الشاعر اليمني علي أحمد جاحز:
المشهد الشعري اليمني يتيم
محمد الحمامصي: يتمتع الشاعر اليمني علي أحمد جاحز باتساع رؤيته وثراء صوته الشعري، وتحتل تجربته موقعا متميزا داخل الحركة الشعرية اليمنية، استطاع منذ بدء الكتابة حتى اللحظة أن يطورمن رؤيته ومفهومه للشعر، بدأ شاعرا عموديا وانتهي بكتابة قصيدة النثر متجاوزا لغته وأدواته ومحققا نقلة مهمة جعلت لقصيدته خصوصية .. ولد ونشأ في مدينة (حوث) في محافظة عمران، وفيها درس مراحل التعليم: الابتدائي، والإعدادي، ثم التحق بمعهد المعلمين في مدينة (حوث)، وحصل على دبلوم معلمين عام 1993، ثم التحق بقسم المحاسبة في كلية التجارة في مدينة (خمر) في محافظة عمران، فحصل على بكالوريوس في التجارة والاقتصاد عام 2001م، كما درس على عدد من العلماء في علوم اللغة والشريعة.عمل مدرسًا في مدينة (حوث)، منذ عام 1993م، ثم رئيسًا لقسم الأنشطة المدرسية عام 1996، ثم انتقل إلى مدينة صنعاء، فعمل مديرًا لحسابات النادي اليمني للفروسية عام 2001م، ثم محاسبًا ماليًّا في شركة (سبأ فون) للاتصالات..
من مجموعاته الشعرية: مشهد خاف أن ينتهي، 2003، النهدات 2004، ساعة متأخرة من الحزن،
وله كتاب نقدي: التجارب الشعرية المعاصرة، له مقالات صحفية نشرت في عدد من الصحف والمجلات، وله مجموعة دراسات نقدية يعدها للطبع، ويترأس تحرير موقع بيت الشعر اليمني.
** كيف كانت البدايات الشعرية لك وما أهم وأبرز المؤثرات التي أحاطت بتلك البدايات؟
** من الصعبالحديث عن البدايات وكلما أمعن الشاعر في رحلته مع الشعر سيجد أنه يولد مرحليا ولا يولد دفعة واحدة لذا أستطيع أن أطلعك على شيء من مراحل التكونات لتجربتي مع الشعر.. في الحقيقة يلعب المحيط الثقافي دورا في صناعة شخصية قابلة لأن تكون شاعرة وفي تحريك الموهبة التي يفترض أن تكون في التكوين الأساسي للشاعر، فالمحيط الذي تربيت فيه هو محتمع علم و أدب وبيئة علماء و أدباء تعودنا منذ الصغر على سماع الشعر و التقارع به وكنا نجد في ذلك عادة متأصلة في المجتمع فالشاعر كان يحضى باهتمام غير عادي و ربما حفاوة وتمييز في التخاطب ويعتبره الكثيرون شخصا غير عادي يملك قدرة نادرة.. وذلك دليل وعيهم. لذا بدأت، ولا أتذكر تحديدا متى، أكتب لنفسي ومن ثم أسمع أصدقاء مقربين كل ذلك وأنا كأي شاعر مبتدئ يخاف من أن يعلم الناس بأمره تهيبا من الحفاوة المحرجة في اعتقادي. و لم يلبث الشاعر الذي بين يديك أن كسر كل الحواجز ليجد نفسه أكثر الناس فضولا في المناسبات ليلقي الشعر كل هذا وأنا في بلدتي الأصلية مدينة quot; حوث quot;، لا أنكر أنني كنت من أعداء الشعر غير الملتزم بالوزن والقافية، وكان موقفي متشددا رغم قراءاتي الكثيفة لنزار ودرويش و مطر و نازك وغيرهم واعترافي الداخلي بكونه شعرا وأما قصيدة النثر فكنت أعتبرها خيانة.. و في منتصف التسعينات وجدت نفسي مضطرا لادخل المعركة مع الذات ومع التيارات، وأجبرني الحراك التسعيني في اليمن أن أكون واحدا من الشعراء التسعينيين. فالمثاقفات والندوات والفعاليات والشعراء الذين احتك بهم وا لقراءات الحيادية للنقد وتاؤيخ الشعر والمفاهيم الجديدة للعملية الشعرية كلها عوامل جعلتني أكون هذا الذي تعرفه.
