صلاح سرميني من باريس: كنت أجهزُ نفسي لقراءةٍ واحدة لفيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;من إنتاج الولايات المتحدة/ألمانيا/فرنسا عام 2009، لمُخرجه الأميركيquot;كونتان تارانتينوquot;، عندما وجدتُ بأنه يحتمل قراءاتٍ مُتعددة لجوانبه السينمائية، والمضمونية المُتقاطعة.
بوستر فيلم أوغاد شائنونخاصةً وأنه يكشف عن تأثيراتٍ، استيحاءات، واستعاراتٍ من مرجعياتٍ فيلمية واضحة، وأخرى مُضمرة، لا يخجلquot;تارانتنيوquot; منها، ولا يخفيها، بل يُفاخر بها، ويتعمّد الإشارة إليها علناً داخل الفيلم نفسه (كما حال العنوان الفرعيّ الذي يستهلّ به الفصل الأول : حدثَ ذات مرةٍ في الريف الفرنسي المُحتل، والذي يُعيدنا إلى عناوين مشابهة تخيّرها المخرج الإيطالي quot;سيرجيو ليونيquot; لأفلامه، أو أطلقها المُوزعون المحليون عليها، وربما استوحاها quot;تارانتينوquot; من العنوان الفرنسي للفيلم الأميركي (Quelque part en France/ Reunion in France/في مكانٍ ما من فرنسا) المُنتج عام 1942 للمخرج quot;جول داسانquot;).
أو يترك للمُتفرج الفضولي اكتشاف مصادرها الأصلية بنفسه، مُستعيناً بثقافته السينمائية، وهي غالباً أفلامًا، إذّ يُخيّل لي، بأنّ quot;تارانتينوquot; يكتب سيناريوهات أفلامه، وكأنه يُنجز بحثًا أكاديميًا، وبدل قراءة الكتب (وهو يفعل ذلك بالتأكيد)، فإنه يشاهد أفلامًا كثيرة تتشابه في مواضيعها مع مشروعه، يُدقق فيها، يستوعب، ويُخزن في ذاكرته تفاصيل دقيقة، وعامة من لقطاتها، مشاهدها، حواراتها، شخصياتها، موسيقاها، وحتى مُلصقاتها،... ولا يجد حرجاً من اختطافها، إعادة تدويرها، وتوظيفها سينمائياً، أو مضمونيّاً بطريقةٍ مُشابهة، أو مختلفة في سياقاتٍ إبداعية جديدة، فعالة، ومُؤثرة تُرضي نزواته الإبداعية، كما الجمهور المُتعدد الأذواق، بدون إمكانية اتهامه بالاقتباس، الانتحال، النقل، أو النسخ.
وهكذا، تتحوّل أفلامه إلى فضاءٍ سينمائي خصبٍ للتنقيب عن مرجعياتها، والبحث عن أوجه الاختلاف، والتشابه مع سينما الأمس في مواجهةٍ سينما اليوم.
يجمع quot;تارانتينوquot; أحداث فيلمه quot;أولا زنا بلا مجدquot; في خمسة فصولٍ يستهلها بعناوين فرعية دالة (تقنيةٌ مسرحيةٌ، وروائيةٌ استخدمتها السينما الصامتة) تمنحه حريةً في انتقالاته الزمنية، والمكانية، ومتعة في التلاعب بأحداثها، والمُتفرج معاً، وبالآن ذاته، تُضفي على عمله quot;مُسحةً تغريبيةًquot;، وquot;طرافةً سينمائيةquot; تخصّه، تُعززها رغبةُ في التأكيد على حضوره الطاغي كسينمائيّ مُؤلف، لا يتورّع عن استخدام الراوي(Samuel L. Jackson) من وقتٍ إلى آخر عندما يعتقد بأنّ الموقف يتطلب الشرح، والتفسير، وإبداء وجهات نظره أحياناً، تماماً كما فعل السينمائيّون في زمن السينما الصامتة، عندما استعانوا بلوحاتٍ مكتوبة تظهر على الشاشة بشكلٍ منهجيّ.
ومشاهدتي الجديدة للفيلم الأميركيّ الصامت Intolerance : Love's Struggle Throughout the Ages (تعصّب: حب النضال عبر العصور) من إنتاج عام 1916، وإخراج الأميركي quot;دافيد وارك غريفيثquot; لفتت انتباهي من جديدٍ إلى تلك الاستخدامات الدرامية الشائعة وقتذاك، والتي حوّلها quot;تارانتينوquot; إلى مُفرداتٍ جمالية quot;ما بعد حداثيةquot;.
quot;أولاد زنا بلا مجدquot; إذاً ليس أكثر من حكايةٍ quot;حدثت ذات مرةٍ في الريف الفرنسي فترة الاحتلال النازيّquot; مُستوحاة من التاريخ بأحداثها، وشخوصها الحقيقية، والمُتخيلة.
