ماحدث في معرض الكويت الرابع والثلاثين للكتاب يؤشر لواقع فيه الكثير من الأسئلة والإستفهامات حول دور الرقيب في تدعيم ومساندة الفعل المعرفي، فبدل أن تتعامل الدوائر الرقابية مع المنتج المعرفي برؤية حضارية تتجاوز حدود التقليدي والعرفي وتسهم في إضاءة المساحات التي تحتمل اللبس وسوء الفهم التي ترافق عملية تأويل النص المنتج راحت تلك الدوائر تنساق وراء شعارات وأحكام جاهزة دأبت المؤسسة المهيمنة على أدوات تمثيل الوعي العربي في إستخدامها لتهميش ومحاربة الفكر الإبداعي التنويري الذي يشتغل على أنسنة حركة الفعل الثقافي والمعرفي العربي والإبحار به صوب رحاب إنسانية أكثر إنفتاحاً وتماهياً مع حضارات الشعوب وإنسانيتها والعمل على إزالة كل الخطوط الرمادية التي رسمتها حقب الإستبداد والتطرف حول حرية الفكر العربي.

بعد قائمة المنع تلك التي طالت العديد من العناوين والرموز الثقافية لابد لنا أن نتوقف أمام هذا المقص الشرس الذي بات يهدد آليات حركة المنتج المعرفي، علينا أن نعيد النظر في قراءة المشهد الذي بات يوسم أداء وفعل الدوائر الرقابية، أن نعيد ترتيب أصواتنا الرافضة لتلك المقصلات الأدبية التي تحرم أوطاننا من حقول النرجس ومساحات الخضرة الفكرية، فكيف لنا ولأجيالنا أن نحلم بحرية عقلانية تعاضد حركة فكرنا ومنتجنا المعرفي، وكلنا نعرف أن الإبداع المفضي إلى الرقي لايتحصّل دون حرية وانفتاح حضاري، فوقوف الرقيب بوجه الدفق المعرفي سوف يحرم الإنسان العربي من حقه المشروع في تدوين واكتشاف عمقه الحضاري الذي من خلاله يستطيع أن يؤسس رؤاه المستقبلية.

من يقرأ لائحة الكتب التي سجنها الرقيب في صندوق الممنوع يجدها قد تنوعت بين حقول الأدب والفن والتأريخ والفلسفة، ويكاد يكون التبرير الوحيد لمنعها هو التطاول على الذات الإلهية والمساس بالمقدس الديني المؤطر بالتقليدي الصارم، وبهذا الدور التخريبي الذي تمارسه أجهزة قمع الفكر الإنساني تكون قد أعطت تبريراً منطقياً لطرح التساؤل التالي: ماهي الحدود الهلامية غير الواضحة التي يصعب على نخبة من رواد الفكر العربي والإنساني تمييزها وتحاشي المساس بها ؟ بحيث ينبري الرقيب الملثم بقناعات ومفاهيم متطرفة ويعطي الحق لنفسه بمحاكمة نتاج فكري معرفي بهذا الكم.

من هنا نريد أن نشير إلى دور الرقيب الّذي تفشى كثيراً في السنين الأخيرة أن يكون منصفاً في أحكامه القاسية ضد المنتج المعرفي وأن لا يكون أداة بيد التطرف والمؤسسة الفاشية القديمة التي بدت تدرك تماماً تهالك أسوارها ونخور أعمدتها المبنية على التسلط والقمع والإستبداد، والإبتعاد عن النعرات التخريبية في التعامل مع الثقافة والمعرفة، وأن القراءة حق إنساني لكل فرد سواء كان صغيراً أم كبيراً، وحملة منع الكتب من التداول بين الناس أخطر بكثير من إطلاقها وترك القرّاء يحكمون عليها، وأن نافذة التمدن الحديث هي المعرفة، والمعرفة تعني الإكتشاف والنبش في خبايا الفكر عن طريق الإطّلاع والتمعن والقراءة.

وثمة ملاحظة أخيرة في هذا الخوض، إذا منعنا الناس من القراءة فهل لنا بمنعهم من مشاهدة القنوات الفضائية واستخدام شبكة الإنترنيت التي تأتي بما هو أخطر إذا تمادينا في تفسير تابوهات الممنوع والحلال والحرام.