كان يوم الاحد المصادف 12 تموز الجاري احدا داميا اخر لمسيحي العراق، ذكرهم باحاد اخرى، مرت ومررنا عليها مرور الكرام، تم استهداف سبعة كنائس بالتفجيرات وقتل فيها عدد من الابرياء ممن لا ذنب لهم، هذا اذا اعتبرنا ان وجود الكنيسة هو ذنب بحد ذاته يجب العمل على ازالته.
قتلت السيدة مروة الشربيني من قبل متهم الماني من اصل روسي، في حادث جنائي، فقد المتهم اعصابه لانه اعتبر انه خاسر للقضية المرفوعة ضده، والخاصة باهانته المراءة بسبب ارتداءها الحجاب، فارتداء الحجاب الذي يعتبر ممارسة شخصية ويتعلق بحرية الانسان ذاته، لم تكن وقفا على السيدة الشربيني، بل ان مئات الالاف من النساء ذات الاصول المسلمة او حتى الالمانيات المعتنقات للاسلام يمارسنها وبكل حرية ويمكن مشاهدة لابسات الحجاب في كل شوارع المدن الالمانية لا بل حتى في شوارع القرى الصغيرة، وليس هناك من تضييق علي ذلك سوى في مدارس بعض الولايات التي تعتبر الحجاب رمزا دينيا، وهي تمنع الرموز الدينية في كل مدارسها بما فيها الصليب او القلنسوة اليهودية. الشاب الذي قتل السيدة الشربيني قد يكون مهوسا او عنصريا او من المهمشيين ولكنه بالتأيكد لا يمثل المجتمع الالماني، وبالرغم من ان القضية لم تأخذ ابعادا كبيرة في الاعلام الالماني، ليس بسبب كون القضية تجعل المسلم هو الضحية كما يردد البعض، بل لان القضية اعتبرت هياج متهم يعرف انه خاسر لقضيته، فما كان منه الا ان طعن الشاكية وهو امر يحدث وان كان باساليب اخرى او بحوادث قليلة، والامر مفهوم من الاعلام لانه لا يجذب القراء لانه امر عادي. ان القضية لم تؤخذ كقضية عنصرية، اي لم تؤخذ باسبابها الاصلية لان المحكمة كانت اخذت بها. بالطبع ان تعرض حياة انسان للهدر امر مرفوض ومدان، ولكنه امر يحدث كل يوم بسبب عدم قدرتنا على التكهن بردود فعل كل الناس وفي كل الاوقات.
الا انه من الواضح ان مسيحي الشرق الاوسط باتوا يدفعون ثمن كل ما يحدث من ممارسات ضد المسلمين في اوربا سواء كانت محقة ام لا. والمسلمون مهما فعل احدهم بالاخر من القتل والتدمير، ينظرون للاخر على انه يستهدفهم كدين، وان لم يكن كلك، والا بالله قولوا لي ما الذي يدفع الرئيس الايراني لكي يستدعي السفير الالماني في ايران ويبدي استهاجنه لمقتل السيدة الشربيني، وهل يفعل كل ذلك مع مقتل اي مواطن لبلد في بلد اخر؟
سبعة كنائس تتعرض للاستهداف ويقتل فيها عدد من الابرياء سواء من المسيحيين ام غيرهم، السؤال لماذا؟ الجواب واضح هو استهدف المسيحيين لانهم كذلك، وليس لانهم يمثلون تهديدا لاي كان، والامر الاخر المهم هو اننا نعتقد انه كان ردا لما حدث في المانيا، فالتاريخ والاحداث تعلمنا ذلك، الم يستهدفوننا يوم نشر الصور الكاريكاترية لنبي الاسلام، والم نستهدف يوم صرح البابا اواستشهد بما دون في كتاب نشر قبل قرون والم نستهف لما حدث في الشيشان؟. وكل ذلك يحدث وليس هناك خصومة شخصية بين مسلم ما ومسيحي ما بل يحدث بتخطيط مسبق؟
