القسم الثاني

(الدستور الاقليمي وحقوق القوميات المتعايشة)


حفل دستور (الاقليم!) بأهتضامات لحقوق المكونات العراقية داخل الاقليم وخارجه،ومارس عنتاً عنصرياً وشوفينياً في قلب حقائق التاريخ والارض والثقافة والجغرافيا، الى حد بدا معه ان المشرعين له ظنوا انفسهم قوماً مختارين غير جائز الدنو من مقاماتهم العالية، ومع احترامنا الاكيد لخيارات اي شخص او جماعة ولمعتقداتها وارائها، الا اننا نجد من

دستور فقليم أم دستور لدولة؟ 1-2

المناسب القول ان القفز فوق الوقائع والحقائق ومحاولات لي اعناقها انما تندرج تحت مسمى (الطفولة السياسية)التي تودي بصاحبها الى ما لا تحمد عقباه.
لقد شخص الغلو الكردي في مصادرة حقوق القوميات المتعايشة في الاقليم وخارجه، في اكثر من مكان في دستور (الاقليم!)، وهنا بعضها:

اولاً: نصت المادة (2/اولاً) على ان كردستان ndash; العراق كيان جغرافي تاريخي يتكون من محافظة دهوك بحدودها الادارية الحالية ومحافظات كركوك والسليمانية واربيل واقضية عقرة والشيخان وسنجار وتلكيف وقرقوش ونواحي زمار وبعشيقة واسكي كلك من محافظة نينوى وقضاءي خانقين ومندلي من محافظة ديالى وذلك بحدودها الادارية قبل عام 1968.
واذا نحينا جانباً المغالطات التاريخية وتزييف الحقائق التي انطوى عليها هذا النص، وهي اكثر من ان تعد، واكبر من ان تحد، سنجد محاولة (تمردية) واضحة المعالم وشاخصة الاهداف على الدستور الاتحادي قد (شرعنت) اي خرجت من دائرة (التهاتر السياسي) متعدد التجاذبات والغايات، الى دائرة (النص القانوني الكردي الاول) الذي يلزم الاكراد بالدفاع عنه، مما يعني ان قسراً فجاً مارسه المشرعون لتثبيت مزاعم باطلة من جهة، وتحريض الشارع ضد رافعيها من العراقيين جميعاً من جهة اخرى.
ان تحديد المناطق المزعومة (كرديتها) في هذا الدستور تجاوز الافق الدستوري العراقي الذي لم يجرؤ على تسمية تلك المناطق او بعضها، وترك ذلك لمحددات لاحقة بعد سلسلة اجرائيات على الارض، ويشتمل هذا التحديد وبهذه الدقة على غايتين اولاهما رسم الخارطة الجيوسياسية للكيان الكردي المستقل المنوي اعلانه اذا لم تلتزم السلطات العراقية الاتحادية بالنظام الاتحادي الفيدرالي وفق منطق الدستور هذا ذاته، وثانيهما ابلاغ المواجهة بين (الكرد) وسائر الشعب العراقي الى درجة الالتهاب، ولا نستغرب اذا ما رفضت سائر مكونات الشعب العراقي هذا التحديد، ان تتنادى عقليات الساسة الاكراد الى مواجهة مسلحة تحت مزاعم وهرطقات مثل (انقاذ او تحرير الاراضي الكردية المغتصبة من قبل العراق!!)

ثانياً: في تناقض واضح وطريف مع سابقتها نصت المادة (2/ ثانياً) على اتمام تحديد الحدود السياسية لاقليم كردستان العراق باعتماد تنفيذ المادة (140) من الدستور الاتحادي، وهذا يدفع للتساؤل عن جدوى التحديد في المادة السابقة؟ وكيف يمكن اعادة التحديد بعد ان جرى حسمه في نص هذا الدستور؟ وهل يعني هذا ان تراجعاً محتملاً عن التحديد وفق سقوفه المؤشرة سيحصل عند التعاطي مع المادة (140) وما ستتمخض من مخرجات عن آليات تنفيذها رغم انها معطلة دستورياً بعد انتهاء سقفها الزمني المحدد بالدستور الاتحادي؟
اذا كان المقصود ان تراجعاً لاحقاً سيحصل فهذا يعني ان الساسة الاكراد قد عمدوا الى تمرير دستورهم الاقليمي بوصفه ورقة عالية السقوف للمساومة وليس نصاً دستورياً وفق توصيفاته المتعارف عليها.

