باسم محمد حبيب

مثلما للعراق روابط قوية بالبلدان العربية في الغرب له ايضا روابط قوية بايران في الشرق وهذه الروابط لاتمتد الى مراحل زمنية قريبة بل تضرب بجذورها في عمق الزمن الى مرحلة الحضارات القديمة عندما اصبحت الاجزاء الغربية من ايران جزءا من افق الحضارة الرافدينية ومركزا من مراكزها لاسيما عندما تحولت سوسة بامر من الملك الاكدي شار كين الى عاصمة لايران الرافدينية بعد ان كانت مجرد مدينة مهملة تتهددها اقوام الجبال الهمجية ومن تلك اللحظة غدت سوسة مركز اشعاع حضاري استطاعت ان تنقل تراث الرافدين الى معظم ارجاء ايران وان تؤسس اولى الممالك الايرانية حيث بقيت سوسة اهم مركز سياسي وحضاري في ايران الى نشوء الدولة الماذية اواخر القرن الثامن قبل الميلاد فاخذ دورها السياسي بالهبوط ومن ثم الزوال على يد الفرس الاخمينيين الذين تمكنوا بعد فترة قصيرة من ظم معظم ايران قبل ان يتحركوا بفتوحات كبيرة الى معظم ارجاء العالم القديم ناشرين نمطا من الحضارة تغلب عليه السماة الرافدينية وبالطبع يمكن عد احتلال الفرس الاخمينيين لبابل عام 539 قبل الميلاد اول غزو ايراني حقيقي تتعرض له بلاد الرافدين على اعتبار ان الغزوات العيلامية هي جزء من النشاط الذاتي للحضارة الرافدينية ذاتها لان عيلام لم تزل جزءا مهما من اطار هذه الحضارة بالرغم من حملها بعض السماة التي تميزها وقد اشار المفكر الايراني علي شريعتي الى ذلك عندما اعتبر ان جذور الحضارة الايرانية تعود الى اصول عراقية قديمة وقد بقي العراق ضمن الاطار السياسي للممالك الايرانية الى بداية التدخل العربي الاسلامي بالرغم من وجود فترات ساد فيها اليونانيون والفرثيون وبالتالي لم يتوقف التاثير الرافديني في ايران على مرحلة التاريخ القديم وحسب بل تعداها الى المرحلتين الوسيطة والحديثة ايضا بدليل ان المذهب الشيعي الذي يدين به غالبية الايرانيين الان نشا وترعرع في ارض العراق ولم تخرج ايران عن الاطار السياسي للدول الحاكمة في العراق الا في نهاية العصر الوسيط عندما تعرض البلدان لتهديد الاقوام التركية والمغولية القادمة من الشرق وبالتالي لايجب ان ننظر الى حالات الاحتراب بين الطرفين ونترك حالات الوئام الكثيرة فمثلما تعرض العراق لغزو ايران اكثر من مرة سواء على يد الاخمينيين والساسانيين والصفويين تعرضت ايران لغزوات عراقية كثيرة سواء على يد الاشوريين او البابليين او العباسيين ومثلما كانت ايران تستغل نقاط الضعف في العراق لتمد نفوذها اليه كان العراق ايضا وفي فترات عديدة يشكل هاجسا كبيرا لايران وبالطبع فان هذا يحصل عندما تتاسس نوايا وتنشا ايدلوجيات توسعية تحاول مد نفوذها على حساب الاخرين والا فان الشيء الطبيعي هو الوئام والسلام حيث شاهدنا الكثير من فترات الهدوء والعلاقات الحسنة في مراحل تاريخية كثيرة ولعل خير مثال على ذلك ما حصل لايران ابان ثورتها الاسلامية وكيف تصارعت الايدلوجيتين القومية الحاكمة في العراق مع الاسلامية الحاكمة في ايران لتدخل البلدين بفعل تناقضهما الايدلوجي في صراع دموي رهيب كان الخاسر الوحيد فيه الشعبين العراقي والايراني الامر الذي يدعونا كشعبين وكقوى سياسية الى بذل جهود حثيثة لتجنب الحزازات والخلافات والبحث عن سبل امينة لحل المشاكل من اجل ان لاتتحول هذه المشاكل الى ندوب يصعب شفائها. لقد خاض البلدين حربا دموية وخسروا ما خسروا من الارواح والاموال خلالها فالواجب ان يتم لئم جراح الماضي و وضع الاسس المتينة لعلاقات سليمة تخدم البلدين وتوسع من افق علاقاتهما وبدلا من ان نسمع تصريحات من هنا او هناك تحرض على العداء او البغضاء لابد من وضع قواعد لعلاقات اكثر منطقية واعتقد ان من الضروري ان تشمل هذه القواعد مايلي:

وضع تسوية سياسية متزنة تنهي متعلقات الحرب الثمانينية من خلال تقديم اعتذار متبادل عن تلك الحرب التي لم يجري تلافيها او وقفها برغم الفرص الكثيرة لذلك.
محاولة خلق شراكة عراقية ايرانية كنواة لشراكة ايرانية ndash; خليجية - عراقية في مجالات مختلفة وفتح كل ابواب التعاون وفي شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية من جل تجنيب المنطقة مخاطر النزاعات التي تخلخل الامن وتهدد الاستقرار.
انهاء النزاع حول شط العرب ومحاولة وضع اطار لاتفاقية جديدة تكون اقدر على حسم كل الملفات العالقة بدل البقاء في اطار اتفاقيات مثيرة للجدل ومنتجة للحقد والبغضاء فاتفاقية الجزائر على سبيل المثال لاتمثل قاعدة امينة لحسم الخلاف الحدودي بين العراق وايران لانها قد تشكل سببا لخلافات جديدة فهي مثل اللغم الذي قد ينفجر في اي لحظة ليخلق اجواء توتر جديدة نحن في غنى عنها.
اذن لنسعى من اجل بناء علاقات متينة نتجاوز بها مشاكل الماضي لان ما يجمعنا اكثر مما يفرقنا فهل لذلك من سبيل.