ومن هذا المُنطلق، يُعتبرquot;تارانتينوquot; حكواتياً مُعاصراً، يحكي حكايته، مُضيفاً إليها أجزاء من حكايات الآخرين، مُدركاً جوهر السينما المُرتكز على التصنّع، والخيال، تاركاً (مجاناً) فكرة quot;السينما مرآة، وانعكاس للواقعquot; لمن يريد الفرجة على أفلامٍ تشبهه (ولحسن الحظ بأنّ السينما لا تشبهنا).

حدث ذات مرة ثورة
وبالعودة إلى بعض أفلام الكاوبوي، سوف تقودنا إلى تفاصيل بصرية، وصوتية مُثيرة، ومُدهشة لا يمكن إغفالها عند الإشارة إلى الفصل الأول من فيلمquot; أولاد زنا بلا مجدquot;.بوستر فيلم حدث ذات مرة
في بداية فيلم quot;حدثَ ذات مرة ثورةquot;من إنتاج عام 1971، وإخراج الإيطالي quot;سيرجيو ليونيquot;، والذي تدور أحداثه في المكسيك عام 1913.
quot;خوان ميرانداquot; (رود ستايغر) فقيرٌ، حافي القدمين، وسخ الثياب، يستخدم مهاراته الاحتيالية لإقناع حوذي عربة السفر كي يُوصله إلى quot;سان فيليبّوquot;، وعندما يصعد، يجد نفسه في مقصورةٍ فاخرة يسترخي فيها بعض الأثرياء، ومنذ تلك اللحظة، يصبح quot;خوانquot; موضوعاً للتهكم، والسخرية منه، ومن كلّ الفقراء quot;الحيوانات، الأشرار الذين يعيشون مزدحمين في غرفٍ ضيقة، يتكدّس الرجال، والنساء معاً مثل جرذانٍ في المجاري، وفي الليل يقفزون فوق بعضهم، لا تعرف من سوف يقع الدور عليه، الأم، الابنة، العنزة،..كلّ البلدان تُعاني من طاعونٍ خاصّ بها، مثل الزنوج الذين يعيشون عندنا ـ الولايات المُتحدة ـ ،...).
يقدمquot;سيرجيو ليونيquot; هؤلاء متوحشون يتلذذون بالتهام ضحيتهم quot;خوانquot; الذي لم يعد يرى غير لقطاتٍ كبيرة جداً لأفواههم تمضغ الطعام بنهم، ولم يعد يسمع غير قرقعة الملاعق، والسكاكين، واصطدامها بأسنانهم، والأطباق فوق الطاولات، هذا الكمّ من السلوك البشريّ الشائن يجعلنا نستغرب صبر quot;خوانquot;، وسكوته، قبل أن يتحوّل الموقف إلى مسارٍ دراميّ آخر، ونفهم بأنه زعيم عصابة نصب لهم فخاً بهدف الاستيلاء على مُمتلكاتهم، والانتقام منهم على طريقته الخاصة.
وإضافة إلى موسيقى quot;إنيّو موريكونيquot;، التي استعان بها quot;تارانتينوquot; في quot; أولاد زنا بلا مجدquot;، سوف نتذكر على الفور كيف كان العقيد quot;هانز لانداquot;(كريستوف والتز) يحتسي كأس الحليب الذي طلبه من المُزارع السيد quot;لاباديتquot;(دوني مينوشيه)، عندما كان يستدرجه ليكشف له عن مخبأ العائلة اليهودية، وفي طريقته اللطيفة، والحاسمة، يُشبّه اليهود بالجرذان الخطيرة التي تنشر القذارة، والأمراض.
بعد سنواتٍ، وفي مشهدٍ لاحق، عندما يلتقي العقيد quot;هانز لانداquot; مع quot;شوشاناquot;(ميلاني لوران)( الناجية الوحيدة من أفراد عائلتها، والتي أصبحت quot;إيمانويلquot;) في أحد المطاعم الفاخرة لمُناقشة بعض تفاصيل تخصّ العرض النازيّ الأول لفيلم quot;فخر الأمةquot; في الصالة التي تمتلكها، فإنّ المُثير في ذلك المشهد، ليس فقط حواراته الخبيثة، والمُبطنة، ولكن، طريقة التهامه لقطعة الحلوى مع الكريمة البيضاء، وقرقعة الشوكة، والسكين في الطبق أمامه، وينتهي المشهد بغرس عقب سيجارته في بقاياها.
