بهدوء تجلسُ وتتابع مشهد الحديقة الممتد أمام عينها، ثمة مشهد شتائي نادر، فالأرض ما تزال مبللة والشمسُ ترسل رسل النور إلى العشب. معطفها الأسود يناسب حزنها، والصداع المتدفق من رأسها يبدو منسجماً مع لون الطاولة!
حقيبة يدها البنية مرتخية على فخذها، القماش القرمزي ينبعجُ تحت ردفيها، الايشارب يتحايلُ على خصلة الشعر التي انزلقتْ فوقَ جبهتها ووصلت إلى عينها. كنتُ أنتظر فقط أن ترفع يدها، وتعيد تلكَ الخصلة البنية، الناعمة إلى مكانها تحت الايشارب. انتظرت ذلك طوال ساعةٍ كاملة وأنا أضع يداً على خاصرتي، وأخرى على مقدمة بطني، ومن حين إلى آخر أمرر أصابعي في شعري القصير، مروراً بالجزء الخلفي للرقبة، التفافاً على العنق، وهبوطاً على الصدر ومن جديد إلى مقدمة البطن!
كررت ذلك لمرات كثيرة، ولكنها لم تحرك يدها، لم تلتفتْ، وعينها بقيت مفتوحة تخترق الفراغات الصغيرة بين أوراق الشجر، تسبح على السور المشقق، تنزل عن طرفه الآخر إلى مساحة خالية من العشب، تدخل من الباب الخلفي للمنزل المجاور، تتجول في المطبخ، والحمام، غرف النوم، وصالة المعيشة، تصعد إلى سطحه، وتنظر إلي. ربما حينها شعرت بنظرتها على أطراف أصابعي، فسحبت يدي عن مقدمة بطني قليلاً، أدرت ظهري باتجاه لوحة على العامود خلفي... كان ثمة رجل يضع يده على بطنه، وامرأة تعيد خصلة شعرها تحت الايشارب!
ظننتُ أنها إشارة ما. هممت بالتقدمْ، ولكنها لم تعطن الفرصة عندما وقفت، وقالت بهدوء: ألن ترفع يدك عن بطنك... هذه الحركة تجعل خصلة الشعر تسقط على عيني!


bull;شاعر مقيم في غزة