محمد الامين من أمستردام: المخرج محسن مخملبافإن انفتاح السينما الإيرانيَّة على قضايا تتطرق الى جوانب إنسانيَّة في حياة الآخر غير الإيراني ليس بالأمر الجديد. وقد ركز مخرجون كثر على الجوانب الإنسانيَّة في حياة الآخر، وبرز ذلك في أعمال سينمائيَّة متعددة مثل quot;السفر الى قندهارquot; لمحسن مخملباف، وquot;أ. ب. ث افريقياquot; لعباس كيارستمي وquot;المرثية الضائعةquot; عن اللاجئين البولنديين في إيران لخسرو سينائي، وquot;القنابل البرتقاليةquot; للمخرج ماجد نيسي وquot;بين السُحبquot; للمخرج روح الله حجازي.
ومما لا شك فيه أنَّ قضايا اللاجئين الافغان والعراقيين المقيمين في ايران كانت ولاتزال أحد ابرز المواضيع التي تدور حولها الافلام الروائية والوثائقية. وأخرج محمد رضا عرب الإيراني فيلم quot;آخر ملكة على الأرضquot; الذي يعدّ أحد أحدث الأفلام التي تناولت حياة اللاجئين الافغان في ايران. اما فيلم quot;80/82quot; للمخرج العراقي المقيم في هولندا حميد حداد، فيعد أول فيلم وثائقي يتمحور حول قضايا اللاجئين العراقيين في ايران.

quot;آخر ملكة على الأرضquot; أوديسة أفغانية معاصرة
يمكن اعتبار فيلم quot;آخر ملكة على الأرضquot; الحائز على الجائزة الذهبية في مهرجان فارنا 2009 أوديسة أفغانية معاصرة بطلها لاجئ أفغاني quot;علي بخشquot; يقيم في ايران ويعمل في مهنشاقةلإعالة أسرته في افغانستان، تزامنا مع التهديد الأميركي بشن الحرب على نظام طالبان، يصمم quot;علي بخشquot; على العودة الى بلاده على أمل العثور على زوجته التي انقطعت اخبارها عنه. والفيلم يتناول شخصية مهاجر افغاني في رحلة عكسية من المهجر الى مسقط الرأس في فترة حرجة منبوستر فيلم آخر ملكة على الأرضتاريخ افغانستان وينمي المسار الدرامي من خبرته الحياتية في تقييم الأحداث والتعامل معها بحذر كبير يضمن له البقاء على قيد الحياة والمضي قدما في البحث عن زوجته، قد يبدو مشهد علي بخش وهو يتلقى صفعة وتوبيخا عنيفين من قبل قائد ميداني من قادة طالبان بسبب عدم إطلاق لحيته من كليشيهات الأفلام التي تسعى الى تصوير اقتحام المجال الشخصي الخاص من قبل الحركات الدينية المتشددة، لكن ما له أهمية في هذا الفيلم هو المشاهد التي تعكس التصادم بين البطل وواقع يلغي، بصلابته وقسوته، تلقائية وعفوية الأشخاص.
ضمن المسار الدرامي تتحول رحلة البطل في البحث عن زوجته الى رحلة استكشاف ذاته، أو كينونته وتحولاتها بتواز مع تأثيرات مظاهر الخراب والدمار في الأماكن التي مر بها على نفسيته. إذ تقدم الكاميرا، بذكاء، تكوينات بصرية أخاذة لمشاهد خلابة من الطبيعة سرعان ما تتبدد بقصف واطلاق نار وحرائق تفقد هذه المناظر عذريتها وتربك براءة البطل. وتتجلى ذروة تصادمه مع الواقع لحظة وصوله الى زوجته التي يجدها جثة بلاحراك، ما يطرح تساؤلا حول ما حققته رحلة البطل الذي لم يجد زوجته حيّة كما كان يأمل، بل وجد نفسه وقد تنامى وعيه واستعاد علاقته بالمكان وأدى مهمته الانسانية والأخلاقية.

