بحضور أكثر من 200 باحث عربي
افتتاح الاجتماع الأول للجمعية العمومية لرابطة المراكز العلمية بشمال إفريقيا والشرق الأوسط

الإسكندرية في 2 نوفمبر ndash; افتتح الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية والمهندسة هدى الميقاتي مديرة مركز القبة السماوية صباح اليوم، الاجتماع الأول للجمعية العمومية لرابطة المراكز العلمية بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، الذي ينعقد على مدار يومين، بدعم من صندوق دعم المشاريع العلمية في الشرق الأوسط. وقد ألقى الدكتور حسن ندير رئيس جامعة الإسكندرية كلمة نيابة عن الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي والبحث العلمي، عبر فيها عن مدى سعادته بما يحققه هذا الاجتماع من تفعيل الممارسات التعليمية العالمية وإتاحتها لشباب المنطقة لمساندة التواصل الفعال وتعضيد مكانة المراكز العلمية في المجتمع وتعظيم دور التعليم الغير رسمي. كذلك ألقى كلمة الدكتور يسري الجمل وزير التربية والتعليم، ممثل الوزارة الأستاذ عاطف إبراهيم، والتي أوضح فيها إلى أن الوزارة كان لها السبق في استخدام البحث العلمي وتطوير العملية التعليمية مشيراً إلى مشروع quot; المدرسة التخيليةquot;. وقد أخذ الدكتور إسماعيل سراج الدين الحاضرين في رحلة عبر القرون، في محاضرةquot; الحضارة العربية الإسلامية والعلمquot;، والتي ركز فيها على الدور الذي لعبه العالم العربي في العالم الإسلامي بشكل عام وما قدمه من إسهامات للعالم والبشرية جمعاء. وتطرق في محاضرته الشيقة إلى الشرق الأوسط القديم، ومكتبة الإسكندرية القديمة، وفترة ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، ودور مصر في رعاية العلماء والفلاسفة. وأكد أن الحضارات الأولى قامت على ضفاف الأنهار، وتحدث عن حمواربي ومسلته الشهيرة المنحوتة من حجر الديوريت الأسود والمحفوظة الآن في متحف اللوفر بباريس ، والتي تعتبر أقدم وأشمل القوانين في وادي الرافدين بل والعالم.
وأشار إلى ما قام به إيمحتب المهندس المعماري أول من فكر في إقامة المقبرة الهرميةrlm;,rlm; ونفذ المجموعة الهرمية للملك زوسر الذي أحدث ثورة في العمارة المصرية القديمة باستخدام الحجر لأول مرة وعلي نطاق واسع في بناء مجموعة هرمية متكاملة منذ ما يقرب من خمسة آلاف سنةrlm;, وكان وقتها الدفن يتم في هذا الوقت في باطن الأرض في مقابر من الطوب الطينيrlm;، rlm; ولكن إيمحتب قام بتصميم المقبرة الهرمية المدرجة للملك زوسرrlm;,rlm; بالإضافة إلي مجموعة متكاملة بجوارها ومنها معبد الوادي الذي يجمع كل النبلاء والأمراء لدفن الملكrlm;,rlm; وايمحتب هو أول وأشهر معماري في التاريخ، كما كان طبيبا متمكناً. وهو أول من بني معبدا بالحجر في التاريخ المصري وهو أول من استخدم الأعمدة في البناء وأول من بني هرما وقبله كانت المعابد تبني من البوص والخشب والطين وسعف النخيل..ليس هذا فحسب بل انه أول من سقف المعابد بكتل من الحجارة، وأول من شيد تمثالا فوق الأرض، ووضعه في مقصورة وقبله كانت التماثيل توضع تحت الأرض.

وطوف سراج الدين بالحضور في زمن الفلاسفة اليونانيين تاليس وديموقراطيس وأرسطو وفيثاغورس إلى أن توقف قليلاً معهم عند عهد الاسكندر الأكبر، تلميذ أرسطو الذي استطاع أن يحقق حلمه الخاص بالثقافة والفتوحات، وتوحيد العالم وبدء عصر جديد على أرض مصر الخالدة. وتحدث عن مكتبة الإسكندرية القديمة وفضلها على الحضارة الإنسانية، حيث كان بها أريستارخوس أول من قال بأن الأرض تدور حول الشمس، وذلك قبل ١٨٠٠ عام من اكتشاف كوبرنيكوس لهذه الحقيقة. كما أثبت إيراتوسثينس أن الأرض كروية، وحسب محيط الأرض بدقة مذهلة. كما تحدث عن إمكانية الإبحار حول العالم ، وذلك قبل ١٧٠٠ عام من قيام كولومبوس برحلته الشهيرة. بينما وضع هيبارخوس أول أطلس للنجوم، وحسب السنة الشمسية بدقة حيث بلغ الفارق٦.٥٠ دقائق فقط.

