محمد موسى من دبي:تختلف قصة المخرج العراقي عماد علي وإخراجه لفيلمه عن قصص زملائه المخرجين العرب والاجانب المشتركين، قصته تختلف ايضا عن قصص زملائه المخرجين العراقيين والذين انجزوا افلامهم الطويلة والقصيرة في العراق.عماد علي كاد يفقد حياته مرتين في حادثتين مروعتين حدثتا له اثناء تصويره فيلمه القصير quot;شمعة لمقهى الشهبندرquot; في بغداد في السنتين الماضيتين، وهما زمن إنجاز الفيلم الذي تعطل كثيرا، بسبب الاصابات الجسيمة التي اصابت المخرج والتي لازال يعانيها الى اليوم وقد تعرضه الى الاعاقة الدائمة اذا لم يسارع الى اجراء عمليات جراحية كبيرة متعددة يفتقد العراق الآن الى الامكانيات لاجرائها.ولا يملك هو نفسه الامكانيات المادية على اجرائها في خارج العراق.

من فيلم شمعة لمقهى الشهبندر

القصة بدأت قبل اكثر من عامين، عندما شارك عماد علي مع مجموعة من العراقيين الآخرين في احدى الدورات التي يشرف عليها المخرجان العراقيان قاسمعبد وميسون الباجه جي.هذه الدورات هي جزء من مشروع فردي متعثر بدأ تحت عنوان quot;كلية بغداد المستقلة للسينما والتلفزيونquot;، وفيه يقدم المخرجان دورات قصيرة عن كيفية صناعة الافلام، والجوانب الفنية التي تحيط بذلك.بعد الدورة بدأ عماد العمل على فيلمه القصير الذي اختار له موضوعه واحدا من اقدم المقاهي البغدادية الشهيرة وهو مقهى الشهبندر.
بعد اشهر من التصوير في المقهى الذي يقع في وسط بغداد،والتي تصنف من المناطق الخطرة كثيرا، تعرض بيت المخرج الى اطلاقات لقذائف الهاون، الحريق الذي سببته القذائف ادى الى مقتل والد وزوجة المخرج و اتلف كل الموجودات في البيت بما فيها بعض المواد الخام من فيلم المخرج العراقي.بعد فترة من التوقف، عاد المخرج الى العمل، رغم الاصابات التي لحقت به ورغم حزنه على الخسارة العائلية بفقدان والده وزوجته.

بعد الانفجار الإرهابي الذي اصاب شارع المتنبي الشهير في بغداد ومقتل وجرح المئات من رواد الشارع من المثقفين وباعة الكتب، رغب عماد علي في توثيق الدمار الذي حدث للمقهى القريب من الشارع، كذلك تسجيل بعض الشهادات لعدد من المثقفين العراقيين الذين تحدثوا عن الشارع وعما يعنيه لهم ولمدينتهم. بعد اسابيع من حادث شارع المتنبي تعرض المخرج الى الحادث الثاني، ففي احد ايام تصويره هناك، أوقفته مجموعة من المسلحين، وعندما رغب في الفرار منها تعرض الى اطلاقات نارية اصابت ركبته، بعد ذلك توجه المسلحون الى الجسد الملقى على الارض ليطلقوا مجموعة عيارات نارية اصابت المخرج اصابات متعددة.

بعد اشهر من المكوث في المستشفيات في بغداد، عاد عماد الى فيلمه، الذي انجزه بالنهاية، ليشارك به ولاول مرة في مهرجان الخليج السينمائي.في الفيلم يقدم عماد بوتريت مؤثر عن المقهى التاريخي الشهير، الذي شهد بعضا من اهم احداث مدينة بغداد والعراق خلال التسعين سنة الماضية من عمر المقهى. بعد انفجار شارع المتنبي، اتجه الفيلم الى توثيق الدمار الذي لحق بالشارع، والى تسجيل شهادات عاطفية لمثقفين عراقيين مفجوعين بخراب الشارع. الفيلم سجل ايضا فقدان صاحب المقهى لاولاد واحفاد في ذلك الانفجار. المخرج سجل ايضا تجربته الشخصية اثناء تصوير الفيلم، والحوادث التي حصلت. في احد مشاهد الفيلم يمسك المخرج بصورتين نصف محروقتين لوالده وزوجته اللذين قتلا في الحريق الذي لحق بالبيت. الصورتان هما كل ما بقي من حياته السابقة. هناك مشهد طويل معبر آخر، وفيه يحدق المخرج الى الكاميرا من سرير مستشفى الحادثة الثانية.
على الرغم من الاهتمام الاعلامي والانساني الذي يلقاه المخرج هنا في دبي ورغبة زملائه من المخرجين العراقيين والعرب في التخفيف عنه، الا ان هناك حزنا لا يخفى يحيط بالمخرج، يجعله يقف وحده كثيرا بعكازتيه المعدنيتين ونظرة شاردة بعيدة شديدة الحزن وامنيات كبيرة بالعودة الى العمل بعد العلاج الذي مازال يبحث عمن يساعده فيه.