يسقط على كتفي، شيءٌ باردٌ بشكل فظيع. شيءٌ لزج يلتصق بعنقي. يصرخ صوت من السماء quot;وحش!quot; دون أن اعرف إذا كان يقصدني ويقصد عيوبي أو يرشدني إلى الكائن اللزج الملتصق بي.ماكس جاكوب

ذئب البوادي (*)
على مقربة من المدشر القديم
أمسك بمحراث الخشب، يصطف البجع على حدود الضيعة و تتناوش الديكة قرب أشجار الصبار، أضع يدي في الكيس و أطوح بهما في الهواء لأزرع حبات القمح في الأخاديد الصغيرة و حين ينال مني التعب أخرج منديلك الأزرق، أجفف جبيني من العرق و الذكريات، أغمض عيني و ألتفت إلى الماضي، إلى البئر والبيدر، إلى البستان و مشاع القرية، أشجار الزيتون كانت ترشح بالمطر، كنت تجلسين على الأكمة، تلاحقينني بنظراتك الباردة و أنا أمسك بمحراث الخشب على مقربة من المدشر القديم، ترتبين سلة الشاي و تقرئين حياتي مبعثرة خلف سطور من ldquo;ذئب البوادي rdquo;
* ذئب البوادي، رواية لهرمان هيسه
مرج الوردة السوداء
أحيانا أفكر في كتابة قصيدة طويلة في مديح العتاهة، و أحيانا أسترد وعيي فأكتب عن زنابق الوادي. أحيانا أحس أنني أشبه حكيما في جلسة يوغا، و في أحايين كثيرة أحس أنني شبيه تماما بفردة حذاء خارج الطريق، لم يعد يهمني أن أكون شرسا أو وديعا، لم يعد يهمني أن أكون راعي فراشات أو سائسا للغربان، أنا عازم على الإطاحة بهاته الجبال في ليلة حالكة، الجبال التي تحاصر الطوفان في عيوني.
إنني أبحر في اتجاه صعب، و بدون بوصلة، و كلما وصلت جزيرة مجهولة، أو صحراء لم يصلها أحد من قبل جلست القرفصاء على كثبانها أستعيد هول المفازات و أنظر إلى سرب العقبان بعينين أتعبهما الصبر.
سأعبر من فج وعر باحثا عن مرج الوردة السوداء، تاركا خلفي كل هذا الضوء، أريد الظلام، أريد أن أنزل إلى قعره العميق، فقط لأرى ظلي ممددا هناك كأي خطأ مر، أريد أيضا أن أقتلع الوردة السوداء من البستان العاتي، سأمضغها بأضراس مستعارة، ربما تذيب مرارتها مرارتي.
و في الليلة الحالكة سأحتفل بعيد وفاتك أيها اليأس، أيها الذئب الأسود الرابض على قلبي منذ سنين، لن أسمح لك أن تعوي بعد الليلة في أرجائي، عيوني ستغدو أكثر حكمة و طيشا في الآن ذاته، كلماتي ستتأرجح بين الوداعة والشراسة، و في دمي سيسقط ضحايا حرب مريبة بين القسوة و الحنان، سأظل هكذا مزدوجا و غريب الأطوار كمصباح تحت الشمس، في الصباح ألعن الشياطين و البلداء، و في الليل أحمل كيسا كبيرا و أوزع الرأفات على المساكين.
رجل الثلج
أخيرا وصل الشتاء، الريح تعزف موزارت، و حبات البرد ترقص بخفة على السطح، أشجار السرو ذات السيقان الطويلة تنفض عنها الثلج، تشبك أغصانها بأغصان الصفصاف و تتهادى كراقصات الباليه برشاقة بالغة، سماء ديسمبر آهلة بالسحب الدكناء، لذلك سأسحب القمر إلى الغرفة و أضعه فوق الدولاب كي يضيء حفلتي فقط. الليلة سأنتشي بسقوط المطر كالماتادور في حلبة الكوريدا. كعادتي لملمت الحطب البارد من غابة الأرز و بالكاد أشعلت النار في المدفأة، علقت المصابيح على شجرة العيد، علقت أيضا أجراس النحاس و الشرائط الملونة. رغم وحدتي فتحت الكظيمة و أفرغت الحليب الساخن في أكثر من كأس، نضدت صحون الحلوى، وضعت الأزهار في الوسط، وضعت الشموع الحمراء في أطراف الطاولة، ارتديت معطفي و اتكأت على الكرسي الرجراج أرتب أحلامي، أراقب بندول الساعة و أنتظر.. لكن رجل الثلج لم يمر، لم أسمع صرير عربته كالعادة، أوه، رجل الثلج، لم يطرق النافذة، ولم يهبني نصيبي من الهدايا.