** وماذا عن المراحل التي مرت بها تجربتك؟
** كما قلت لك كنت شاعرا عموديا فقط حتى منصف التسعينات وبدأت أكتب quot; متأثرا quot; بشعراء قصيدة التفعيلة واستطعت التنصل من ذلك التاثر سريعا، ولكنني كنت لم أزل أنكر قصيدة النثر، ولذا لم أكتبها إلا مع نهاية التسعينات كتجريب غير جاد. كان الشاعر علوان الجيلاني أكثر الناس تأثيرا في تغيير مسار تجربتي.. بعد عام 1997 قررت أن أجعل كل ما كتبت قبلها في عداد القاعدة التي أسستني، و لكني لم أدون سوى ما بعد 1997 م وهي نصوص مجموعتي الأولى quot; مشهد خاف أن ينتهي quot; والتي كانت فقط مجموعة من النصوص التفعيلية والمدورة و كانت فعلا تمثلني وقد قدمتني فعلا. وبعدها أصدرت مجموعة quot; النهدات quot;، وهي مجموعة نصوصي العمودية التي كتبت مابين 1997 -2003 والتي تمثلني في كتابتي للعمود.. ومن ثم مجموعة quot; ساعة متأخرة من الحزن quot; الذي يحتوي على بعض النصوص التفعيلية في مرحلة متقدمة من الوعي بالتجربة وتشغل قصيدة النثر السواد الأعظم فيه.. واشتغلت على الكتابة النقدية منذ عام 2000 ولدي كتاب عن بعض التجارب التسعينية.. وأنا الآن اكتب بوعي النص لا بوعي الشكل.
** هل تغير مفهومك للشعر منذ لحظة البداية وحتى الآن؟
** بالطبع.. ففي كل مرحلة تكتشف أنك شاعر أكثر وعيا من السابقة.. الشاعر الذي لا يتجدد وعيه بالشعر وماهيته المتجددة لا يستمر ولا يمكن أن يكون في عداد الشعراء المجددين و يتحول الى شيء قديم بسرعة.
لذا بين لحظات البدء والآن متواليات عديدة من التغير الرؤيوي لمفهوم الشعر.
** ما هي رؤيتك لقصيدة النثر ومفهومك لها؟
** قصيدة النثر اشتغل عليها عدد كبير من المنظرين والنقاد ولكن هل ثمة من اعطاها مفهوما يحتويها ويعطيها محدداتها التي تفصلها عن النثر الغير شعري.. وحدة الشاعر من يكتب وهو يعي ضمنيا ماهيتها و يمتلك محدداتها المنفتحة على عوالم الرؤية والبساطة التصويرية.. فقصيدة النثر كائن جديد يتعاطى مع الكينونة الغائبة التي يتراءى فيها المبهم من كل ما يدور حولك ويحيط بك من ضجيج و كيد وتناقضات و هي الفضاء الرحب لتكتب ذاتك الحكيمة على غفلة من الرقيب.. ماذا عساي أعرف وهي تعجز عن تعريف نفسها.
وليس كل من يكتب شكل قصيدة النثر يكتب شعرا.. قليلون هم الذين يكتبون الشعر في قصيدة النثر.
