رفقي عساف من الاردن:إن المتتبع لمسيرة الممثل المصري الشاب مصطفى شعبان، يلاحظ التنوع الأدائي الكبير الذي قدمه هذا الممثل على امتداد أعماله السينمائية والتلفزيونية، فمنذ أوائل إطلالاته السينمائية في فيلم رومانتيكا، ثم فيلم القبطان مع محمود عبد العزيز، ثم فيلم الشرف، ومن ثم أداؤه المميز لدور الشاب الساذج الراكض وراء الملذات في فيلم فتاة من إسرائيل، ودخوله مدرسة يوسف شاهين الأدائية في quot;سكوت حنصورquot; مروراً بأدائه لأول بطولة في فيلم جرئ وعميق هو quot;النعامة والطاووسquot;، ثم دور عميق آخر ساخر في quot;خلي الدماغ صاحيquot;، ومن ثم النقلة النوعية في quot;مافياquot;، وأداؤه اللامع الذي حوله إلى نجم شباك، لكنه بذلك قربه للأسف إلى أفلام الحركة، التي أعتقد بأنها لا تناسبه، فقدم أداء غير مقنع برأيي بعد ذلك في أحلام عمرنا رغم إيماني بحرفية المخرج quot;عثمان أبو لبنquot;، وكان الفيلم من النوع الرومانسي الممزوج بالحركة التي يتميز فيها أبو لبن، ليعود بعد ذلك فيقدم فيلم حركة بالكامل مع أبو لبن نفسه الذي أعتبره أفضل مخرجي أفلام الحركة عربياً، فقدما فيلماً ذكياً في quot;فتح عينيكquot;، مع انني أرى بأن مصطفى شعبان ظلم نفسه بهذا الانتقال إلى أفلام الحركة رغم تميزه فيها في مافيا، فشهد أداؤه تذبذباً في فتح عينيك، وتراجعاً في آخر الأفلام quot;كود 36quot;، فكان أداؤه وأداء quot;مايا نصريquot; من أفضل ما في الفيلم، وهذا لا يعني أن أداءه أعاد إلى الأذهان موهبته الكبيرة، بل لأن الفيلم نفسه لم يكن بالمستوى المطلوب، حتى أدواره التلفزيونية نجح منها برأيي دور سعيد في مسلسل quot;عائلة الحاج متوليquot;، ولم ينجح دوره البوليسي في مسلسل quot;العميل 1001quot; بالشكل المطلوب.

مصطفى شعبان على بوستر آخر أفلامه

بعد هذا الاستعراض لأعمال مصطفى شعبان علي أن أرجع إلى فن التمثيل أو التشخيص عموماً، والذي أؤمن بأنه فن يعتمد قبل كل شيء على الموهبة، وهي الأساس الأول لهذا الفن، كما يعتمد على التوازن النفسي والتوافق العصبي للممثل في السيطرة على مشاعره وانفعالاته، والقدرة على التقمص والدخول في رداء الشخصيات المختلفة، كما يعتمد على القدرة على التحكم بالعضلات والحركات وإدراك الممثل لحركاته وانقباضاته وردود أفعاله وكيف ستظهر على الكاميرا، يبقى بالطبع جانب التدريب كجانب مهم في الوصول إلى هذه القدرات لتعزيز الموهبة الفطرية في الأداء، وحسن اختيار الممثل لأدواره وللأفلام التي يعمل فيها، وهنا سأقوم بقراءة الممثل مصطفى شعبان قراءة نقدية من مختلف هذه الجوانب.

الموهبة

مع هذا التناول لمسيرة مصطفى شعبان السينمائية، لا بد من القول بأنه خامة أداء يحلم بها أي مخرج، ملامح هادئة محايدة، موهبة كبيرة، وكاريزما، يتمتع بحضور قوي، قوام جسماني متوسط، فيستطيع أداء مختلف الأدوار، سواء في أفلام الحركة أو الأفلام الرومانسية، أو الأفلام التي تتميز بشخصيات معقدة ومركبة وغريبة والتي أراها الأنسب لنوعية هذا الممثل، ولنعد هنا إلى تجربة مافيا التي أدت فيما بعد إلى انتقال مصطفى شعبان لأداء أفلام الأكشن لكونه أبدع في أداء شخصية الضابط، تلك الشخصية التي لم تتميز بسبب مشاهد الحركة، ولكن لأنها كانت شخصية جديدة ومتميزة ومركبة، وغريبة على السينما المصرية بالطريقة التي قدمت بها، ومن هنا كانت مناسبة لمصطفى شعبان صاحب الموهبة الكبيرة.