ثالثاً: في اخلال قانوني ودستوري وانتهاك لحقوق الانسان نصت المادة (2/ ثالثاً) على عدم جواز تأسيس اقليم جديد داخل حدود اقليم كردستان، بشكل يمثل تعطيلاً للحقوق المكتسبة والاساسية للمواطنين واجهاضا لارادتهم، كما يمثل اخلالاً وخرقاً للمادة الدستورية الاتحادية (119).

رابعاً: مع ان الديباجة في اي دستور لا تتمتع بأثر مادي قانوني، الا ان الدستور الاقليمي واعتماداً على ديباجة الدستور الاتحادي قرر المادة السابعة التي تنص على احقية شعب كردستان العراق في تقرير مصيره، بينما منع، كما مر بنا سابقاً، اي مكون من مكونات شعب (الاقليم!) من تقرير مصيره، فهل حق تقرير المصير هو حق كردي محض غير مباح لغير الاكراد؟

خامساً: اشار الدستور الاقليمي الى ان عاصمة (الاقليم!) هي اربيل، ومنح برلمان الاقليم سلطة اتخاذ اية مدينة من مدن (كردستان!) عاصمة له، وبالعودة الى الخارطة السياسية التي اقرها هذا الدستور، وبأسترجاع شعارات الحزبين الحاكمين التي كانت وما زالت تؤكد على ان كركوك هي (عاصمة اقليمهم الآن) و(عاصمة كيانهم مستقبلاً) فان المترشح طبقاً لنزعات الصراع بين اربيل والسليمانية (بارازاني وطالباني) على زعامة الاكراد، ان صراعاً ساخناً يهيىء ساستهم انفسهم واتباعهم وظروفهم لخوضه في (معركة كركوك) كما يحلو لبعض الكتاب الاكراد وصفها في معرض حثهم الشوفيني على سحق الوجود الانساني للقوميات الاخرى وحقوقها الطبيعية والمكتسبة.

سادساً: في الوقت الذي يعنى الدستور العراقي في منح القوميات حقوقها الادارية والتعليمية والثقافية والسياسية يغمط الدستور الاقليمي الحقوق السياسية كما في المادة(35) ويكبل الحقوق الانسانية والثقافية باشتراط تقنين ممارسة تلك الحقوق كما في المادة (14/ ثانياً) خلافاً لما نص عليه الدستور العراقي في المادة (125)، وهكذا نجد ان دستور الاقليم يضيق سعة النافذة الحقوقية للقوميات التي اطلقها الدستور العراقي.

سابعاً: في تدوير لحكاية (التوافق والمحاصصة) التي طبعت العملية السياسية التي جرت عقيب الاحتلال، استعارت المادة (106/ اولاً) من الدستور الاقليمي بعض ملامحها وكرستها في نصها القائل بمراعاة التمثيل العادل للمكونات الموجودة ضمن الوحدات الادارية او البلدية عند تشكيل مجالسها المحلية والبلدية، ولكن ما يشار اليه هنا ان هذ (المراعاة المزعومة) وان كانت ابناً خديجاً (للتوافقية والمحاصصاتية) في بغداد الا انها لم تكن ابناً باراً، فالتوافقية والمحاصصاتية في بغداد منحت الاكراد مناصب سيادية ورئاسية مدنية وامنية وعسكرية وفي الهيئات العليا والخاصة، بينما لم ينل ممثلو القوميات الاخرى في الحكومة الاتحادية او في (حكومة الاقليم!) الا مناصب فقيرة وضعيفة.

