إعداد عبدالاله مجيد:يعالج فيلم quot;اجراءات استثنائيةquot; من اخراج توم فون موضوعات مألوفة باتجاهات معهودة، احدها دراما أزمة عائلية يواجه فيها الأب والأم محنة طفليهما المصابين بمرض فتاك، واحتمال موتهما بسببه. والخيط الآخر يقدم علاقة انسانية تجمع بين رجلين ـ احدهما جاد وانفعالي (برندان فريزر) والآخر فظ وانعزالي (هاريسون فورد) ـ ينطلقان في مغامرة غريبة بأمل العثور على علاج.

ولكن الفيلم الذي يدور حول اختراق طبي بوحي من كتاب يروي أحداثا حقيقية من تأليف الصحفية غيتا اناند، يعتبر عملية تمحيص في الطريقة التي تُمارس بها الأبحاث الطبية وفي مصادر تمويلها. ويكتب الناقد أي. أو. سكوت في صحيفة نيويورك تايمز ان هذا هو السبب الرئيس في ارتقاء الفيلم على بعض مظاهره التي تصلح عادة للتلفزيون (ولا ضير كذلك في حضور نجوم سينمائيين معروفين).

نادرا ما يخرج السرد الروائي والتقنية البصرية عن الاطار العملي المتعارف عليه، فيما تتوالى المشاهدة الكبيرة في مواعيدها وتؤدَّى الأدوار فيها بالحد الأدنى من الظلال والشفافية. ولكن تصوير مادة معقدة مشحونة عاطفيا بلا مجاملات يعمل لصالح الفيلم. وتؤدي عناصر الغصة في الحلق والدمعة في المقلة مهمتها تلقائيا ـ مشهد أطفال حلوين أبرياء في المستشفى كفيل باستدرار دموع المشاهدين حتى من دون تصعيد في الموسيقى التصويرية ـ ولكن المذهل في فيلم quot;اجراءات استثنائيةquot; هو ليس تأثيره في الجمهور بل شعور المشاهد في النهاية بأنه تعلم شيئا عن هذا العالم والطريقة التي يعمل بها.

يقوم برندان فريزر ذو الوجه الطفولي الأبدي بدور جون كراولي الذي يعمل مديرا من المستوى المتوسط في شركة لصناعة الأدوية ولديه طفلان، ولد وبنت، مصابان بمرض وراثي نادر في الجهاز العضلي (الابن البكر الذي يقوم بدوره سام هول سالم من المرض).

عمل جون وزوجته الين (كيري رسل) ما بوسعهما من أجل توفير حياة طبيعية لطفليهما ميغان (ميرديث دروغر) وباتريك (دييغو فيلازكويز) اللذين يستخدمان الكرسي المتحرك وأنابيب للتنفس. وبعد ان يخلد افراد الأسرة الى النوم يبقى جون مستيقظا يقلب مجلات علمية ويتصفح الانترنت بحثا عن بارقة علاج متسائلا كم تبقى لطفليه من الأيام في هذه الدنيا.

قادته تحرياته الى روبرت ستونهيل، وهو بروفيسور جامعي مشاكس ذو مزاج عكر يقوم بدوره هاريسون فورد (وايضا صاحب شخصية مركبة من عدة علماء تتحدث اناند عنهم في كتابها). وبدافع الفضول العلمي الخالص وأخلاق غيورة على تفرد صاحبها، يعتقد البروفيسور ستونهيل انه تمكن من فصل انزيم يمكن ان يوقف استفحال المرض الذي عادة يقتل المصاب في سن الثامنة أو التاسعة.

يتعهد كاولي بلا تردد أو تفكير بتمويل تجارب سونهيل ويسارع الى إنشاء جمعية لهذا الغرض. ولكنهما سرعان ما يتخليان عن المنظمة عبر الربحية ويؤسسان شركة في البراري. ويتطلب هذا المشروع القيام بزيارات مع رأسماليين يبحثون عن شراكات مربحة ثم خطة يعارضها ستونهيل لبيع المشروع الى شركة متخصصة بالتكنولوجيا الحياتية في سياتل.

تطور فكرة المشروع والبحث عن علاج ينقذ الطفلين ميغان وباتريك هما لحمة الفيلم وسداه. ولا يعني هذا ان الفيلم قصة اجراءات علمية بلا حياة. فان زيارات كراولي للبيت وتمثيل دروغر بدور البنت يمنعان انحدار الفيلم الى هذا المستوى. كما يقاوم الفيلم اغراء التحول الى ميلودراما عائلية بامتياز. فهناك توترات وضغوط واحتقانات بين جون وزوجته الين لكنهما ايضا يتعاملان مع الوضع المأسوي المريع بموضوعية وطريقة عملية مثلما يفعل الآباء في كثير من الأحيان، ويزداد تأثير الفيلم باقتصاده في تصوير عذابهما ومعاناتهما.

كما يتعامل الفيلم مع التعارض بين مزاج ستونهيل وكراولي بلا مبالغة رغم المشاهد الحتمية من سورات الغضب والصراخ وصفق الأبواب. وكثيرا ما يتبدى نفاد صبر الأب المستميت من اجل انقاذ طفليه على نقيض حاد مع حياد العالم. ولكن فيلم quot;اجراءات استثنائيةquot; يدور في نهاية المطاف حول كيف يمكن ان تعمل المشاعر والموضوعية بتناغم وكيف يمكن للقواعد واللوائح التي تنظم البحث والتطوير في مجال الطب ان تدفع عجلة التقدم وتؤخرها في آن.