quot;كان زوربا يتنفس بصعوبة، لأن الدم لم يكن يصل بيسر إلى أوعية المخ. كان عجوزا،يمشي وكأنه يترنح، فكيف به أن يمارس الحب؟ لذلك فضل ان يرقد كطفل بريء في سرير حبيبته القديمة منتظرا النهايةquot;. بينما يصوره كازانتزاكيس في روايته الشهيرة (زوربا اليوناني)، حاذقا في معاملة النساء اللاتي يسحرهن بمهاراته في الفراش، بوهيميا ساحرا لا يتوانى من البكاء في لحظات الضحك والمسرة، وإطلاق عنان ضحكاته المجلجلة في ساعات الحزن والأسى. يرقص في حافات الموت رقصة السيرتاكي اليونانية.
كشف الباحث اليوناني فيليبوليس فيليبيو في كتابه ( موت زوربا)، بعد بحث وتقص طويلين عن شخصية زوربا الحقيقية وحياته، موجها بذلك ضربة قاضية ومميتة إلى الصورة الأسطورية التي ابتدعها كازانتزاكيس عن حياة زوربا التي بلغت ذروتها على الشاشة البيضاء بتمثيل أنطوني كوين المبهر في فيلم ( زوربا اليوناني ).
قام فيليبيوس بتتبع خطى ( زوربا) فاهتدى خلال رحلة البحث إلى مكان ميلاده وتفاصيل حياته،وتحدث إلى أحفاده، ليصل بعدها إلى القناعة المريرة والقاسية في أن (زوربا) الحقيقي لم يكن بطلا في حياته على الإطلاق. زوربا الذي التقى به كازانتزاكيس عام 1910 صدفة لم يكن إلا إنسانا على هامش الحياة يدعى ( يورغوس زوربا )، وهو لم يعش في جزيرة كريت، ولم تلتحم حياته مع البحر، ولم يكن بالمرة ساحرا وزير نساء، مقدوني الأصل،اضطر إلى عام 1943 إلى مغادرة اليونان، ليموت ويدفن بمدينة اسكوبيا في مقدونية.
وفي الكتاب ثمة رسائل مرسلة من نجل يورغوس زوربا المدعو أندرياس، مرسلة إلى كانتزاكيس مبدع ( زوربا اليوناني ) يخاطبه في إحداها متذمرا بقوله :
quot; لقد شهرت بعائلتنا يا سيدي ! أود ان تعلم بأننا عائلة فاضلة، وأبي لم يكن فاسقا قط .. آمل منك تصحيح خطئك، وإعادة الاعتبار إلى والدي المرحوم يورغوس زوربا..quot;.
في نهاية كتاب فيليبيوس يكتشف القاريء أن كل ما كتبه كازانتزاكيس مختلق، وانه قام بخلق أسطورة جديدة عن بطل يحمل نفس الاسم ليخلد في دنيا الثقافة والإبداع.
ان أسطورة ( زوربا اليوناني ) لا تتحدد في أذهان المثقفين بالعمل الروائي الفذ فحسب ، ولا ترد إلى أذهانهم مترافقة مع تمثيل أنطوني كوين الباهر فقط، بل تتسلل متناغمة إلى ذاكرتهم مع موسيقى تيودراكيس لرقصة السيرتاكي، وهي الرقصة التي أداها في الفيلم أنطوني كوين.
لقد بقي (زوربا ) كازانتزاكيس المزعوم أكثر خلودا وعمقا وأصالة من شخصية زوربا الحقيقية.
من قال ان الحقيقة أجمل من الخيال؟
- آخر تحديث :














التعليقات