** وماذا عن رؤيتك لمشهد قصيدة النثر علي الساحة اليمنية؟
** منذ عقد التسعينات المنصرم الذي كان المشهد الشعري فيه يشهد تحولا حقيقيا استطاع كتاب قصيدة النثر في اليمن أن يصنعوا لأنفسهم وجودا وسط تجاذبات وتيارات معارضة ومترددة ومؤيدة، ولكن قصيدة النثر فرضت نفسها كأمر واقع.. أنا لا أوافق أن أضع نفسي منظرا هنا لأقول لك رؤية حقيقية عن مشهد قصيدة النثر في اليمن، لأنني لا أمتلك الحق في الحكم النقدي سيما في مشهد ليس فيه ناقد يقيم ويصنف ويقدم رؤية أستند لها ويستند غيري.. ولكنني أستطيع القول أن مشهد قصيدة النثر في اليمن صحي و لكنه يفتقر إلى العمل المؤسسي و العمل النقدي الفاعل.
** في ضوء ذلك كيف ترى المشهد الشعري اليمني عامة؟
** لا أبالغ حين أقول لك لا مثيل للحراك الشعري في اليمن. ولعلك شاهدت ذلك من خلال حضورك الدورتين الماضيتين لمؤتمر الشعراء الشباب العرب بصنعاء.. ولكن ليس ثمة راع.. وكما سبق وقلت لك المشهد الشعري عموما وليس قصيدة النثر فقط يتيما لا وجود للناقد و المؤسسة. لكي لا نظلم المجتهد فإن مؤسسة بيت الشعر اليمني، رغم أنها لاتزال في طور التأسيس أحدثت هزة كبيرة في الوسط الشعري اليمني وأعادت للحراك روحه. حتى الذين هم خارج البيت وجدوا أنفسهم ملزمين بالعودة الى السير في الركب الذي بدأوه. ومجلة دمون أثارت جدلا واسعا في الساحة إضافة الى ما تشاهده في موقعنا على الإنترنت الذي أصبح بعون الله مجلة مفتوحة.. كل هذا بجهود شخصية بحتة حتى اللحظة.. وهذا محسوب لبيت الشعر اليمني.. و ثمة من يشتغلون بصمت وفاعلية بجهودهم الشخصية البحتة وهناك من يشتغل خلف الأضواء على تجريب ما وهناك من انقطع وعاد أو كان موجودا وانقطع.. أطياف المشهد الشعري اليمني لا يمكن تناولها في حوار قصير ومستعجل كهذا.
** كيف تنظر لمهرجان الشعراء الشباب العرب ودوره في إثراء الحركة الشعرية اليمنية؟
** ستتفق معي أنه مهرجان ناجح بكل المقاييس.. و لعل دوره في إثراء الحراك الشعري كان يمكن أن يظهر على السطح لو استمر.. لقد صنع المهرجان في أنفسنا ثقة غير عادية بقيمة ما نمتلك من تجارب متنوعة ومنفتحة وغزيرة ما يتميز به مشهدنا من تصالح بين الاتجاهات المختلفة الأمر الذي يندر وجوده في المشاهد الأخرى.
** وزارة الثقافة اليمنية علي عهد خالد الرويشان لعبت دورا بارزا في خروج الثقافة اليمنية إلي المحيط العربي، هذا علي الرغم مما كانت تلقاه من ضربات المثقفين والمبدعين، كيف تفسر هذه الحالة؟ وهل للوزارة الآن نفس الدور أم تراجع؟
** الأستاذخالد الرويشان الوزير السابق للثقافة في بلادنا كان طفرة في تاريخ وزراء الثقافة في اليمن و لا أعتقد أن ثمة من يمتلك نفس الروح وذات المشروع الوطني الثقافي الذي يمتلكه هذا العظيم. و لا يقتصر دوره على خروج الثقافة اليمنية الى الواقع العربي فذلك لم يكن سوى نتيجة من نتائج مشروعة الذي كان قد بدأ في الاشتغال عليه و لم تكن ثمة ضربات يواجهها خالد الرويشان من المثقفين بالعكس كان هناك اصطفاف غير عادي الى جانبه.. ولكن المثبطات التي كان يواجهها هي السند السياسي الذي كان شبه معدوم فالرويشان أكثر ما عانى منه عدم وجود سياسة ثقافية تمده بالدعم المادي والمعنوي ليستطيع توسيع مشروعه ومواصلته.. وهو كواحد من الشخصيات التاريخية الناجحة يواجه خصوما من أعداء النجاح.. ولا تفسير لهذه الحالة سوى أنه كان ناجحا فالذي لا يحرك ساكنا لا يلفت انتباه أحد ولا يثير حفيظة أحد.