فيلم quot;80/82quot; وتوثيق جريمة تهجير العراقيين الى ايران
يقدم الفيلم رواية شهادات لضحايا جريمة هي من أفظع الجرائم التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الثمانينات من القرن الماضي أي سلسلة عملياتالتهجير quot;يطلق عليها العراقيون quot;التسفيرquot; التي نفذها النظام العراقي السابق والتي طالت أكثر من 600 الف مواطن عراقي من ذوي الأصول الفارسية والكرد الفيليين وبعض العوائل العربية الى ايران، ومع أن الجريمة موثقة من قبل الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي ومنظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية دولية أخرى، الا أنها أخذت مساراآخر بعد سقوط نظام صدام حسين، فاضافة الى تقاعس الحكومة العراقية الجديدة في ايجاد حلول حقيقية لضحايا التهجير، قامت جهات سياسية واخرى قانونية كالمحكمة الجنائية العراقية العليا بتحريف هوية الضحايا حينما ألغت العراقيين الفرس كضحايا أساسيين استهدفتهم عمليات التهجير القسري، خلافا لوثائق مؤسسات ومنظمات حقوقية دولية واخرى عراقية.
بوستر فيلم 80-82يسعى فيلم quot;80/82quot; الى اضاءة أهم المحطات التي شكلت فصول الجريمة quot;جريمة التهجيرquot;، من خلال إعطاء الفرصة لعدد من الضحايا الذين يرون معاناتهم ابتداء من اعتقالهم في السجون التابعة لأجهزة النظام ورميهم على الحدود العراقية الايرانية والظروف المريعة التي مروا بها كتعرضهم لقصف مقصود من قبل القوات العراقية ووقوعهم في حقول الألغام، ومرورا بإقامتهم في المخيمات الايرانية، كما يتطرق الضحايا الى اخفاقهم في العودة الى بلادهم بسبب رفض الحكومة العراقية اتخاذ الخطوات الصحيحة في اعادة ممتلكاتهم التي صودرت منهم من قبل النظام الدكتاتوري البائد، وقد اكتفت الحكومة الجديدة بزجهم في دوامة المراجعات القانونية والادارية مع المالكين الجدد لبيوتهم.
والفيلم في واحدة من أهم فقراته يوثق جريمة بشعة تجاهلها الاعلام والقضاء العراقي على حد سواء quot;في جلسات المحكمة الجنائية العراقية العليا، على سبيل المثالquot; اي عمليات اختطاف واغتصاب عدد من النساء والفتيات أثناء عبورهن الحدود العراقية الايرانية من قبل ميليشيات مسلحة تابعة للنظام العراقي السابق.
ويمكن تصنيف فيلم quot;80/82quot; من ضمن الأفلام الجريئة في سينما حقوق الانسان، فهو جريء في الكشف عن هوية الضحايا، وجريء في الكشف عن جريمة الخطف والاغتصاب التي رافقت جريمة التهجير، وجريء في تبيان حقيقة مهمة: العراقيون المهجرون في ايران والذي يخمّن تعداد نفوسهم حاليا بأكثر من مليون نسمة، لم يحصلوا على حقهم في العودة بسبب قصور في اداء الحكومة العراقية بمعالجة قضاياهم ورد الاعتبار اليهم باعتبارهم مواطنين عراقيين وليسوا أعداء داخليين كما شاع في الخطاب العروبي القومي.
قد يقال ههنا، وربما من منطلق الإقلال من اهمية جريمة تهجير العراقيين الى ايران، إن العراق شهد في السنوات الأربع الأخيرة عمليات تهجير طائفي شملت حوالى مليوني مواطن عراقي وهي جريمة تفوق أضعاف جريمة التهجير التي نفذها النظام العراقي السابق، ومن هذا المنظور فان جرائم التهجير الطائفي والمذهبي تحظى بالأولوية في مجال التوثيق السينمائي. الا أن هذا الاعتراض يفقد مبرراته إذا نظرنا الى جرائم التهجير الطائفي باعتبارها استمرارا لما أرسته السلطات العراقية في النظام السابق في تصفية المواطنين عبر تهجيرهم ومصادرة ممتلكاتهم واعدام ابنائهم، وبقول آخر فان جرائم التهجير المذهبي التي صدمت المجتمع الدولي برمته لم تأت من فراغ، فقد ورثت الحركات المذهبية المتطرفة تجربة السلطة الحاكمة آنذاك في ارتكاب جرائم التهجير.
شارك فيلم quot;80/82quot; في مهرجان الفيلم العربي في روتردام بدورته التاسعة لعام 2009 وهو
من انتاج المؤسستين الهولنديتين quot;HAMIDIA quot; ومؤسسة IRAK DEPORTATIEquot; وتم
تصويره في العراق وايران وهولندا. ويتكون فريق التصوير من العراقي سعد جاسم الزبيدي والايراني مسعود شايان.
[email protected]