صار من الواضح انه لا يمكننا ان نقوم كل مرة بترديد فعل الايمان الوطني، ففعل ايماننا الوطني واضح بانجازات هذه الاوطان التي لم تاتي الا على ايدي ابناء اقلياتها، هذه الاقليات التي تعيش حالة رعب دائمي من اي انة قد تفسر على خطاء، هذه الاقليات التي لا تخضع لقانون ما وكل من هب ودب يمكن ان يمارس قانونه الخاص عليها ويستشهد باية او بقول وياما اكثرها. اليوم مطلوب ان يواجه مسيحي العراق وغالبيتهم من ابناء الشعب الكلداني السرياني الاشوري، بموقف سياسي واضح يكون الحد بين سهولة استهدافهم وضرورة بتر مثل هذا الامر الى الابد، وهذا الموقف يجب ان لا يكون بكلمات تطمينية من رئيس الوزراء او رئيس الجمهورية او اي شخص اخر، الموقف المطلوب هو ان يتم الاقرار القانوني بحق هذا الشعب في ان يتمكن من ادارة ذاته في مناطقه التاريخية وان يبني مستقبله ضمن المستقبل العراقي، وان يحمي امنه بقوات امنية من ابناءه وان يحدد خياراته الثقافية والقانونية ذاتيا. ان تمتع الشعب الكلداني السرياني الاشوري بالحكم الذاتي هو احد الردود العملية للاستهداف السهل والمتكرر عليهم من كل من هب ودب. النقلة الثانية في ايقاف كل ما تتعرض له الاقليات الدينية بالاخص ومنهم الازيدية والصابئة المندائيين، هو بكبت الخطاب الديني المسيطر على الاجواء في العراق، من خلال معاقبة كل من يعمل على اعتبار ابناء الديانات الاخرى وبما فيها ابناء الديانة اليهودية كفارا او حتى اهل ذمة، بل يجب ان يتم التعامل معهم كمواطنيين كاملي المواطنية. والعمل على نشر تثقافة التسامح وتقبل الاخر، والانفتاح على الثقافات الاخرى وتطوير مناهج التعليم بما يتوافق مع التعددية الحضارية والسياسية والنظام الديمقراطي. رفض مقولة العراق بلد اسلامي وهذا ينطبق على كل البلدان الاسلامية، فالبلد هو لكل ابناءه وكل مواطن يراه بما يؤمن ويجب عدم فرض قيم دينية باي شكل من الاشكال على الجميع مثل ما يمارس في شهر رمضان من مظاهر جعل الجميع يدعون الصوم وعدم الاكل والشرب في المطاعم (الافطار العلني) وغيرها من المظاهر الاسلامية المفروضة بالقوة على جميع مواطني الدولة بغض النظر عن دينهم. تشديد العقوبات لكل من يعمل من اجل اقرار امر يعتقده امرا ملزما دينيا، والعمل من اجل ازالة كل المظاهر التي تدعي ان الاسلام مستهدف من قبل الاخرين، اي جعل كل العالم عدوا للاسلام.
من خلال ردود فعل بعض الشخصيات المسيحية نرى انه لا تزال هذ الشخصيات لم ترتقي الى مستوى التحديات التي تواجهنا، فالسيد كنا يعتبر استهدافنا هو استهداف للحكومة لانها فاشلة، وكاننا في جيب الحكومة ونمثل الثقل الاساسي فيها، وهو فهم قاصر ومحاولة ابعاد الانظار عن الفاعليين الحقيقيين، كما يدور في نفس الفلك غبطة البطريرك عمانوئيل دلي عندما يحاول تعميم الامر وكانه مصاب للجميع، صحيح ان الجميع مصابين وضحايا للارهاب الا ان المسيحيين ليسوا مشاركين في اعمال ارهابية ضد اي طرف، واعتقد ان الوحيد الذي اقترب من الحقيقة كان نيافة الاسقف لويس ساكو عندما حدد هدف الارهابيين بانه اخلاء العراق من المسيحيين وارهاب من يفكر بالعودة لكي لا يعود. امام الحقيقة الماثلة اعلاه، نود القول اننا ضحايا وكنا ضحايا لعصور طويلة لحملنا هوية دينية مغايرة، اليوم مطلوبان نصون ذاتنا ونحمي مميزاتنا بالتطلع للمشاركة في صنع عراق مغاير وليس عراق الاسلاميين، بل كل العراقيين، عراق يمكننا فيه ان نحمي هويتنا ونطورها بكل حرية، عراق ليس مطلوبا منا فيه كل يوم ممارسة فعل المداهنة لاثبات وطنينتنا، بل الاقرار القانوني والفعلي بمواطنيتنا وبكل حقوقنا، وان كانت الدولة غير قادرة على حمايتنا فنحن بقادرين على ذلك، ولكن ضمن اطار قانوني شرعي يمد الدولة بالقوة ولا ينتقص من قوتها، انه مرة حل سياسي قانوني اداري، انه الحكم الذاتي.
تيري بطرس
[email protected]
التعليقات