فاضل عباس هادي من لندن: عندما اتصلت هاتفياً بالمثقف العراقي صالح كاظم المقيم في برلين وتحدثنا ضمن ما تحدثنا عن اعجابي بأعمال المصور الفوتوغرافي والسينمائي قتيبة الجنابي قال لي بأنه لم يسمع به سابقاً. ليس هذا من باب الملامة، وإنما لتأكيد حقيقة قاسية وهي ان العراقيين في الشتات
مشتتون وان التواصل بينهم ليس قوياً كما ينبغي. أقول هذا رغم ان الصديق صالح معني وبشغف بالابداع الفوتوغرافي والسينمائي.
والمشكلة مشكلة تشتت العراقيين وانغلاق كثير منهم على أنفسهم لها مسبباتها وموجباتها أيضاً. واللوم طبعاً يقع على المحنة التي يعيشها العراقيون في الداخل: الوضع الأمني والفساد الاداري وظهور اكثر من ديكتاتور بعد ان كنا نشكو ونعاني من ديكتاتور واحد، والغربة في الخارج. وهذا يجعل من الغربة غربتين.
وفي خلال واحد من لقاءاتي مع المبدع العراقي قتيبة أكد لي بأن كل جهوده الحالية تصب في إشعار اخوتنا وأخواتنا في الداخل بأننا رغم الغربة جليدتيها وجَلدها اليومي لنا نحرص بلهفة وكل يوم على التواصل معهم من خلال ابداعاتنا في الخارج كما أكد لي الفنان بأنه يتعاون حالياً مع الفنان علي العساف المقيم في روما على مشروعين كبيرين أولهما كتاب عن بورتريتات ونبذة سيروية عن الكتّاب والفنانين العراقيين المقيمين في الخارج وثانيهما ما يشبه دائرة معارف تكون أوسع بكثير من المشروع الأول حيث ان المشروع الأول يقتصر على البورتريتات التي التقطها قتيبة لعدد كبير من المبدعين العراقيين في الشتات على مدى أكثر من عقدين، بينما المشروع الثاني سيكون شاملاً أي انه لا يقتصر فقط على البروشريتات التي التقطها قتيبة بكاميرته الملهمة وانما بورتريتات التقطها هو ومصورون آخرون. وفي الحالتين نبذة عن كل مبدع عراقي ومنها متى ترك العراق وما هي البلدان الأجنبية التي عاش فيها منذ مغادرته بلد الأجداد وlaquo;ألواحه التي يلجأ اليها الجميع ويسعى لتدميرها أكثر من طرف واحدraquo;، كما كتبت ابان الحرب الأهلية التي كانت تعصف بلبنان الحبيب في السبعينات والثمانينات. والواقع ان تعلق قتيبة بالوطن الأم وشعوره
بأن العراق يعيش في وجدانه ليل نهار محركان أساسيان في حياته اليومية والروحية.
وما كتاب الفوتوغراف الذي أصدره أخيراً في طبعة أنيقة ومتميزة الى حد ما بعنوان laquo;بعيداً عن بغدادraquo;، الا قطرة من بحر مشاريع عديدة يحرص الفنان على متابعتها رغم الظروف الصعبة التي نعيشها في الغربة وجدار الصمت الذي نصطدم به كلما طرحنا السؤال اين هي مبادرات الحكومة العراقية في دعم الثقافة العراقية في الخارج، ولماذا ثاني بلد في العالم من ناحية الاحتياطي البترولي يضطر المبدعون فيه الى العمل في وظائف لا علاقة لها بمشغلتهم الأساسية، من أجل تدبير الأمور المعيشية لهم ولفلذات أكبادهم.
وكان قتيبة الجنابي الفنان الملهم والمحب الحقيقي للعراق والعراقيين أجّر ساعتين من الوقت، ساعتين فقط، في قاعة سفلية من laquo;مقهى الشعرraquo; في لندن، من أجل حفلة صغيرة ومتواضعة لإطلاق كتابه الذي طال انتظاره laquo;بعيداً عن بغدادraquo; حضرها عدد من الأصدقاء اختارهم بدعوة خاصة الفنان نفسه. كان ذلك في السادس من الشهر الحالي (آذار /مارس).
والكتاب الذي أنجزه الفنان في حلته الأخيرة كان قد مر بعدة طبعات ألغاها بسبب هذه الهنة أو تلك، وقد صدر عن دار laquo;أقواسraquo; في هولندا في السنة الحالية رغم انه يحمل تاريخ السنة المنقرضة.