أما الوزارة الجديدة لم نتعرف على مشروعها بعد ولا حكم عليها في هذه الفترة القصيرة جدا.. لكني استطيع الجزم أنها لن تكون في مستوى وزارة الرويشان بأي حال.
** بشكل عام ما هو تقييمك للحركة النقدية اليمنية ولدورها؟
** كما قلت لك الحركة النقدية في اليمن شبه ميتة إلا من فتات تتملق لشعراء عرب خارج المشهد الشعري لتكرس نفسها بهذا التملق.. و لم يعد الشعراء الذين تتناولهم تلك التناولات بحاجة القراءة فقد تم تناولها المهم هو قراءة الجديد في المشهد وإبراز الخصوصية التي يحملها والثراء والتنوع.. المشهد الشعري اليمني خصب ولكنه بحاجة لمن يستثمر فيه من النقاد الذين وأراهن على ذلك سيجدون ما يجعلهم يثيرون تنظيرات جديدة.. ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي. هناك مجموعة من نقاد المرحلة الأخيرة يجب انصافهم يشتغلون على الحراك التسعيني ويوثقون نظريا لملامح هذا الجيل ويؤسسون لمفاهيم جديدة في النقد أمثال الشاعر والناقد علوان الجيلاني و الشاعر والناقد محمد المنصور والشاعر والناقد عبد الناصر مجلي و الدكتور عبد السلام الكبسي و الاستاذ سلطان عزعزي... وغيرهم ممن ينقشون في الصخر تاريخ جيلهم و يوثقون لأهم مرحلة في تاريخ الشعر اليمني هي جيل التسعينات.
** وماذا عن الحركة الثقافية اليمنية وما يعتمل فيها من حراك إيجابياتها وسلبياتها من وجهة نظرك؟
** الحراك الثقافي في اليمن مرهون بجهود شخصية و محاولات مستميته للحفاظ على الوجود ليس ثمة عمل مؤسسي على الساحة ليس ثمة دور فاعل لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.. الفن التشكيلي يشهد يتما بعد خالد الرويشان.. بيت الشعر اليمني يواصل مشواره بنجاح ببسالة ولا زال ينتظر الافراج عن مخصصاته من وزارة الثقافة ورغم ذلك ينتظم في إصدار مجلته الدورية دمون في مواعيدها، وموقع البيت الذي يشهد كل يوم نجاحا يتابع الجديد، ويفتح الباب ليصل النص الى الداخل والخارج. ونادي القصة كذلك مؤسسة يقودها أشخاص وتعتمد الجهد الشخصي أيضا وموقعها يشكل علامة فارقة في العمل الثقافي على الإنترنت.. وهناك العديد من المواقع الثقافية التي ظهرت كرد فعل لضيق المساحة المخصصة للمثقف في الصحيفة الرسمية والغير رسمية ولعدم وجود المجلة الثقافية الواسعة.. وهذه المواقع أصبحت متنفسا واسعا ليس محليا وحسب بل عربيا في اعتقادي..
المشهد الثقافي اليمني يمتاز بوجود تلاق كبير وتصالح بين الاتجاهات المختلفة ولا يوجد قصيعة بين الحداثيين والمحافظين ولا بين التسعينيين ومن سبقهم.. ويمتاز بالغزارة على كل المجالات الفنية والأدبية و ينقصه الكثير مما لا يحصى من النقائص كا العمل المؤسسي الجماعي والرعاية الحكومية والحراك النقدي المعدوم تقريبا.. وبإمكانك من خلال المتابعة لما يكتب على الانرنت استقراء الواقع الثقافي في أجلى صورة.
التعليقات