إيلاف- قسم الترجمة:لقد صوّر المؤرخون خلال قرون، محاكمة الفيلسوف اليوناني سقراطالتي جرت في العام 399 قبل الميلاد بأنها انحراف، وذلك حين أجبر سقراط على مواجهة تهم مختلقة من قبل مواطنيه الجهلة. فقد تمت إدانته بتهمة quot;المعصيةquot;، وإفساد الشبان، وحكم عليه، لذلك، بالموت، كما طلب منه بعد ذلك تنفيذ الحكم بنفسه عبر تناول جرعة قاتلة من شراب نبات الشوكران السام.
غير أن دراسة جديدة قام بها اليوم البروفيسور باول كارتليدج، خلصت إلى أن المحاكمة كانت عادلة قانونياً، وأن سقراط كان مذنباً فيما نسب إليه. وقال البروفيسور كارتليدج: quot; الكل يعلم بأن الإغريق هم أول من اخترعوا الديمقراطية، ولكنها ليست كالديمقراطية التي نعرفها، وأخطأنا، كنتيجة لذلك، قراءة التاريخ. فالتهم التي وجهت لسقراط تبدو سخيفة بالنسبة لنا، لكنها بالنسبة للأثينيين القدماء كانت تستشعر، وعلى درجة كبيرة من الأحقية، بكونها تخدم المصلحة العامةquot;.
ولقد زعم المؤرخون، وعلى نحو تقليدي، بأن نقد سقراط العلني لسياسيين أثينيين بارزين، قد خلق له الكثير من الخصوم، الذين استخدموا المحاكمة للتخلص منه. ومن جملة ما زعم، أيضاً، بأن سقراط كان كبش فداء لسلسلة من الكوارث التي حلت بأثينا، بما فيها الطاعون، إضافة إلى هزيمة عسكرية نكراء. لكن البروفيسور كارتليدج أشار إلى الكثير من المواطنين كانوا ينظرون إلى تلك الأحداث كاإمارات على أن آلهتهم كانت ساخطة من عناصر مكروهة، وساجل بأن هذا الوصف ينطبق على سقراط الذي تعرض للشرعيات الحاكمة، ولسلطات العديد من الآلهة.
ومع وضع تظهر فيه الآلهة على درجة من الغضب الواضح، ونكبات أخرى تلوح قريبة في المكان، فقد قال البروفيسور كارتليدج، بأنه كان ينظر إلى تهمة المعصية ليست كمناسبة وحسب، بل تقع ضمن إطار المصلحة العامة. وخلصت دراسة البروفيسور إلى أن سقراط هو الذي اختار، أساساً، طريقة موته. فطبقاً للنظام الأثيني، وفي هذا النوع من المحاكمات، فإن المدان يستطيع اختيار طريقة العقوبة الخاصة به.
وقد مازحهم سقراط في البداية بأنه يجب أن يثاب، وفي اقترح، في النهاية، غرامة بسيطة، غير أن القضاة لم ينظروا لهذا الجانب المسلـّي، وأصدروا حكم الإعدام عليه. وختم الدكتور كارتليدج قائلاً: quot; لقد تم تطهير المجتمع، في نظر الأثينيين، وإعادة تأكيد وجوده، وذلك من خلال التخلص منهquot;. وستظهر هذه الدراسة في كتاب جديد للبروفيسور بعنوان: quot; في الممارسة العملية للفكر السياسي الإغريقي القديمquot;.
ترجمة نضال نعيسة
التعليقات