ووضع الشاعر اليوناني العظيم كاليماخوس أول فهرس للكتب مقسمة تبعاً لمواضيعها ومؤلفيها، ولذلك اعتبر كاليماخوس أبا علم المكتبات Library science. كما وضع إقليدس مبادئ علم الهندسة وهي نفسها المبادئ التي تُدرس في المدارس حول العالم حتى يومنا هذا. وحدَّد هيروفيلوس المخ على أنه العضو المتحكم في جسم الإنسان، بادئاً بذلك عصراً جديداً في مجال الطب. بينما حدَّد مانيثو تواريخ حكام مصر الفراعنة وقسَّم التاريخ المصري حسب الأسرات، وهو ذات التصنيف الذي نستخدمه حتى يومنا هذا. ووضع زينودوتيس، مع علماء اللغة، أُسس علوم الأدب، مع تحرير ونقد دقيق للكلاسيكيات، وعلى وجه الخصوص إلياذة هوميروس الشهيرة، والأوديسا.وأكد سراج الدين أن قائمة الأسماء العظيمة وأعمالهم الخالدة تمتد إلى ما لا نهاية وتتضمن علماء عظاماً من أمثال ديوفانتس، وأبولونيوس، وهيرون، بالإضافة إلى العلماء الزائرين مثل أرشيميدس.

وقال أن الفضل يرجع لهؤلاء العلماء والكثيرين غيرهم ممن كونوا مجتمع العلماء المذهل، في رسم خريطة الفضاء الخارجي والسماء المحيطة به، وتنظيم التقويم، وإرساء قواعد العلم، ودفع حدود معرفتنا إلى عوالم لم تكن معروفة من قبل. كما أنهم فتحوا آفاق ثقافات العالم، وأقاموا حواراً حقيقياًّ بين مختلف الحضارات. والواقع أنه في مكتبة الإسكندرية القديمة، قام ٧٢ مترجماً متخصصاً بترجمة العهد القديم لأول مرة من العبرية إلى اليونانية (وهو النص الشهير المعروف باسم السيبتوجينت ndash; أو الترجمة اليونانية للتوراة في القرن الثالث قبل الميلاد).ومن خلال جهودهم المشتركة، نجح هؤلاء العلماء في الدعوة إلى العقلانية والتسامح والتفاهم، كما نظموا المعرفة العالمية.وأصبحت الإسكندرية لما يزيد على ستة قرون رمزاً لذروة العلم والتعلم. لذلك، تمكن العلماء أمثال كلوديوس، وبطلميوس، وديوسكوريديس من النهل من الثورة المعرفية وأضافوا إسهاماتهم.


وانتقل سراج الدين بالحاضرين إلى مراحل ازدهار الحضارة العربية، مشيراً إلى أن الحضارة العربية الإسلامية مرت بمراحل ثلاث قبل أن تنضج وتبدع وتسهم في بناء حضارة الإنسان أولها مرحلة الترجمة والاقتباس والتمثل التي دامت طوال العصر العباسي الأول وتلتها مرحلة الإبداع والخلق. أما المرحلة الثالثة فكانت حقبة العالمية حين أخذ الغرب ينقل إلى لغاته العلوم التي حصلها العرب والتي أبدعوها . ففي العصر الأموي بدأت حركة ترجمة فردية محددة على يد الأمير خالد بن يزيد الذي دعا بعض علماء مدرسة الإسكندرية إلى دمشق لكي ينقلوا له بعض كتب الإغريق في الطب والفلك والكيمياء.
كان مرض المنصور واستدعاء الأطباء من جنديسابور على رأسهم جرجس بن جبرائيل الشرارة التي أضاءت مشعل عصر نقل العلوم اليونانية والهندية والفارسية والسريانية والقبطية إلى اللغة العربية. فقد أمر المنصور طبية بترجمة بعض الكتب الإغريقية في الطب والفلك والتنجيم ثم مشى حفيده الخليفة هارون الرشيد على خطاه فوسع العمل وأكثر من التراجمة وجلب الكتب الإغريقية إلى بغداد شراء واستنساخا وغنائم حرب وفدية أسرى شملت كتبا في الطب والهندسة والرياضيات والفلك والتنجيم.

ففي هذا العهد كان من أشهر التراجمة ابن المقفع الذي يقترن اسمه بترجمة كتاب كليلة ودمنة. كما ترجم محمد بن إبراهيم الفرازي كتاب السند هند في الفلك وقد اختصره فيما بعد الخوزامي ويذكر ابن القفطي أن العرب نقلوا عن الهند كتبا في الموسيقا والحساب.