وبعد أن حصل quot;خوانquot;، وعصابته على غنائمهم، يقدم سيناريو quot;حدث ذات مرة ثورةquot; شخصيةً أخرى، quot;جون مالوريquot; (جيمس كوبورن) من الجيش الجمهوري الإيرلندي، المُسافر بدوره على دراجته النارية، وكي يردع quot;خوانquot; عن تصويب مسدسه نحوه، يكشف له عن المُتفجرات التي المُخبئة تحت معطفه الطويل العريض، والمواد السائلة المرتبة بعناية في حقيبته.
في تلك اللحظة، تنطلق موسيقىquot; إنيّو موريكونيquot;، وتقترب الكاميرا من وجه quot;خوانquot; حتى لقطة قريبة، ومن ثم quot;جونquot; محافظةً معه على لقطةٍ عامة، وللتعبير عما يخطر في بال quot;خوانquot;، وعلى طريقة المجلات المُصورة، يظهر على الشاشة فوق رأس quot;جونquot; بالتحديد يافطة مكتوب عليها quot;البنك الوطني لمدينة ميسا فيرديquot; كي تُذكرنا بالعناوين الفرعية، واللوحات المكتوبة في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، وأيضاً بحفل العرض الأول لفيلم quot;فخر الأمةquot;، إذّ حالما تدخل القاعة بعض الشخصيات الألمانية، يتعمّد quot;تارانتينوquot; ظهور أسمائهم على الشاشة مباشرةً، وسهماً يشير إليهم بطريقة نفسها الكثير من الأفلام التجريبية التي تستعين بشرائط قديمة، ومُهملة، يُعيد السينمائي استخدامها بالعمل مباشرةً على الشريط الحساس، السالب، أو المُوجب، وكتابة كلماتٍ، ونقش إشاراتٍ، وخربشة رسوماتٍ تُشوّه، أو تُزيل الصور الأصلية، وتمنحها معانٍ جمالية جديدة( أقترح مُشاهدة أعمال السينمائية الفرنسية quot;فريديريك دوفوquot; كنموذج لما يُسمى بالسينما الحروفية).

أكون، أو لا أكون
ويُعتبر الفيلم الأميركيquot;أكون، أو لا أكونquot;(العنوان الفرنسيquot;لعبةٌ خطرةquot;) من إنتاج عام 1942 للمخرج الأميركي، الألماني الأصل quot;إرنست لوبيتشquot; واحداً من المرجعيّات الأساسية لفيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، ولا يُمكن للعين المُدرّبة إغفاله.
بوستر فيلم لعبة خطرةتدور أحداثه في وارسو عاصمة بولونيا صيف عام 1939، كانت أوروبا وقتذاك في حالة سلم، ولكن، يظهر في وسط المدينة quot;أدولف هتلرquot; ـ بلحمه، وشحمه ـ وسط جموع المارة المُندهشين إلى حدّ الهلع.
ولفهم تلك الواقعة الغريبة، يسترجع السيناريو حدثاً سابقاً، ونفهم بأنّ المُمثلquot;برونسكيquot;( Tom Dugan) أراد أن يُثبت للمخرج/المؤلف المسرحي (في الفيلم)، بأنه يشبه quot;هتلرquot; تماماً، ويمكن أن يستعين به لأداء الدور في مسرحيته.
تندلع الحرب فجأة بدون إعلانٍ رسميّ مُسبق، وتزحف الجيوش النازية نحو بولونيا، ويصبح تقديم مسرحيةٍ عن quot;هتلرquot; أمراً مستحيلاً، وتتعرّض حياة الممثلين للخطر.
ومن أجل الخطة التمثيلية المُصطنعة لاغتيال البروفسور(Alexander Siletsky) العميل للجيش النازي، يدعوه أعضاء الفرقة إلى المسرح بعد أن حولوا ديكوراته إلى مقرٍ للجستابو، ويستقبله الممثل المشهورquot;جوزيف توراquot; (Jack Benny) مُتنكراً في شخصية العقيد النازي quot;إيرهارتquot;، وفي ذلك اللقاء يقول له مازحاً :
ـ أنت مشهورٌ في لندن أيها العقيد، هناك يُسمونك quot;معسكر الإبادة إيرهارتquot;.