التقمص

مصطفى شعبان برأيي من أفضل ممثلي السينما المصرية الشباب في هذا الجانب، فهو يذكرني بالراحل أحمد زكي، حيث يدخل رداء الشخصية بشكل كبير، مع محافظته على روحه الخاصة، لا يقلد أحداً، ولا يشبه أحدا، إلا مصطفى شعبان، بل إنه لا يشبه الشخصية نفسها، بل يصبحها، وهي أكبر ميزاته، ومصدر موهبته.


التوافق العصبي، وعضلات الوجه

وهي أهم أسباب كتابتي لهذا المقال، فهي مشكلة مصطفى شعبان التي أود تنبيهه إليها، فعلى الرغم من ثقتي بموهبة هذا الممثل، وقدرته على التقمص، إلا أن تذبذب أدائه كان يحيرني، فكان الأداء يتذبذب أحياناً بين لقطة ولقطة، بالذات في أفلامه الأخيرة ولكن هذا لم يدفعني للشك في قدراته، بقدر ما دفعني للبحث عن سبب هذا التذبذب، ووجدت بأن السبب الأبرز هو عدم تركيز مصطفى شعبان على قدراته العضلية، وأعني بذلك عضلات الوجه، حيث لا تتطلب أفلام الحركة هذا التركيز إلا في مشاهد قليلة، وإن كانت هذه المشاهد رومانسية كما في حالة أفلام مصطفى شعبان الأخيرة، يظهر هذا الفارق في الأداء إذا لم يتنبه الممثل ولم يركز على عضلات وجهه وفكه، ويكون هذا التركيز بإعادة التدريب، وإعادة حفظ حركات الوجه وانقباضات عضلاته.

الاختيار.. والمتوفر

مصطفى شعبان واحمد السقا من فيلم مافيا
يبقى جانب اختيار الأدوار، والذي لم يكن موفقاً برأيي في أفلام مصطفى شعبان الأخيرة، تحديداً في كود 36، وللأسف الشديد لا يمكن لوم مصطفى شعبان كثيراً في هذا الجانب، فممثل بقدرة مصطفى شعبان على أداء شخصيات مركبة يحتاج إلى شخصيات مركبة مكتوبة بشكل جيد ليقوم بأدائها، في أفلام يضمن لها نسبة مشاهدة معقولة على أقل تقدير، وهو ما لا يتوفر عربياً للأسف، فممثل مثل جاك نيكلسون مثلاً، أو أنتوني هوبكينز، ممن يفضلون بل ويختصون بأداء أدوار شخصيات مركبة، يجدون الكثير من هذه الأدوار، بنسب مشاهدة عالية نسبياً، حتى أنها تكتب لهم خصيصاً، ويحتفى بهم بالكثير من الجوائز، أما كتابة الأفلام العربية عموماً فتكون مسطحة في كثير من الأحيان عند تناول الشخصيات، مع استثناءات لكتاب سيناريو قلائل، من أبرزهم في هذا الجانب تامر حبيب، ومحمد حفظي، ووائل فضل.

يبقى مصطفى شعبان من أبرز الممثلين العرب الشباب أداء، وأكثرهم موهبة، وقدرة على تشخيص مختلف الأدوار، سواء في أفلام الحركة أو الرومانسية أو حتى الكوميديا، أيضاً وبالذات في الأفلام ذات الأفكار الجادة والعميقة والجريئة، والتي تحتوي شخصيات جديدة ومختلفة ومركبة، شريطة أن يركز كيلا يفلت منه الأداء في أي لقطة، ويدرك بأنه لم يلمع كممثل في الأفلام التي قام ببطولتها بعد quot;مافياquot; كما لمع في quot;مافياquot; والأفلام التي سبقته، قد يكون لضغط نجومية الشباك والبطولة المطلقة دورها، ولكن مصطفى شعبان ما زال يرسم تاريخه السينمائي، ويمكنه أن يقدم الكثير في السنوات القادمة من خلال ما في جعبته من موهبة.


* شاعر ومخرج أردني