مؤامرة علنية وقتل وبطش وتدمير علني وصارخ تمارسه تركيا بحق رافدي العراق العظمين دجلة والفرات والمفارقة ان يتم كل ذلك دون أدنى ردود افعال قوية بمستوى هذا الحدث الجلل من الجهات الرسمية العراقية وفي مقدمتها البرلمان العراقي. ان جريمة قتل الرافدين اخذت في الاشهر الاخيرة منحى غاية في الخطورة والتدخل التركي الصارخ من خلال توجيه رسائل سياسية ذات خطورة كبيرة تحمل بين طياتها اشارات تدخل طائفي. فلقد تم خنق دجلة والفرات بشكل لم يسبق له مثيل في كل التاريخ العراقي ممااستوجب مفارقة غريبة ان يسافر طارق الهاشمي النائب الثاني لرئيس الجمهورية ليبشرنا من هناك من اسطنبول وانقرة بان المياه سوف تتدفق بحدود معينة الى رافدي العراق!!

ومن يعرف التاريخ السياسي الحديث جيدا ويعرف خلفيات رموزه في عقد العشرينات والثلاثينات وحتى اخر ثمانية عقود وحتى يومنا هذا سوف يفهم جيدا مغزى هذه الرسالة التركية التي يبدو انها مرتبة ومختارة بشكل جيد لتكون على لسان طارق الهاشمي وليس غيره. فاذا اراد الهاشمي استغلال علاقات عائلته الجيدة والتاريخية مع العثمانيين والاتراك لخدمة قضية عراقية كبرى مثل تجفيف الرافدين، فهذه خطوة شخصية جيدة. لكن للاسف الامور لن تقف عند هذه quot; الجيدة quot; فحسب لان شأن وسلامة الرافدين هو شأن عراقي كبير وخطير ولان ايضا في السياسة لاتوجد خواطر او علاقات عامة او حتى علاقات عائلية لذلك فان الا شارات التركية والهاشمية هذه مقدما تبدو ليس لها مكان في خانة حسن النية فحسب. بل انها اشارات سياسية تقع تحت طائلة الدور الطائفي الذي يحاول العراق بكل قواه الخيريه تجاوز مراحله الصعبة والحساسة.

ان الهاشمي يعاني وبشكل واضح من تدهور وضعه ودوره السياسي خاصة بعد اعترافات الارهابي ابو عمر البغدادي عن دور الحزب الاسلامي بالتنسيق بينه وبين جماعة الصنم الساقط، مما استوجب اجتماع عاجل لقيادة الحزب الاسلامي في العراق وتم اتخاذ قرارات غاية بالاهمية تم من خلالها عزل طارق الهاشمي عن منصبه كأمين عام للحزب، بل ووصلت الامور بنفس الاجتماع الى التلاكم بالايادي بين اعضاء الجلسة كما نقلت بعض وكالات الانباء حينها. ومن الواضح ان الهاشمي يحتل منصب حساس وكبير في الدولة العراقية دون اي مبرر قانوني او دستوري في مثل هكذا حالة، مما يستدعي الكثير من الافكار والظنون التي تقود الى حقائق وخطوات تمارس بالخفاء من تركيا وغيرها من دول اخرى لبقاء الهاشمي في منصبه حتى نهاية الدورة الانتخابية الحالية على اقل تقدير. وقد تكون اشارات هذه الدفعة quot; المائية quot; التركية على لسان الهاشمي هي اشارات اضافية للتاكيد على المطلوب.

ان على تركيا وكل دول الجوار ان تعرف وتعي جيدا ان التعامل مع العراق يجب ان يكون وان يتم مع مؤسسات رسمية كدولة وليس مع اشخاص وأرث قديم او مجاميع طائفية او قومية، لان مثل هذه الامور ان حدثت فستتجرع كل دول الجوار هذه عاجلا ام اجلا من هذه الوصفة السيئة داخل حدود بلدانها. كما ان على تركيا بوجه الخصوص ان تعرف دون أدنى شك او وهم ان دجلة والفرات تعني وجود العراق وحضارتة وتاريخه وحاضره ومستقبله وان بلد مثل العراق لايمكن التلاعب بعناصر وجوده الانساني والتاريخي والرسمي والجغرافي دون ان يدفع الجميع ثمن من نفس عاقبة السؤ هذه. وعلى تركيا ان لاترسم سياساتها اتجاه العراق على ضوء معطيات الوضع الاستثنائي الحالي. كما يجب ان يكون الدور الرسمي العراقي اكثر قوة واكثر تحشيد للمطالبة بحقوق العراق المائية وهي حقوق قانونية وشرعية فلا يمكن السكوت والتفرج على موت اكثر من 60 % من الاراضي الزراعية العراقية لحد الان دون أدنى فعل ملموس بمستوى هذه الجريمة. كما لايمكن تفهم ان تعقد اتفاقيات سنوية مع تركيا تتجاوز العشرة مليارات دولار دون ضمان حقوق العراق والعراقيين وفي مقدمتها الحصة المائية وبشكل واضح وصريح. ومثل هذه الامور الخطيرة والستراتجية لاتتم عن طريق الدعوات الخاصة او الولائم والعزائم او السفرات الخاصة بل تتم من خلال رسم ستراتجية عراقية قوية لمواجهة هذا التطرف المائي التركي بحق العراق ولدى العراق كبلد الكثير من الاوراق المحلية والاقليمية والدولية تدعم مطالبه القانوية هذه خاصة اذا تم التعامل معها بشكل واعي ومدرك لخطورة هذه الجريمة وايضا نقاط القوة والضعف عند الاخرين.


محمد الوادي
[email protected]