ونلاحظ في الكتاب ان جميع الصور الفوتوغرافية هي الأبيض والأسود لأن طبع كتاب بصور بالألوان مكلف الى حد بعيد. وهذا سبب آخر أشرنا الى جدار الصمت في بلد الاحتياطي البترولي الثاني في العالم، رغم ان هناك من يقول بأنه البلد الأول.
في معرض laquo;مقهى الشعرraquo; الصور المعروضة هي بالألوان. وقد تبين بأن الفنان لوّن الصور بيده، ويا له من تلوين بارع، أجمل بما لا يقاس من الصور المأخوذة بفيلم ملون حتى وان كان كوداكروم، أو بكاميرا رقمية ذات عشرة ملايين بكسل.
أشرنا حتى الآن الى معلمين من معالم
موهبة الفنان قتيبة الجنابي التصوير بفيلم أبيض وأسود وتلوينه لعدد من الصور بيده وبالأحبار والريشة.
واذا كانت الفلسفة تبدأ من تأمل الصورة الفوتوغرافية كما قال جاك دريدا، فإن أعمال قتيبة بصورة عامة والبورتريتات بصورة خاصة تبدأ بجذبك وشدك لها ما أن تراها. كما ان الأشخاص الذين صورهم نعرف بعضهم ولم نر عدداً منهم منذ فترة تطول أو تقصر، وهناك من لا نعرف أين استقر به المقام. هناك بورتريتات تقف على قدم المساواة مع بورتريتات كبار المصورين العالميين من الناحية التقنية والجمالية، الا انها جميعاً تشدنا اليها بقوة بحكم اننا نعرف من هم أصحاب البورتريتات. هناك رعد مشتت وشهرزاد وابنهما سلمان وهناك سعاد الجزائري وهناك روناك وزهير الجزائري وهناك اسماعيل خليل الفنان العراقي المنسي والمقيم في برلين وسعدي عبد اللطيف المقيم في لندن، وعدد آخر من اخواتنا واخوتنا العراقيين في المحبة والشقاء.
وغالباً ما تتساءل متى يجد قتيبة الوقت الكافي والتركيز الكافي لأن يحرص على تلوين الصور بيده البارعة والثابتة والتساؤل يزداد الحاحاً عندما نتعرف على الجانب الثالث في حياة الفنان الابداعية: التصوير السينمائي، وهذا الجانب لا يقل أهمية عن الجانبين اللذين أتينا على ذكرهما. إذ انه تحت عنوان laquo;قصص العابرين، المنفىraquo; حقق حتى الآن سبعة أفلام تندرج تحت عناوين الوثائقي والتجريبي والشخصي.
هناك فيلم بنصف ساعة عن درة من درر العراق: ناهدة الرماح التي ظهرت في الخمسينات في فيلم laquo;من المسؤول؟raquo; عن معاناة المرأة في المجتمع الذكوري الأبله واستمرت حتى الآن في التحامها الكياني الكامل بحب المسرح والسينما وفيلم laquo;طبيعة صامتةraquo;
عن مشاعر غريب في غرفة فندق، وlaquo;القطارraquo; الذي تدور أحداثه في محطة قطار مهجورة ومهدمة، قطار لن يصل أبداً، وهو بالنسبة لي أكثر بلاغة وتركيزاً من laquo;في انتظار جودوraquo; وأفلام أخرى تتناول مسألة المدن والقطارات والمدن الغريبة التي يعيش فيها عراقيون على مضض وقطارات يضطرون الى استقلالها هرباً من جحيم الديكتاتورية البائدة.
وهناك فيلم عن شاب عراقي يتعرض في لندن الى اعتداء عنصري دموي، وعندما يصل الى المستشفى للمعالجة يلتقي به رجل أبيض اعتدي عليه عنصرياً أيضاً، دليل على ان العنصرية لا تفرق بين ملون أو أبيض. أفلام قد لا يزيد طولها عن عشر دقائق الا انها مؤشر أكيد على ان قتيبة، لو توفر له الدعم المالي اللازم، لاستطاع ان ينجز أفلاماً طويلة وكاملة تنتقل به الى مصاف العالمية.
بدأ قتيبة حياته الابداعية مصوراً في جريدة laquo;طريق الشعبraquo;، وعندما قرر النظام البائد منع التصوير وما أعقبه ذلك من حظر الجريدة اضطر لمغادرة العراق وكان ذلك في العام 1979، وذهب الى المجر laquo;هنغارياraquo; حيث درس التصوير والسينما في بودابست في العام 1990 انتقل الى لندن. وفي العام 1993 أفلح قتيبة في زيارة كردستان وقبلها زار لبنان. وكانت كاميرته معه على الدوام وقدم لنا عدداً من الأعمال الممتازة من الناحيتين التقنية والجمالية بحيث ان قيمتها تتجاوز الآني واليومي المباشر الى الأزلي والدائم والخالد.