(في فيلم quot; أولاد زنا بلا مجدquot; يُسمّون العقيد quot;هانز لانداquot; بـquot;صياد اليهودquot;، بينما يُطلقون اسم quot;الدب اليهوديquot; على الرقيبquot;Donny Donowitz quot;(Eli Roth)، ويُسمون الجنديquot; سميتسونquot;(B.J. Novak) quot;الرجل القصيرquot;، وكلها تسميات تمتلك مرجعياتها الدرامية في أفلام الكاوبوي، وخاصةً quot;صياد الجوائزquot; في فيلم quot;من أجل حفنةٍ أخرى من الدولاراتquot; لمُخرجه quot;سيرجيو ليونيquot;).
وبعد أن يعرف أعضاء الفرقة المسرحية بأنّ جيش الاحتلال سوف يُنظم حفلةً في أحد المسارح بحضور زعيمهم quot;هتلرquot;، يجهزون خطة تمثيلية أخرى للدخول إلى قاعة المسرح متنكرين في ملابس ضباط ألمان، وعلى رأسهم quot;هتلرquot; نفسه (المُمثل quot;برونسكيquot;) الذي ظهر في بداية الفيلم.
وهل أحتاج هنا إلى التذكير بالعملية الانتحارية المُزدوجة التي حدثت في صالة السينما التي تمتلكها quot;شوشانا/إيمانويلquot;، واختراق حفل العرض الأول لفيلم quot;فجر الأمةquot; من طرف بعض quot;أولاد الزناquot; بصفتهم فريق تصوير إيطالي، وأصدقاء للمُمثلة الألمانية quot;بريدجت فون هاميرسماركquot;(ديان كروغور)، ولكن، حالما يكتشف العقيد quot;هانز لانداquot; أمرهم عن طريق اللغة الإيطالية البائسة التي يتحدثون بها(وهو الذي ينتقل براحةٍ من لغةٍ إلى أخرى).
كان فيلم quot;أكون، أو لا أكونquot; بالأبيض، والأسود، ومع ذلك عثرتُ على بعض ملصقاته الإعلانية المُلونة، تظهر فيها بوضوح quot;Carole Lombardquot; التي أدت دور الممثلة quot;ماريا توراquot; ترتدي فستاناً أحمر(يتوافق مع لون العلم النازيّ)، ويا للصدفة، يشبه إلى حدٍ بعيدٍ ذلك الذي ارتدته quot;شوشانا/إيمانويلquot; في الفصل الخامس من فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، وبالتحديد في ليلة العرض الأول لفيلم quot;فخر الأمةquot;.
في فيلم quot;أكونquot; أو لا أكونquot; لم يُنفذ أعضاء الفرقة المسرحية عملاً انتحارياً، ولم يُفجروا المسرح بمن فيه، ولكنهم خدعوا جيش الاحتلال، وأقنعوهم بأن المقاومة دبرت خطةً لتفجير المسرح، وهكذا تمكنوا من الهرب إلى quot;اسكوتلندةquot; بنفس طائرة quot;هتلرquot; التي كان من المُفترض بأن تُعيده، وحاشيته العسكرية إلى موطنه .
ولكن quot;تارانتينوquot; (الخاطف الأكبر في التاريخ السينمائي) لا يقف عند حدّ اكتشاف خديعة الملازم أول quot;ألدوquot;، ورفاقه الأربعة، بل يذهب بعيداً، ويُنفذ العملية الانتحارية كما خططت لها quot;شوشانا/إيمانويلquot;، ورفيقها quot;باسكالquot; الفرنسيّ من أصولٍ أفريقية، وكما تصورها quot;تارانتينوquot; في سيناريو الفيلم المُستوحاة بدورها من مرجعياتٍ فيلمية أخرى(مدافع نافارون، ودستة أشرار).

دستة أشرار
الفيلم الأميركي The Dirty Dozen (دستة أشرار) من إنتاج عام 1967 لمُخرجه quot;روبيرت ألدريتشquot;، هو أيضاً واحدٌ من المرجعيات الأساسية لفيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;. بوستر فيلم دستة أشرار
خلال الحرب العالمية الثانية، يُوكل إلى أحد القادة العسكريين جون رايسمان(لي مارفين) اختيار دستةٍ من المساجين المحكوم عليهم بالإعدام، السجن المُؤبد، أو لفتراتٍ طويلة مع الأشغال الشاقة، وذلك بهدف تدريبهم، وإرسالهم إلى فرنسا المُحتلة للقضاء على مجموعةٍ من الضباط الألمان المُجتمعين في أحد القصور، والتسريع بإنهاء الإحتلال.