ثامناً: من اجل تهيئة اجواء دستورية لممارسة الاضطهاد لغير الاكراد في (الاقليم!) وتوفير حاضنات شرعية لممارسة تغيير ديموغرافي يفضي الى محق وجود المكونات الاخرى واعدام فاعلياتها الانسانية والسياسية وطمس تطلعاتها، نصت المادة (102) من الدستور الاقليمي على ان (تكون التقسيمات الادارية في اقليم كردستان على اساس (المحافظة، القضاء، الناحية، القرية) ويتم استحداثها وتعيين وتغيير مراكزها وتحديد وتعديل حدودها وفك ارتباطها والحاقها بوحدات ادارية اخرى وفق القانون) وهذ النص، بموجباته اللغوية والدلالية يحيلنا الى الماضي القريب من اساليب التغيير الديموغرافي والجغرافي التي مارسها النظام السابق حتى تطورت وآلت الى ماهي آيلة اليه الآن.


(الدستورالاقليمي ومخالفاته للدستور الاتحادي)
- نظرة مقارنة ndash;

عج الدستور الاقليمي بنوعين من المخالفات لاحكام الدستور الاتحادي، اولهما مخالفة افقية سياقية اجرائية غير متقاطعة تماماً مع روح الدستور الاتحادي، وثانيهما مخالفة عمودية جوهرية اعتراضية متقاطعة تماماً مع روح الدستور الاتحادي وفكرة ونصه، وهنا بعض هذه المخالفات:

1.خلافاً لنص المادة الاولى من الدستور الاتحادي التي وصفت العراق بـ (جمهورية العراق) نصت المادة الاولى من الدستور الاقليمي على ان كردستان العراق اقليم ضمن (دولة العراق الاتحادية) وشتان ما بين المعطيين في الاعراف السياسية والدستورية والقانونية والدلالية.
كما اكدت المادة الاولى ايضاً على ان النظام السياسي في الاقليم برلماني ((جمهوري)) ديمقراطي لأجل اعطاء سمة دولة مع الدولة العراقية.

2.خلافاً للمادة (110/ ثالثاًً) من الدستور الاتحادي التي حصرت رسم وتخطيط وتنفيذ السياسة المالية للعراق بيد سلطاته الاتحادية حصراً، اشترط الدستور الاقليمي عدم جواز فرض اي رسم او ضريبة في (الاقليم!) او تعديلها او الاعفاء منها دون موافقة برلمان الاقليم واقرارها بقانون كما في المادة (13) و (53/تاسعاً) منه.

3.تقاطعاً مع المواد (110/ اولاً) و (25) و (110/ سابعاً) من الدستور الاتحادي التي خصت السلطات الاتحادية وحدها برسم السياسات الاقتصادية للبلاد واعداد مشاريع الموازنة العامة والخطط الاستثمارية، نصت المادة (15) من الدستور الاقليمي على اعتماد الاقليم نظام اقتصاد السوق التنافسي (المشروع) مع تشجيع وتبني التنمية الاقتصادية على اسس حديثة والاستثمار بوجهيه العام والخاص وعدم جواز الاحتكار الا بقانون.

4.بتقاطع حاد مع المادتين (61/ تاسعاً) و (110/ ثانياً) من الدستور الاتحادي اللتين حصرتا صلاحية اعلان حالة الطوارئ في البلاد او اجزائها، بالبرلمان الاتحادي والسلطة الاتحادية، نصت الفقرتان (سابعاً وثامناً) من المادة (65) من الدستور الاقليمي على ممارسة رئيس الاقليم بالتشاور مع رئيس البرلمان ورئيس وزراء الاقليم هذه الصلاحية دون الاشارة الى اي نوع من المشاورة او الاتفاق او الحوار مع السلطة الاتحادية.


5.خلافاً لنص المادة (73/ اولاً) من الدستور الاتحادي التي اعطت لرئيس جمهورية العراق الحق في اصدار العفو الخاص عن المحكومين بالاعدام او تخفيف هذا الحكم مع استثناء المحكومين به جراء جرائم تتعلق بالحق الخاص والارهاب والفساد المالي والاداري والجرائم الدولية، فأن الفقرتين (تاسعاً) و (عاشراً) من المادة (65) من الدستور الاقليمي منحتا هذا الحق لرئيس (الاقليم!) وبأطلاق ودون تحديد لايما استثناء، وهذا ما لم يمنحه الدستور الاتحادي لرئيس الجمهورية خاصة في ما يتعلق بجرائم الحرب والابادة، او جرائم ضد الانسانية.

