أثبتت الانتفاضات العربية على مدى الأشهر العشرين الماضية أن السلطة تسري من أسفل الى أعلى، وأن الشعوب في النتيجة سوف تهب متحدية الطغيان والقمع. وبالتالي فإن تلك الانتفاضات العربية هي شهادة ناطقة على قوةالذين لا قوة لهم. فالزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا وهو في سجنه في جزيرة روبين انتقى مقطعاً للشاعر الإنكليزيوليام شكسبير حول تأملات يوليوس قيصر في الشجاعة وفي حتمية الموت. وكان الشبان العرب الذين قادوا تلك الانتفاضات يرددون صدى شعار يوليوس قيصر القائل، كما صاغه شكسبير:
يموت الجبان قبل موته مرَّات raquo;
ومرة واحدة يذوق الشجاع طعم الموت
وما سمعت من غرائب الويلات
أغربه أن ينال من الرجال الخوف
وهم يرون نهاية محكومة بالموت
.laquo; فليأت متى شاء أن يأتي
إن أحداث العالم العربي منذ شهر كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٠ في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وسوريا، وغيرها أظهرت أن الشعوب العربية لم تعد تهاب أو تحترم حكامها، وتطالب بالحرية، والعدل، والحكم النزيه. لكن المجتمعالعادل والنزيه لن يظهر ما لم تتفق الشعوب المنتفضة ضد الطغيان على المبادىء العامة التالية:
١ حرية العقل
٢ حرية الناس في التعبير عن آرائهم وأفكارهم
٣ حرية الفنانين في الإبداع كما يشاؤون
٤ حرية العلماء والمهندسين في البحث والاختراع
٥ حرية الدين والعبادة والاعتراف بتنوع العقائد والمذاهب الدينية وتثبيتها
٦ التحرر من القمع والاضطهاد
٧ التحرر من الاعتقال التعسفي
٨ التحرر من الشرطة السرية ومن وحشية التعذيب
٩ حرية الناس في التعبير عن أفكارهم وانتقاداتهم
١٠ وأخيراً وليس آخراً حرية المرأة ومساواتها في الفرص مع الرجل
وما لم يلبِّ النظام العربي الجديد هذه المبادىء والمعايير العامة، فإن العالم العربي لن ينعم بالسلام والاستقراروالتقدم. ذلك أنه بدون الحريات الفكرية، وبدون تقبُّل الآخر والتسامح معه، وبدون المحبة، لا يستطيع أي مجتمع أنيسير قدماً. ولذلك فإنه من واجب الكتَّاب والمثقفين العرب الدعوة الى التسامح والقبول المشترك، لا التبشيربالكراهية والبغضاء كما نرى الآن بصورة مستمرة في الإعلام العربي. وفي هذا الوقت الذي نرى الجميع في العالم العربي يمارسون الكذب والتضليل، من صحافيين، ومدرسين، ومسؤولين حكوميين، ورجال أعمال، فإننا بحاجة الىالتزام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة بقول الحقيقة كأرفع قيمة، وأن يكون نشر المعرفة في رأس
مسؤولياتها.
إن النظام العربي الجديد الذي يدعو حراكه الى الحكم الشعبي والحرية، يجب أن يدرك بأن الحكم الشعبي ليس ماتريده أنت، أو تعبيراً عن مطالبك من الآخرين، بل هو عدم المطالبة من الآخرين بفعل ما لا تريد أن تفعله أنت.فالمعنى الحقيقي للحكم الشعبي وللحريات الخاصة والعامة هو اrdquo;لامتناع عن الإلقاء على ظهور الآخرين للأعباء التي لا تريد أن تلقيها على ظهرك أنتraquo;ومفهوم الحريات العامة والخاصة لا يعني حريتك في أن تفعل ما يروق لك من خلال تقييد حرية الآخرين في مجتمعك لأنك تعتبرهم غير مساوين لك في العقيدة، والمذهب، والأصل العرقي.
فالديموقراطية الحقيقية laquo; تمتشق السيف raquo; ضد أي فئة أو جماعة تبتغي استغلال الآخرين من غير وازع على الإطلاق. وبالمختصر المفيد، الديموقراطية هي انضباط وضبط للنفس. إنها حكم الغالبية التي لا تهضم حقوق الذين خسرواالسلطة السياسية أو أتباعهم. إنها حكم القانون حيث لا أحد فوق القانون. وبعد، فإن الديموقراطية تستدعي وجود قضاء مستقل ورأسمالية شفَّافة. وما هو قائم في العالم العربي هوlaquo; رأسمالية مزيَّفة raquo;أنتجت كليبتوقراطية جشعة (الكليبتوقراطية تعني ldquo; حكم الحرامية raquo;) وأمراء فساد، تنتفع منها فئةقليلة مقرَّبة من الناس المحتكرين للسلطة السياسية والاقتصادية والمهيمنين عليها. لكن الديموقراطية تقوم على المنافسة السياسية والاقتصادية على أسس عادلة. فهي، باختصار، ليست مجرد انتخابات حرة، بل هي تتعامل معجميع فئات المجتمع بصرف النظر عن أديانهم وأصولهم العرقية على أنهم سواسية. إنها نظام يسمح لكل مواطن
بأن يكون laquo; كامل الانتماء ومتساوياً في الاحترام raquo;.هذا هو جوهر الدولة الديموقراطية العادلة والنزيهة.
هذا المقال للدكتور عودة ابو ردينة تنشره laquo;ايلافraquo; باتفاق خاص مع laquo; الديبلوماسي raquo; وهو تقرير شهري يصدره من لندن الصحافي اللبناني ريمون عطاالله. العدد ١٣٧ ـ آب/اغسطس ٢٠١٢ـ المجلد ١٦
التعليقات