وإلى جانب التشابه الواضح بين تيمة كلٍ من quot;دستة أشرارquot;، quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، وquot;مدافع نافارونquot;، تتقاطع الأحداث في المشاهد الختامية من الأفلام الثلاثة، وحال هبوط quot;الأشرارquot; بمظلاتهم بالقرب من القصر، يبدأ التشابه مع الفصل الخامس من فيلم quot;أولا الزنا بلا مجدquot; .
في الوقت الذي تمركز أفراد الفرقة الانتحارية في أماكن مختلفة، يدخل آخرون إلى القصر مُتنكرين في ملابس عسكرية ألمانية، ويصبح العائق اللغويّ مصدرا أساسياً للشكوك بهم، وعندما تنطلق العملية، وينتشر الذعر، يتجمّع الضباط الألمان، وضيوفهم في ملجأ القصر، وتُغلق الأبواب عليهم، تماماً كما فعل quot;باسكالquot; عندما أوصد أبواب صالة السينما في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، ومن سطح القصر يلقي أفراد المجموعة القنابل اليدوية في فتحات التهوية (المُتفجرات المُخبئة في ساقيّ اثنين من quot;أولاد الزناquot; في فيلم quot;تارنتينوquot;)، والكاز (كومة شرائط الأفلام القابلة للاحتراق في فيلم تارانتينو)، وينفجر القصر، ويموت الكثير من جيش الاحتلال محترقين في مكان مُغلق.
في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot; يقذف عامل مقصورة العرض quot;باسكالquot;( Jacky Ido) الأفريقيّ سيجارته، فتشتعل شرائط الأفلام، وفي quot;دستة أشرارquot;، فإن quot;روبريرت جيفرسونquot; (جيم براون) الأميركي من أصولٍ أفريقية هو الذي يُطلق الشرارة الأولى.
وكما المُلازم أول quot;ألدو راينquot;، والجندي quot;سميتسون أولتفيتشquot; بقيا على قيد الحياة، يعود قائد الأشرار/الأبطال الميجور quot;رايسمانquot;(لي مارفين)، وواحدٌ فقط هو quot;جوزيف فالديسلافquot;(شارلز برونسون) إلى موطنهما سالميّن.

مدافع نافارون
وفي الفيلم الإنكليزي/الأميركي The Guns of Navarone (مدافع نافارون) من إنتاج عام 1961، وإخراج J. Lee Thompson سوف نعثر على مصادر استيحاء إضافية.
تدور الأحداث في عام 1943 حيث قوات المُحور تُسيطر على بحر إيجه مما يجعل إجلاء ألفيّ جندي بريطاني من جزيرة quot;كيروسquot; مستحيلاً، ويبقى مضيق quot;نافارونquot; المخرج الوحيد لهم، وفي هذه الحالة يتحتم تحيّيد نيران مدفعينّ عملاقين يحرسانه، ويبقى الحلّ الوحيد عمليةً انتحارية لتفجير الموقع.
هناك أكثر من مشهدٍ يُذكرنا بالعوائق، والالتباسات اللغوية التي حدثت في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;(تحقيق العقيد quot;هانز لانداquot; مع المُزارع الفرنسي السيد quot;لاباديتquot;، اللقاء بين المُمثلة الألمانيةquot; بريدجت فون هاميرسماركquot; وأعضاء المقاومة من الجيش البريطاني متنكرين في ملابس عسكرية ألمانية، تنكر الملازم أول quot;ألدو راينquot; وبعض quot;أولا الزناquot; في فريق تصوير إيطالي،...).
بوستر فيلم مدافع نافارونفي اليوم الأول من العملية، عندما تصل الفرقة إلى جزيرة quot;كاستلروسوquot;، وتجتمع في غرفةٍ للراحة لبعض الساعات قبل التوجه إلى جزيرة quot;نافارونquot;، يبحث الكولونيل quot;أندرياquot; (أنطوني كوين) عن أجهزة تنصتٍ يمكن أن تكون مخبئة في الغرفة.
وبحدسه، ودقة ملاحظته، يكتشف أحداً يُنصت على أحاديثهم من ثقب الباب، وبالقبض عليه، واستجوابه، يبدو بأنه لا يفهم الانكليزية.
العريف quot;بيكرquot; المسؤول عن الموقع العسكري، والمُشتبه بتعاونه مع الجيش الألماني يؤكد:
ـ إنه quot;نيكولايquot; الذي يعمل في المغسلة، وكان الأمر فضولاً، إنه لا يفهم الإنكليزية.