ومن مشاريعه، بالاضافة الى ما ذكرناه، شريط سينمائي روائي تحت عنوان laquo;فندق الدانوبraquo; عن حياته وسنواته في المجر، وذلك لأن سنوات الشباب الأولى التي قضاها في البلد المذكور تركت بصماتها العميقة عليه. وفي البلد المذكور بلد دويتشر وكوستلر، أنجز الفنان عدداً من أعماله المهمة جداً جداً.
laquo;بعيداً عن بغدادraquo;، لقتيبة الجنابي. |
والمشكلة مشكلة تشتت العراقيين وانغلاق كثير منهم على أنفسهم لها مسبباتها وموجباتها أيضاً. واللوم طبعاً يقع على المحنة التي يعيشها العراقيون في الداخل: الوضع الأمني والفساد الاداري وظهور اكثر من ديكتاتور بعد ان كنا نشكو ونعاني من ديكتاتور واحد، والغربة في الخارج. وهذا يجعل من الغربة غربتين.
وفي خلال واحد من لقاءاتي مع المبدع العراقي قتيبة أكد لي بأن كل جهوده الحالية تصب في إشعار اخوتنا وأخواتنا في الداخل بأننا رغم الغربة جليدتيها وجَلدها اليومي لنا نحرص بلهفة وكل يوم على التواصل معهم من خلال ابداعاتنا في الخارج كما أكد لي الفنان بأنه يتعاون حالياً مع الفنان علي العساف المقيم في روما على مشروعين كبيرين أولهما كتاب عن بورتريتات ونبذة سيروية عن الكتّاب والفنانين العراقيين المقيمين في الخارج وثانيهما ما يشبه دائرة معارف تكون أوسع بكثير من المشروع الأول حيث ان المشروع الأول يقتصر على البورتريتات التي التقطها قتيبة لعدد كبير من المبدعين العراقيين في الشتات على مدى أكثر من عقدين، بينما المشروع الثاني سيكون شاملاً أي انه لا يقتصر فقط على البروشريتات التي التقطها قتيبة بكاميرته الملهمة وانما بورتريتات التقطها هو ومصورون آخرون. وفي الحالتين نبذة عن كل مبدع عراقي ومنها متى ترك العراق وما هي البلدان الأجنبية التي عاش فيها منذ مغادرته بلد الأجداد وlaquo;ألواحه التي يلجأ اليها الجميع ويسعى لتدميرها أكثر من طرف واحدraquo;، كما كتبت ابان الحرب الأهلية التي كانت تعصف بلبنان الحبيب في السبعينات والثمانينات. والواقع ان تعلق قتيبة بالوطن الأم وشعوره
سعاد الجزائريبكاميرا الجنابي 1994 |
وما كتاب الفوتوغراف الذي أصدره أخيراً في طبعة أنيقة ومتميزة الى حد ما بعنوان laquo;بعيداً عن بغدادraquo;، الا قطرة من بحر مشاريع عديدة يحرص الفنان على متابعتها رغم الظروف الصعبة التي نعيشها في الغربة وجدار الصمت الذي نصطدم به كلما طرحنا السؤال اين هي مبادرات الحكومة العراقية في دعم الثقافة العراقية في الخارج، ولماذا ثاني بلد في العالم من ناحية الاحتياطي البترولي يضطر المبدعون فيه الى العمل في وظائف لا علاقة لها بمشغلتهم الأساسية، من أجل تدبير الأمور المعيشية لهم ولفلذات أكبادهم.
وكان قتيبة الجنابي الفنان الملهم والمحب الحقيقي للعراق والعراقيين أجّر ساعتين من الوقت، ساعتين فقط، في قاعة سفلية من laquo;مقهى الشعرraquo; في لندن، من أجل حفلة صغيرة ومتواضعة لإطلاق كتابه الذي طال انتظاره laquo;بعيداً عن بغدادraquo; حضرها عدد من الأصدقاء اختارهم بدعوة خاصة الفنان نفسه. كان ذلك في السادس من الشهر الحالي (آذار /مارس).
والكتاب الذي أنجزه الفنان في حلته الأخيرة كان قد مر بعدة طبعات ألغاها بسبب هذه الهنة أو تلك، وقد صدر عن دار laquo;أقواسraquo; في هولندا في السنة الحالية رغم انه يحمل تاريخ السنة المنقرضة.
