محمود عبد الرحيم من القاهرة:تزامنا مع احتفالات الاسرائيليين بالذكرى الستين لقيام دولتهم، وتذكر العرب لضياع فلسطين او بالاحرى، نكبتهم التاريخية، عرضت المخرجة عرب لطفي فيلمها الجديد quot; على اجسادهم.. مذبحة الطنطورة quot; بمقر مركز الثقافة السينمائية بالقاهرة، وسط حضور لافت من النقاد والصحفيين والمهتمين بالشأن الفلسطيني.ويبدو ان اختيارها هذا التوقيت، لاطلاق فيلمها التسجيلي الجديد، كان مقصودا وجيدا للغاية، غير ان التجربة نفسها جاءت اقل جودة، رغم الجهد المبذول في تجميع المادة الارشيفية، وفي اجراء لقاءات مصورة داخل الارض المحتلة او في مخيمات اللاجئيين بالاردن وسوريا، بل في اختيار حدث او بالاحرى مذبحة لم يسمع عنها كثيرون من قبل، رغم انها واكبت نكبة فلسطين فى العام 1948.
منطقة الطنطورة كما تبدو من الجو |
ومشكلة الفيلم الرئيسة يمكن تلخيصها في ارتباك البناء الفني للعمل، وربما يرجع ذلك لاسباب عدة اهمها غياب تصور واضح للمعالجة الفكرية والسينمائية لحدث تاريخي تبتغي من ورائه التعريف بمجزرة منسية وتوثيق جريمة بشعة من ضمن الاف الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، فضلا عن انعاش ذاكرة الجيل الجديد من الشعب العربي
والتأثير في الرأي العام العالمي، من خلال توضيح حقائق تبدو مشوشة عن ماهية الكيان الصهيوني وتاريخه العنصري الدموي.
فالمخرجة في غمرة انبهارها بجمال الطنطورة، حاليا، وباللقطات التى اخذت لبحرها وحدائقها وصحرائها، خرجت عن الخط الفني الرئيس والجو النفسي الذي وضعت المشاهد فيه من البداية، بل من تتر الفيلم المعنى بحدث ماضوي وليس آني، حدث عن مذبحة، وليس عن حاضر مكان او ذكريات بعض المشاركين في الفيلم عن المكان واسماكه وبطيخه وزهوره والسباحة الرائعة في مياهه واللعب على رماله الساخنة، وكأننا امام فيلم داخل فيلم يروج للسياحة في هذه البقعة الساحلية من ارض فلسطين.
ثم ان المخرجة، على ما يبدو، ادخلت المجاملات في حسابها، ما اضر بقوة الفيلم واعطى انطباعا سلبيا، بترك مساحة لا بأس بها لباحثين ينتمون الي مركز دراسات اللاجئين ( الممول الرئيسي للفيلم ) ليتحدثوا بشكل تنظيري عن الكيان الصهيوني والازمة الديمغرافية التي بدأ يعاني منها ويخافها، بل والتعليق على مداخلات متحدث اخر اسرائيلي لم يضف هو الاخر جديدا، وكأننا في مناظرة تليفزيونية او في برنامج سياسي وليس فيلما وثائقيا يسجل لوقائع حية ويجمع شهادات من لسان من عايشوا المجزرة او نالهم منها ما نالهم.
حتى الاشخاص الذين اتت بهم ليدلوا بشهاداتهم الحية، بدوا غير معنيين بالامر ورغم انها استعانت بما يقارب 20 شخصا، الا ان شهاداتهم جاءت باردة مكررة، ونادرا ما كنا نتوقف معهم عند تفاصيل خاصة او تعبير نستشعر فيه الصدق والتأثر، وكأننا امام ممثلين فاشلين، وليسوا اشخاصا تعرضوا لمذبحة كفيلة بان تظل كوابيسها تطاردهم في منامهم وصحوهم حتى الموت.
كما انها حافظت معظم الوقت على ان تجمع الرواة في مجموعة واحدة داخل منزل احدهم، ربما استسهالا او توفيرا للوقت والجهد، ما زاد من الاحساس بالمسافة بين الرواة والحدث، الامر الذي انتقل الي المشاهدين، فضلا عن محافظة المخرجة معظم الوقت على اللقطات المتوسطة الحجم دون quot; الكلوز اب quot;، ما افقد المشهد الحميمة ووابعدنا عن التقاط لحظات التأثر والمشاعر التي ينتظرها المشاهد ممن يروي مآساة بهذا الحجم المروع.
فلسطينيون اثناء نزوحهم من فلسطين في عام 1948 |
غير ان المخرجة ومعها المونتير كانا يهملان توظيف هذه العناصر الفنية، وهذه السميترية او يعجزان عن توظيفها كثيرا، بترك الرواة والباحثون يثرثون، وبدل من القطع عليهم تتركهم يسلمون خيط الحديث من شخص لاخر، دون استراحة او نقلة تعمق الرواية او توضحها، وتخرج المشاهد من جو البرنامج التليفزيوني الي لغة السينما. وربما يعود ذلك لكثرة الرواة وعدم القدرة على ايجاد مساحة لتسكين مشاركتهم.
كما ان المادة الارشيفية نفسها كانت محدودة وجرى تكرارها، وبدت قليلة الحدة وتأثيراتها ليست من القوة بمكان لتكشف مدى بشاعة الاحتلال الصهيوني ودمويته، وهو ما قاد الي ابطاء الايقاع الذي بدأ سريعا وموفقا وتحول الى البطء والملل.
وما نخلص به عقب مشاهدة هذا الفيلم المهم في توقيته والجيد في موضوعه وكذلك موسيقاه المعبرة بقوة، هو اننا امام مادة خامة جيدة تصلح حال اعادة المونتاج لصنع فيلم جيد ومؤثر ومكثف، يصلح ان يحمل صفة الفيلم الوثائقي او التسجيلي، ويبعدنا عن الملل ويختصر مدة العرض الذي تقترب من الساعتين بلا مبرر موضوعي او فني.
فالعبرة ليست بالمساحة، او بعدد المشاركين، والبلاغة، كما هو معروف، في الايجاز، وليس بالثرثرة واضاعة الرسالة والتشويش عليها في زحمة تفاصيل تضر ولا تفيد، فى الفن بشكل عام والسينما على وجه التحديد.
التعليقات