ـ إذا كان لا يفهم الإنكليزية، لماذا كان يتنصت؟
في اليوم التالي، وهم يتوجهون إلى جزيرة quot;نافارونquot; في مركبٍ عتيق كي لا يثيروا الانتباه، تُحلق فوقهم طائرة استطلاعية، ومن ثم تقترب منهم سفينة ألمانية، تتوقف بمُحاذاة مركبهم، يصعد الضابط الألماني، وجنوده إلى سطح المركب، ويطلب منهم إنزال الأشرعة، ويتصنّع أحد أفراد المهمة عدم فهم لغته، ويردّ عليه باليونانية، وقبل اكتشاف الأسلحة، والذخائر يقضي أفراد المهمة على الوحدة العسكرية الألمانية، ويُغرقون سفينتهم، وفي لقطاتٍ لاحقة، يتحدث العريف quot;فرانكلينquot; مع النقيبquot;مالوريquot; قائد المركب:
ـ غريبٌ أن يتكلم الضابط الألماني معنا بالإنكليزية، وكأنه عرف من نحن؟
ـ أنا أيضاً فكرت بهذا، أعتقد بأنه يتحتم على زميلنا العريف quot;بيكرquot; أن يشرح لنا.
مرةً أخرى، عندما يصل أفراد الفرقة إلى قمة الجرف، ويقتلون الحارس الألماني، يرنّ جرس اللاسلكي فجأةً، وتظهر مشكلة اللغة من جديد، ويبدو بأنّ النقيبquot;مالوريquot; يتحدث الألمانية، ولكن مُحدثه الألماني يتعرّف على لهجته/أو لكنته، ولا يتردد لحظةً في إطلاق جرس الإنذار.
بعد أن تصل الفرقة إلى قرية quot;مندراكوسquot; وسط الجبال بمُساعدة اليونانية quot;ماريا بيديموسquot;( Irene Papas)، وصديقتها quot;آناquot;( Gia Scala) التي سوف نكتشف فيما بعد بأنها مُتعاونة مع الاحتلال النازيّ.
في ساحة القرية، حيث يبتهج الأهالي بحفل زفاف، ينضم إليهم أفراد الفرقة للإيحاء بأنهم من الضيوف، ولكن، حالما تصل وحدة عسكرية ألمانية، وتقبض عليهم (هناك إذاً شخص ما يخبر عن أماكن وجودهم في كلّ مرة).
ويبدأ مشهد تحقيق يُذكرنا بما شاهدناه في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;:
الضابط الألماني: لا أحد منكم يرتدي زياً عسكرياً، ولذا تعتبرون جواسيس، تعلمون ما هي عقوبة التجسس، ولكن، إذا امتلك أحدكم الشجاعة وأخبرني أين المواد المتفجرة، فأنا أعدكم بأنه لن ينجو بحياته فقط، بل سوف ينقذ حياة جميع أصدقائه، هذه فرصتكم الوحيدة، وأنصحكم بأن لا تفوتوها.
يخرج العقيد quot;أندرياquot; من صف المجموعة، ويتوّسل الضابط الألماني بإخلاء سبيله، لأنه ليس جاسوساً، وإنما صياداً قتل هؤلاء ملاحيه، وسرقوا مركبه، وأخذوه أسيراً.
يتفحص الضابط الألماني صوراً بين يديه، ومنها واحدة لـ quot;أندرياquot; في زيّ عسكريّ.
الضابط الألماني: أين تعلمتَ اللغة الإنكليزية يا صياد؟
أندريا : في قبرص سيدي، أقسم لك، هذه هي الحقيقة.
الضابط الألماني: ألستَ أندريا ستافروس، العقيد ستافروس؟
أندريا: لا، لا يا سيدي، اسمي quot;نوندوس سولينكوسquot;، قلت لك بأنني صياد من قبرص.
الضابط الألماني: إذاً كيف تضع حزام حمالة للمُسدس؟
ويبدو بأن العقيد quot;أندرياquot; يحوّل انتباه الضابط الألماني، والحراس بهدف الهجوم عليهم في أيّ لحظة، وعندما ينجح في خديعته، يطلب النقيب quot;مالوريquot; من الضابط الألماني الاتصال بقيادته:
ـ الآن، أيها الوكيل، امسك الهاتف، وأخبرهم بأن لا يزعجوك حتى تُعلمهم، تذكر بأنني أتحدث الألمانية بطلاقة.