ونلاحظ في الكتاب ان جميع الصور الفوتوغرافية هي الأبيض والأسود لأن طبع كتاب بصور بالألوان مكلف الى حد بعيد. وهذا سبب آخر أشرنا الى جدار الصمت في بلد الاحتياطي البترولي الثاني في العالم، رغم ان هناك من يقول بأنه البلد الأول.
في معرض laquo;مقهى الشعرraquo; الصور المعروضة هي بالألوان. وقد تبين بأن الفنان لوّن الصور بيده، ويا له من تلوين بارع، أجمل بما لا يقاس من الصور المأخوذة بفيلم ملون حتى وان كان كوداكروم، أو بكاميرا رقمية ذات عشرة ملايين بكسل.
أشرنا حتى الآن الى معلمين من معالم
قصص العابرين، مجموعة من الأفلام الوثائقية والتجريبية |
واذا كانت الفلسفة تبدأ من تأمل الصورة الفوتوغرافية كما قال جاك دريدا، فإن أعمال قتيبة بصورة عامة والبورتريتات بصورة خاصة تبدأ بجذبك وشدك لها ما أن تراها. كما ان الأشخاص الذين صورهم نعرف بعضهم ولم نر عدداً منهم منذ فترة تطول أو تقصر، وهناك من لا نعرف أين استقر به المقام. هناك بورتريتات تقف على قدم المساواة مع بورتريتات كبار المصورين العالميين من الناحية التقنية والجمالية، الا انها جميعاً تشدنا اليها بقوة بحكم اننا نعرف من هم أصحاب البورتريتات. هناك رعد مشتت وشهرزاد وابنهما سلمان وهناك سعاد الجزائري وهناك روناك وزهير الجزائري وهناك اسماعيل خليل الفنان العراقي المنسي والمقيم في برلين وسعدي عبد اللطيف المقيم في لندن، وعدد آخر من اخواتنا واخوتنا العراقيين في المحبة والشقاء.
وغالباً ما تتساءل متى يجد قتيبة الوقت الكافي والتركيز الكافي لأن يحرص على تلوين الصور بيده البارعة والثابتة والتساؤل يزداد الحاحاً عندما نتعرف على الجانب الثالث في حياة الفنان الابداعية: التصوير السينمائي، وهذا الجانب لا يقل أهمية عن الجانبين اللذين أتينا على ذكرهما. إذ انه تحت عنوان laquo;قصص العابرين، المنفىraquo; حقق حتى الآن سبعة أفلام تندرج تحت عناوين الوثائقي والتجريبي والشخصي.
هناك فيلم بنصف ساعة عن درة من درر العراق: ناهدة الرماح التي ظهرت في الخمسينات في فيلم laquo;من المسؤول؟raquo; عن معاناة المرأة في المجتمع الذكوري الأبله واستمرت حتى الآن في التحامها الكياني الكامل بحب المسرح والسينما وفيلم laquo;طبيعة صامتةraquo;
ناهدة الرماح بكاميرا الجنابي 1994 |
وهناك فيلم عن شاب عراقي يتعرض في لندن الى اعتداء عنصري دموي، وعندما يصل الى المستشفى للمعالجة يلتقي به رجل أبيض اعتدي عليه عنصرياً أيضاً، دليل على ان العنصرية لا تفرق بين ملون أو أبيض. أفلام قد لا يزيد طولها عن عشر دقائق الا انها مؤشر أكيد على ان قتيبة، لو توفر له الدعم المالي اللازم، لاستطاع ان ينجز أفلاماً طويلة وكاملة تنتقل به الى مصاف العالمية.
بدأ قتيبة حياته الابداعية مصوراً في جريدة laquo;طريق الشعبraquo;، وعندما قرر النظام البائد منع التصوير وما أعقبه ذلك من حظر الجريدة اضطر لمغادرة العراق وكان ذلك في العام 1979، وذهب الى المجر laquo;هنغارياraquo; حيث درس التصوير والسينما في بودابست في العام 1990 انتقل الى لندن. وفي العام 1993 أفلح قتيبة في زيارة كردستان وقبلها زار لبنان. وكانت كاميرته معه على الدوام وقدم لنا عدداً من الأعمال الممتازة من الناحيتين التقنية والجمالية بحيث ان قيمتها تتجاوز الآني واليومي المباشر الى الأزلي والدائم والخالد.
ومن مشاريعه، بالاضافة الى ما ذكرناه، شريط سينمائي روائي تحت عنوان laquo;فندق الدانوبraquo; عن حياته وسنواته في المجر، وذلك لأن سنوات الشباب الأولى التي قضاها في البلد المذكور تركت بصماتها العميقة عليه. وفي البلد المذكور بلد دويتشر وكوستلر، أنجز الفنان عدداً من أعماله المهمة جداً جداً.
التعليقات