشهر المقبل، وذلك لكي يحفظ ماء وجه ساركوزي صديقه.
قلت له نتمنى خروج المالح من السجن مع كل المعتقلين، ولكنك لم تفهم بعد طبيعة النظام في دمشق. فهو يعتبر أن إبقاء المالح في السجن وهو يزور باريس انتصارا له على شعب كتب عليه أن يعيش تحت عبارةquot; كل شيء للأبدquot;.
كما أنه من الواضح جدا، أن سياسة كلود غيان ستبقى هي المسيطرة على الإليزيه، حتى إشعار آخر، وحتى لو تم اعتقال ألوف مؤلفة من الناشطين السياسيين والحقوقيين في دمشق. ولكن دمشق أيضا لن تشتري طائرات الرافال الفرنسية، بل ستكرم فقط كلود غيان.
التعليقات