وألمح سراج الدين إلى أن كتب أرسطو في المنطق وكتاب المجسطي في الفلك ترجمت من اليونانية والسريانية. ومن أبرز المترجمين في هذه الفترة يوحنا بن البطريق وقسطا بن لوقا ويوحنا ابن ماسويه وقد ألفوا كتبا كثيرة في الطب والفلك والفلسفة والرياضيات إضافة إلى ما ترجموه وشرحوه. وأكد أن بيت الحكمة في بغداد كان يقوم بدور يماثل الدور الذي كانت تقوم به مكتبة الإسكندرية القديمة، ونشطت حركة الترجمة وازدهرت الكتب والمؤلفات باللغة العربية وأصبحت لغة التعليم. وأشار الدكتور سراج الدين إلى التأثير العربي للحضارة الإسلامية الذي وصل أوجه في أحضان الأندلس ، وأشار إلى علماء كافة العلماء الأجلاء ومنهم جابر بن حيان ودوره في النهضة العربية، والرازي والفارابي والبوذجاني والبيروني وابن سينا وعمر الخيام ونصر الدين الطوسي، والخوارزمي، وابن خلدون وابن النفيس. وأكد أن إسهامات العرب تخطت العلوم والطب وعلم الدواء بل وامتدت على علم الجغرافيا، والخرائط والفلك، فهناك إسهامات لا تنسى لابن بطوطة والإدريسي ومدين القوسوني. وتطرق سراج الدين للنتائج الايجابية للحملة الفرنسية على مصر، فقد جاء نابليون بونابرت ومعه عدد من العلماء والفنانين، وقال أن المجمع العلمي المصري الذي أسس عام 1798م هو أقدم أكاديمية علمية تنشأ خارج أوروبا. وأشار إلى دور رفاعة الطهطاوي، وعلي باشا مبارك، وطه حسين، وعلي باشا إبراهيم، وعلي مشرفه ووصولا إلى انجازات فاروق الباز، وأحمد زويل ومجدي يعقوب.

كما أخذ الدكتور سراج الدين الحضور في جولة داخل مكتبة الإسكندرية الجديدة وإسهاماتها في العالم الرقمي وتكنولوجيا المعلومات مشيراً إلى أنه بوجود أرشيف الانترنت بمكتبة الإسكندرية الذي يعمل بالتوازي مع أرشيف الانترنت بكاليفورنيا استطاعت المكتبة حفظ كل الصفحات الالكترونية على الشبكة العنكبوتية، وأشار إلى حرص مكتبة الإسكندرية من خلال قاعة الفيستا على تطبيق النوع الثالث من العلوم وهو الحدث على مستوى العالم، ألا وهو العلم بالمحاكاة. فقد ظل العالم لفترة طويلة لا يعرف إلا نوعين من العلوم: العلم النظري والعلم التجريبي.
وفي ختام هذه الجلسة تحدثت ممثلة صندوق دعم المشاريع العلمية في الشرق الأوسط (Middle East Science Fund) الذي أطلقه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم في مؤتمر البتراء للحائزين على جائزة نوبل في حزيران 2008. وأشارت إلى أن الصندوق يعمل علي دعم المشاريع العلمية في الشرق الأوسط، ومقره الأردن تحت مظلة صندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية، ويهدف إلى دعم المشاريع العلميّة خارج حدود الدولة الواحدة؛ لتحقيق تطور ملموس في عدد من المجالات العلمية، كما يهدف الصندوق إلى دعم اللقاءات والاجتماعات التي تعقد بين علماء المنطقة من مختلف الجامعات والمؤسسات البحثية والعملية والذي يعتبر اجتماع الجمعية العمومية لرابطة المراكز العلمية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط واحد منها.

وبعد الجلسة الافتتاحية، قام الدكتور سراج الدين وهدى الميقاتي والدكتور فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد، جامعة بوسطن، والدكتور محمد بن إبراهيم السويل، رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم و التكنولوجيا بالمملكة العربية السعودية، والدكتور رضا مثناني، وزارة التعليم العالي و البحث العلمي بتونس، ومعالي سفير الكويت ووزير التربية و التعليم السابق الدكتور رشيد الحمد وعدد من الباحثين من مختلف أنحاء العالم بافتتاح معرض رابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، لأحدث التقنيات في مجال صناعة المعارض والتجارب التي تساعد علي تبسيط وتوصيل المعلومات العلمية للطلبة. جدير بالذكر أن المحور الرئيسي للاجتماع يدور حول quot;دور المراكز العلمية في إنشاء مجتمع المعرفة في المنطقةquot;. ويضم المؤتمر عدداً من المحاور الفرعية التي سيتم تناولها في جلسات متوازية وورش عمل وهي quot;الشبكات والدفاع عن القضاياquot; وquot;طرق فعالة وغير تقليدية لتوصيل العلومquot;. ويشارك في المؤتمر عدد كبير من العلماء من مصر والسودان وشمال أفريقيا والمملكة العربية السعودية والبحرين والبرتغال والصين والمكسيك والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل وماليزيا والهند وإيطاليا وكندا.