وكما حدث في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، وquot;أكون، أو لا أكونquot;، يتنكر أفراد الفرقة في ثيابٍ عسكرية ألمانية، ويتوجهون نحو موقع المدافع العملاقة.
في الطريق، يكتشف العريف quot;ميللرquot; بأن أحدهم عمد إلى تخريب عمل المُتفجرات، والصواعق، ويعتقد بأنها الفتاة quot;آنياquot; التي تدّعي بأنها غير قادرة على الكلام، وتُعاني من آثار تعذيب في ظهرها، وقد لاحظ تصرفاتها الغريبة منذ أن التقوا معها لأول مرة، ويطلب من النقيب quot;مالوريquot; بأن يقتلها.
وفي اللحظة التي يُوجه quot;مالوريquot; مسدسه نحوها، تنطلق رصاصة من مسدس quot;مارياquot;، ويُذكرنا هذا المشهد بما حدث في المقهى/الكهف عندما اجتمعت الممثلة quot;بريدجت فون هاميرسماركquot; مع ضباط من الجيش البريطاني متنكرين بملابس عسكرية ألمانية، ولكن ضابطاً ألمانياً حقيقياً كان يتنصت إلى حديثهم، وعندما يشير أحدهم إلى النادل بأصابعه بأن يجلب ثلاثة كؤوس من البيرة ، يكتشف الضابط الألماني حقيقتهم (يشير الألمان بأصابعهم إلى الرقم ثلاثة بطريقةٍ مختلفة)، وكما يحدث في أفلام الكاوبوي، ينطلق الرصاص من كلّ مكان، ويموت الجميع ماعدا جنديّ ألماني، والممثلة quot;بريدجتquot; التي أصيبت برصاصةٍ في ساقها، وبوصول الملازم أولquot;ألدوquot; يحاول إقناع الجندي بأن يتركها حيةً مقابل إنقاذ حياته، ويطلب منه بأن يضع سلاحه جانباً، وعندما يفعل، فإن الممثلة quot;بريدجتquot; هي التي تقتله بمُسدسها.
في نهاية فيلم quot;مدافع نافارونquot; يتجمع أفراد المهمة لتفجير الجبل الذي يحوي في جوفه المدافع العملاقة المطلة على البحر، وتنطلق النيران مثل حمم بركانٍ هائج، ونتذكر على الفور انفجار صالة السينما في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، والقصر في فيلم quot;دستة أشرارquot;.

شكوك quot;هيشكوكquot;
أما كأس الحليب الشهيرة في فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، والتي ظهرت في مشهديّن منه:
ـ الأول: عندما يستجوّب العقيد quot;هانز لانداquot; المُزارع الفرنسي السيد quot;لاباديتquot; حول مخبأ عائلة quot;دريفوسquot; اليهودية، ويطلب كأساً من الحليب بدلاً من الخمر. بوستر فيلم شكوك
ـ الثاني، عندما يلتقي مع quot;شوشانا/إيمانويلquot; في المطعم، ويطلب منها بعض الإيضاحات عن الصالة التي تمتلكها، وفي هذه المرة، فإنه هو الذي سوف يطلب لها كأساً من الحليب.
وربما تُعبّر تلك التفصيلة الصغيرة عن شكوك العقيد quot;هانز لانداquot; بشخصيّتها الحالية quot;إيمانويلquot;، وإعتقاده بأنها quot;شوشاناquot; نفسها، تلك التي تركها في نهاية الفصل الأول تهرب برغبته، وبدلاً من الضغط على زناد مسدسه المُصوّب نحوها، ترتسمُ على وجهه ابتسامةً خبيثةً، صائحاً: إلى اللقاء quot;شوشاناquot; (كان بإمكانه اللحاق بها بسيارته، وتصفيتها فوراً).
ومن يتذكر الفيلم الأميركي Suspicion من إنتاج عام 1941 لمخرجه quot;ألفريد هيتشكوكquot; سوف يفهم بأن quot;تارانتينوquot; لم يستخدمها عبثاً في فيلمه quot;أولاد زنا بلا مجدquot;.