***
أزهار على حافة النافذة
سعد سرحان
ربما أخطأ جمال بدومة حين سماك جنرالا، أنت حارس طيب لبساتين الكرز. تعال يا صديقي نلقن الأشواك درسا في الرقة، نعود الصحراء على الرهافة و نشرح للمستنقعات كيف يكون الجمال. صعب يا عزيزي أن تزهر وردة في قمامة، لو نثرت قصائدك الأنيقة في سماء طوكيو لاستيقظ باشو من قبره و ربت على كتفيك بجذل: مرحى سرحان.. مرحى حفيدي.
مصطفى ملح
المرأة rdquo; صاد rdquo; و rdquo; أمطار يوليوز rdquo; و ليالي القلعة وآلاف اللفائف و الثرثرات في مقهى لاكورنيش. تبا لأربعين قصيدة كتبت من أجل امرأة واحدة . تبا لامرأة تطرق بابك.. تداهمك بالعطر، تملأ الغرفة بالويستريا و الياسمين، ثم تمضي بلا وداع، تتركك وحيدا و rdquo; تعلق عنوانها في الريح ldquo;.
خالد أبو رقية
تركت المسرح و السيميائيات، تركت الحساسين تغرد وحدها على شجرة الميموزا، تركت وردتك اليتيمة تذبل على مكتبي و انصرفت.لا أعرف كيف أسقطت من يدك باقة المارغريت و حملت مقصا صدئا و اتجهت إلى الجنوب.. لطالما واعدتك بالمجيء، لكنني مثل السنونو لا يني يعقد الحب مع الشرفات حتى إذا ما حل الخريف لملم ريشاته و رحل .
أبوبكر متاقي
كلما جلست في غرفتك الخالية من النور أحسست أن الحياة تشتد من حولك تماما كالعاصفة و ترجرج قاربك الغارق في الماء. أرجوك يا صديقي لا تغلق النوافذ هذه المرة و تنزوي في حجرتك الموحشة تتحسس دموعا تنحدر من الماضي و تنتظر ما يسقط على أكتافك من بقايا السقف. أعرف أن جسدك عنيد لذلك كن خرافيا أكثر، سر بقوة ضاربا برجليك في الأرض كي تصدم ما تبقى في حياتك من شقاء.
إبراهيم الكراوي
الغرفة الباردة، و صورة سركون بولص على الجدار، حفيد آشور المتسكع في أمريكا، لم يكن يعرف أنك تفتح الحياة قرب الأكروبول كل مساء، تنزل إليها خفية، تغلق دفتيها و تنام هناك.العزيز إبراهيم، رجاء إذا التقيت بالماغوط تائها في المدينة فدله على بيتي.صدقني يوما ما ستصل مرام من باريس لتلقاك في مقهى الرياض، مرام التي حشرت الأخلاق في الدرج و عصبت عيون ملائكتها من أجل قبلة، مرام التي خدع رجل القش عصافيرها.
زينب الشزوقي
قطيفتك الصفراء و قميصك الأشقر و عيناك الذاهلتان دائما و شعرك المائل قليلا إلى اليسار، كنت في الخلف، في الخلف تماما و أنت تداعبين المايكروفون برقتك المعتادة، كلما سمعت اسمك تذكرت إيمان مرسال و لينا و هدى و الأخريات.. وصيفات الجمال يقفن على الرصيف برشاقة يحملن سلال القصب و يرمين السابلة بالرياحين.
سوغانو تاكيو
أنا نؤوم و ذو همة خاملة، لكني سألتقيك يوما ما في قطار ما باليابان، سأجلس هادئا في المقصورة و أرهف حواسي لألمح طائر البكاسين يرتفع خارجا من قصيدة شيكو ولأسمع الأجراس تهز معبد أساكوسا وراء ضباب زهور الكرز.
عثمان كضوار
كم تدحرجت من الجبل إلى تيار الماء بقلب فارغ من الإيمان، جرجرني ذلك النهر طويلا إلا أنك كالعادة كنت في انتظاري على الضفاف، أمسكت بيدي و سحبتني إليك قبل أن يسحبني المنحدر. لازالت صورتك معلقة على الجدار في غرفة السطح بحي الصفاء، وكلما فتحت باب الغرفة و فتحت معه باب الذكريات صارت ابتسامتك أكثر شساعة. كيف نموت هادئا وسط التماسيح و المياه الآسنة يا زهر النيلوفر؟

شاعر مغربي له مجموعتان شعريتان:
- أخيرا وصل الشتاء، وزارة الثقافة بالمغرب 2004
-أنظر و اكتفي بالنظر، يصدر هذه الأيام عن دار الحرف للنشر و التوزيع بالمغرب
[email protected]