6.في تأسيس لسلطة (اقليمية) فوق (السلطة الاتحادية) وفي مهاد لانفصال نفسي وتعبوي وقانوني يفضي الى انفصال كلي وبتقاطع حاد مع منطوق المادة (78) من الدستور الاتحادي التي تؤكد على ان رئيس مجلس الوزراء العراقي هو القائد العام للقوات المسلحة العراقية وهو المسؤول المباشر عن تنفيذ سياسة الدولة العامة، قوضت الفقرتان (ثاني عشر وثالث عشر) من المادة 65 من الدستور الاقليمي سلطات رئيس الوزراء العراقي وحصرتا صلاحية السماح بدخول قوات مسلحة اتحادية الى اراضي الاقليم وتحديد مهامها ومدة بقائها، وارسال قوات البيشمركة وقوى الامن الداخلي الاقليمية الى خارج الاقليم برئيس الاقليم وبموافقة برلمانه.

7.خلافاً للمادة الدستورية الاتحادية (102) التي اخضعت المفوضية العليا لحقوق الانسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيأة النزاهة، لمجلس النواب العراقي، واعتبرتها هيئات مستقلة، نصت المادة (65/عشرون) من الدستور الاقليمي على تعيينها من قبل رئيس الاقليم، ونصت المادتان (107) و (108) على تأسيسها بقانون واخضاعها لرقابة برلمان (الاقليم!).

8.ومن المفارقات التي انطوى عليها الدستور الاقليمي، تغيبه لشروط وعناصر التأهيل والترشيح الى البرلمان ومجلس الوزراء ورئاسة الاقليم بشكل متناف مع المواد (48)، (68)، (77) من الدستور الاتحادي الحالي.

9.تقاطعاً مع المادة (120) من الدستور الاتحادي التي حصرت وأوجبت الدستور الاقليمي بتحديد هيكل سلطاته وصلاحياته واليات ممارسة تلك الصلاحيات حصراً، حشر الدستور الاقليمي من باب التضييق أحكاماً اضافية كالحقوق والحريات والمبادىء الاساسية الواردة في الدستور الاتحادي الحالي...

(الدستور الاقليمي وهاويات العجالة)

لعل السمة الابرز في الدستور الاقليمي عجالة كتابته وعجالة اقراره فلم يمنح مشرعوه انفسهم قليلاً من التروي وانتظار ما ستؤول اليه الحال في قضايا خلافية ما زالت تشد اطراف البيت العراقي بأوتاد تنافرات حادة كان السبب فيها عجالة كتابة الدستور العراقي وعجالة اقراره، الامر الذي اتخمه بنصوص متناقضة ومفخخة جعلت العملية السياسية تسير على رجل واحدة عرجاء استنزفت زمناً وجهداً ومالاً وتضحيات لا تعوض.
كان الاحرى بالساسة والمشرعين الاكراد ان يفكوا انفسهم من ربقة الانقياد الاعمى المتعجل الى ما يعدونه مقدمات لاعلان قيام كيانهم، وان يمهلوا انفسهم زمناً قصيراً كي ينضج دستورهم على نار هادئة تتناغم مع الدستور العراقي وهو بمخاض التعديلات العسير، بدل ان يجهدوا في اقرار دستور مرتبك ومتناقض وغير ودي مع جميع مكونات الشعب العراقي وحتى مكونات من يسمونه بـ (شعب الاقليم!).


كان حرياً بهم الا يتعجلوا في اطلاق يد دستورهم بأمور لم تحسم عراقياً عبر البرلمان الاتحادي مثل قانون الاحزاب والنفط والغاز والتمثيل في الخارج وغيرها مما يقع ضمن اطار الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية او البرلمان الاتحادي او ضمن الصلاحيات المتلازمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة (الاقليم!)
ان دستوراً كتب على هذا القدر من العجالة وبهذا المستوى من التحديات للضمير الجمعي العراقي وللمنظومة الدستورية الاتحادية لن يوفر مناخاً صحياً لعراق اتحادي فيدرالي ديمقراطي قدر ما يلهب النار في الرماد.

آيدن آقصو