نعمة خالد من عمان: العرض المسرحي الفرنسي الذي حمل عنوان أوسكار، والذي اعتمد الرقص التعبيري، حيث مصمم الرقصات لوك بيتون، والراقصون هم: بابتيست برجونيون، سيرل بوشو، ميلزندا كاري، باسكال كوسينس وكاتيا بتروفيك، قدموا لعملهم ملخصاً يقول: ما نراه على الخشبة أقرب إلى اكتشاف كوكب آخر بمخلوقاته الغريبة والمدهشة وإلقاء نظرة عل حياتها وعاداتها عن قرب بلغة الجسد. على أن التلقي لتلك الرقصات تختلف من متلقي لآخر، وبما أن العرض قد خرج من يد المخرج والراقصين فالحق كل الحق لنا في قراءة ما يناقض هذا التقديم، فالعرض شاء غرض، والقراءة غرض آخر.
في البداية ما من شك أن العرض قد قدم شخصيات غرائبية، ولغة جسد غرائبية، امتدت من عهد الديناصورات إلى راهننا وغدنا.
ولعل لغة الجسد التي أثارت أسئلة عبر استخدامها لأدوات بسيطة تمثلت بالخشب، فإن أول هذه الأسئلة يمكن أن يتمثل بالنار التي لم يكن وقودها الخشب فقط وإنما كان وقودها كل ما دب على الأرض، لذا كان يمكن لنا أن نرى بعد تجسيد الديناصورات على خشبة المسرح، أنها تحولت إلى خلفية بعيدة عبر الظلال.
كذلك نتابع ما يمكن تسميته بصلب المسيح، وصراع البقاء، وتحول الأنسان إلى ما يشبه الآلة، يقضمه الزمن على مهل.
وجاءت حركة الجسد عبر هرولتها على خشبة المسرح، وعبر التواءاتها الدائرية حيناً والتصاعدية حيناً، وعبر جسد كرنفالي احتفالي لتؤكد أن الزمن يعيد نفسه لكن بطريقة كاريكاتورية، وأن الإنسان إذا ما بقي على هذه الحال سيتحول لا محالة إلى روبوت، قتلت فيه أحاسيس الحب والتعاطف، وامحت إنسانيته.
ولقد حاول العرض أن يستمد جزءاً من الميثولوجيا المتمثلة بقصة الخلق، وقد تجلى ذلك في المشهد الأخير حيث الفراشات تخرج من شرانقها لتتطور وترتقي بجيناتها لتصل إلى حالة الاستهلاك المتمثل بتحول هذه الفراشات إلى أشكال لا تمت للبشرية بصلة، أشكال هي أقرب لأشرعة، أو أقرب إلى ديدان تسعى في الأرض.
وقد جاءت السنوغرافيا التي تمثلت بشاشة شفافة على امتداد خلفية المسرح، متناغمة مع الرقصات، فمن خلال تقديم ظلال لأشكال انقرضت في الأرض، كانت نقدمة المسرح تعرض رقصات لها علاقة بالراهن، عبر جسد يأكل ذاته. وتطحنه مطاحن العولمة، ليصل الجسد في النهاية إلى أداة، بلا هوية.
أما الموسيقا فكانت ذات إيقاع يتصاعد مع تصاعد لغة الجسد فتتوتر حين توتره وتسترخي حين استرخائه.
كذلك لعبت الإضاءة دوراً أساسياً في العرض، فعبر الظلال التي كانت تشكلها، وصلت بنا إلى مرحلة متابعة خلفية المسرح بقدر اهتمامنا بما يتجسد على مقدمة المسرح من رقصات. واستطاعت عبر آلياتها أن تجدل الماضي بالراهن.
ولئن شاء مخرج الغعمل أن يهرب من طرح أسئلة الراهن التي تجردنا من إنسانيتنا عبر تجسيده لمخلوقات غريبة على كوكب آخر مفترض، فإن هذا الكوكب الغريب المفترض هو كوكبنا الأرض، والمخلوقات الغريبة هي نحن بكل ما نحمله من تمزق للذات، وبكل ما نحمله من دمار لأرواحنا.
أخيراً يمكننا القول أن عرض أوسكار قد جسد الوجع الإنساني عبر لغة جسد كانت مع كل ثنية تصرخ كفى، لا نريد أن نكون ديناصورات الراهن.. نريد أن نحيا بحبنا وفرحنا، نريد للفراشات أن تبقى فراشات، ونريد لثنائية المرأة والرجل أن تبقى هي دون تناسخ يمسخنا، تناسخ يحولنا إلى ذئاب أو أفاع تنسل في جحور الأرض. نريد الشمس، نعم الشمس، تطرد كل عفننا، أوسكار الشخصية العادلة التي حاربت الظلم على الأرض، نعوها لتكون نحن، نحن بضعفنا وقوتنا، بحبنا وحزننا.