قبل بضعة أيام وانا أبحث في القنوات التلفزيونية عن ثمة برنامج ما لأتابعه، توقفت عند برنامجquot;البيت بيتكquot; للصحفي المعروف محمود سعد وهو يستضيف الفنانة المصرية شويکار، الحق لم أکن في حياتي معجبا بشويکار و لامهتما بها ذاك الاهتمام الملفت للنظر(رغم إنني کنت من المعجبين جدا بزوجها الفنان الراحل فؤاد المهندس) لکنني کنت أحمل ثمة تصور عنها بأنها متصنعة نوعا ما، ولاأدري مالسبب او الدافع الذي دعاني لحمل هکذا تصور عنها، بيد انني فوجئت کثيرا بإجاباتها و محاورتها الشفافة و التلقائية و الرقيقة جدا مع محاورهاquot;المتمرس في الايقاع بضيوفهquot;.


شويکار، التي لم تکن تفکر أو تتصنع التفکير او الفطنة و الحکمة، کانت تجيب على سعد بکلمات و جمل غاية في البساطة وحتى انني کنت أتصور انها تتحاور و تتحدث کما يتحدث أي إنسان عادي في بيته و مع أصحابه و معارفه وهو أمر من الصعب جدا بل وحتى من المستحيل في هذا الزمن بالذات أن نجد فنانا أو مثقفا ما يسعى للخروج به أمام الجمهور.


تابعت و شاهدت العديد من المقابلات لفنانين و فنانات کبار و غيرهم، وجدت التصنع سمة تکاد تغلب على أکثرهم مثلما وجدت جنوحا للتکبر و الاستعلاء و الشعور بالعظمة و التميز، بل وان فنانا مصريا معروفا جدا کنت من أشد المعجبين و المأخوذين بفنه و شخصيته وحتى انني کنت أعتقد بأنه إنسان شفاف و تلقائي و بسيط و واضح في مخاطبته للجمهور، صدمت عندما شاهدت إحدى مقابلاته التلفزيونية قبل بضعة أشهر حيث وجدت مغالاته في التصنع و الظهور بدثار غير دثاره الحقيقي و الواقعي بل ووجدته مغرورا و فيه شئ من الغطرسة و الجنوح نحو التکبر بصورة ملفتة للنظر، وشعرت يومها وکأنه يريد إقناع جمهوره بأنه يمتلك خلفية فلسفية أو فکرية عميقة. وعندما يسأل البعض لماذا صدمت، فإنني أجيب بأن الفنان أي کان، هو کائن ذو إحساس مرهف و يمتلك ثمة موهبة ما يسعى من خلالها للتواصل مع واقعه الموضوعي، ولطالما وجدت الفنان غير الکاتب أو الفيلسوف، فقد تجد لدى الشريحة الثانية الکثير من التعقيد و اللف و الدوران و القفز على أبجديات الواقع، أما شريحة الفنانين فإنه عالم آخر مختلف تماما، عالم شاهدته وانا أخاطب فنانين مختلفين عالم تجد فيه دوما قوس قزح الالوان التلقائية و تجد روحك تنساب و تنساق مع محدثك.


شويکار، تحدثت عن الکثير من تفاصيل حياتها بعيدا جدا عن التکلف او الظهور بقوقع تزييف الحقائق الاساسية ولم تکن تغرق في التفکير لتختار و تنتقي الجمل و التعابير حتى تحتفظ بجمهورها قسرا وانما کانت تتکلم بکل مايختلج في أعماقها وکنت أحس بأن کلماتها أشبه ماتکون بمياه نبع رقراق صاف و خال تماما من کل الشوائب و الادران، تحدثت عن خوفها و توجسها عندما لم يقرع بابها لعرض أعمال فنية عليها لفترة ما و تحدثت عن تعلقها بأبنتها و زوج أبنتها و أطفالهما وقالت أنهم الاقرب إليها وتحدثت عن حبها للوحدة ولم تقل أنها تقضي فترات فراغها في کذا و کذا مسألة وانما بينت و بشکل جلي ان حياتها عادية لاتختلف بالمرة عن حياة أي انسان عادي والحق ان المتلقي سيجد نفسه منساقا مع هکذا تلقائية بالغة الشفافية.


شويکار، التي أعادت الى الذاکرة مجددا حقيقة الفنان کيف هو، لاکما يجب أن يکون، أو بحسب مقاسات مشاوريه و سدنته ووو، وليس ضروريا ان يکون الفنان مفکرا أو عبقريا أو فيلسوفا لکي يکسب أو يحافظ على إعجاب جمهوره وادعو الکثير الکثير من الفنانين لکي يتعلموا الکثير من هذه الفنانة الانسانة و الفنانة المرهفة الاحساس شويکار وأجدها بحق تستحق لترشيحها لجائزة أصدق و أبسط فنانة عربية على وجه الاطلاق.