تظهر كأس الحليب في نهاية فيلم quot;شكوكquot; عندما يصعد الزوج الكذوب، المُقامر، والمُفلس جوني quot;غاري غرانتquot; سلالم البيت، ويدخل إلى غرفة الزوجة المُكتئبة لينا(جوان فونتاين)، ويضع بجانب سريرها كأساً من الحليب، وكما اعتقدت بأنه قتل صديقه بيكي (نيغل بروس)، تراودها الشكوك بأنه دسّ السمّ فيها ليقتلها، ويستولي على ثروتها، في ذلك المشهد يُشارك المتفرج بدوره في تلك اللعبة، وينتظر ردود فعل الزوجة، هل سوف تشرب كأس الحليب، وهل يحتوي فعلاً على سمّ لا يترك أثراً كما قرأ في روايةٍ بوليسية كتبتها جارته المُغرم بقصصها، ولكن، في الدقائق الأخيرة من الفيلم، لم يرضى quot;هيشكوكquot;، ولا الشركة المُنتجة للفيلم بأن يتحوّلquot;غاري غرانتquot; إلى قاتل، ولهذا، منح له السيناريو فرصةً لإزالة كلّ الشكوك التي راودت زوجته، وأثبت صدقه، وحبه لها.

العيش بحرية
في الفيلم الأميركي This Land is Mine(العنوان الفرنسي : العيش بحرية) من إنتاج عام 1943، وإخراج quot;جان رينوارquot;.
تدور الأحداث عام 1942 في فرنسا المُحتلة فترة الحرب العالمية الثانية، وبالإضافة لفكرة عمليات المقاومة ضدّ الاحتلال النازي، وتحوّل الشخصية الرئيسة ألبير لوري(شارل لوغتون) في الفيلم من معلمٍ جبان، منطوي على نفسه، يخضع لأمه المُسيطرة، ويحب زميلته في العمل quot;لويز مارتانquot;(مورين أوهارا) من طرفٍ واحد، وتحوّله التدريجيّ إلى شخصٍ يعيّ معنى الشجاعة، ومقاومة الاحتلال النازي، يستوحي quot;تارانتينوquot; بعض ملامح شخصية الضابط quot;فون كيلرquot; (Walter Slezak) في الفيلم، وبالمُناسبة كان ممثلاً نمساوياً ًولد في فيينا عام 1902، ومات مُنتحراً في نيويورك عام 1983.
بينما يُعرفنا سيناريو quot;أولا زنا بلا مجدquot; بأن العقيد quot;هانز لانداquot; ليس نازياً، وإنما نمساوياً يعمل لصالح الجستابو، وهذا ما يجعله في اللقطات الأخيرة من الفيلم مُستعداً لخلع ملابسه العسكرية، والتفاوض مع الملازم أول quot;ألدوquot; لمُساعدته في إكمال مهمته مقابل الحفاظ على حياته، والحصول على مكاسب مادية، ومعنوية أخرى.

Kill Bill
في بداية الفصل الخامس من فيلم quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، يختار quot;تارانتينوquot; عنواناً سينمائياً، ومضمونياً مُوحياً (الثأر في لقطةٍ مُكبرة).
وفي بداية المُجلد الأول من Kill Bill إنتاج عام 2003 (المُقسّم بدوره إلى أربعة فصول)، يستهلّ quot;تارانتينوquot; فيلمه بمثلٍ قديم (الثأر طبقٌ يُؤكل بارداً) ينسبه بطرافةٍ إلى Klingon الشخصية الفضائية المُتخيلة في المُسلسل التلفزيوني الشهير Star Trek.
ويختتم فيلمه بلقطة للمُعلم الياباني، صانع سيوف الساموراي quot;هاتوري هانزوquot;(Sonny Chiba) يمارس طقوسه، ويردد على مسامعنا:
(الثأر ليس أبداً خطاً مستقيماً، إنه غابةٌ يمكن أن نتوه فيها، نضيع، وننسى من أيّ طريق دخلناها).
وفي الحقيقة، يعتبر quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، (وكل أفلام quot;تارانتينوquot;) خزينةً سينمائيةً ثرية، كلما عثرنا فيها على فيلم، فإنه يُحيلنا إلى آخر، بحيث نتوه في البحث عن الأفلام التي يجبها quot;تارانتينوquot;، وتختبئ في فيلمه، ويجعلنا نغوص في سينما نحبها.
وكما حال المجلد الأول، والثاني من Kill Bill، والجزء الثاني المُتوقع إنجازه من quot;أولاد زنا بلا مجدquot;، فإنّ للقراءة بقية،.....

*Inglourious Basterds ترجمها بعضهم:
أولاد زنا بلا مجد، أوغاد بلا مجد، أولاد زانية شائنون، أوغاد مجهولون، صعاليك مجهولون، أوغاد شانئون، وبما أنني لا أتقن اللغة الإنكليزية كحال الفرنسية، فإنني أترك القارئ يختار الترجمة المُناسبة له، مع أنني تخيّرت quot;أولاد زنا بلا مجدquot;.