يبدأ جولته المسائية، من بداية شارع الكورنيش، حيث يجلس أمام التمثال ليقرأ بيت الشعر، المكتوب على قاعدته (الشمس في بلادي أجمل من سواها والظلام حتى الظلام هنالك أجمل)، يمعن النظر في قراءته عدة مرات، يشعل سجارته، يسحب نفساً عميقاً، يملأ رئتيه، ينفذ الدخان، محملا بالحسرات والألم.. تأمل التمثال مرة تساءل قائلا:ــ
ـــ لماذا تقف هنا.. في بداية الشارع، وأمام البنك المركزي، ويدك اليمنى تؤشر عليه.. والأخرى على جيبك ؟ ألا تدري إن جيبك الأيسر ثقبته إحدى شظايا الحرب، فهو فارغ دائما!.
َمطَ شفتيه، نظًف بنطا له من الترابِ.. التفت إلى التمثال، وبأسلوب الأمر قائلا:ـ
ــ قف، مكانك.. إياك أن تبرح هذا المكان، ألتفت ببطيء.. مشيرا له بالسبابة.. وعينك على الجماعة ّ!.
اجتازه بتثاقل، واضعا كلتي يديه خلف ظهره، آلا لام،، حازَ عليها بامتياز من نقل صناديق العتاد،من مخازن الشعبية، طوته السنون كطي السجل... صفعته، رياح شرقية محملة بالرطوبة، وبخار شط العرب المنبعثة من مخلفات النفط، والطحالب، ترك لشفتيه سحب الدخان ونفثه.. بعد خطوات، انتصب للاستراحة، نظر إلى أماكن التماثيل،التي أزيحت من مواقعها، أخذ يعدُ منصاتها، وهي تؤشر بأصبعها إلى الشرق أو الجنوب الشرقي، سأل ما هو السبب.. ترك الإجابة،واستمر بالسير.. قاطعه أحد المصورين:ــ
ــ صورة تذكارية.. أستاذ.. في مكان هذا الضابط، ستقف وأشر بإصبعك إلى ايُ اتجاه تريد ؟ نظر إليه بدون اكتراث وهو يتمتم بكلمات غير مسموعة، تابع سيره، وعيونه تتجول بكل الاتجاهات، قال لنفسه.
ــ تغيير واضح على الأرض،كما هو على الورق، لفت انتباهه أحد القصور وقد تم إعادة بناءه على طريقة الشناشيل الذي أصبح متحفاً، للتاريخ الطبيعي، وصل إلى مكان، استراحته الثانية... كشك لبائع الشاي وقد احتل احد أماكن التماثيل.. أما هو، اتخذ من احد المقاعد ( ألكونكريتيه ) ليريح جسده.
ـــ من فضلك شاي نصف سكر، سحب سجارته، نقرها على إصبعه الإبهام، فركها بين السبابة والإبهام، ليسهل تدخينها، كَوّرَ عينيه محدقا في الأفق البعيد، تجول بهما على ضفتي شط العرب.. حركة رتيبة، إلا من بعض الزوارق البخارية الصغيرة، وبعض الصيادين، حتى المياه استقرت، أخذت تضرب الجرف الرملي بما يحملها من علب فارغة، ومخلفات البواخر،بأمواج خفيفة متباعدة.. حدًث الشط قائلا:ــ
ـــ حتى أسماكك هجرتك، وطعم مياهك تغيرت،حاول أن يقوم أحس بألم الظهر قد أخذ منه مأخذه، كبت ألمه،انتصف الطريق انتابه شعور، إنه لن يكمل جولته المعتادة، وقف ليحدد نصف الطريق، نظر إلى السياب من بعيد، وهو يرفع يده نحو المدينة قائلا:ــ
ــ أنت الوحيد الذي ظلَ واقفاً في مكانهُ ُ.. وعشرات ذهبوا،وستبقى تحكي تاريخ المدينة، وكلماتك هي الدليل على بداية الشارع.. ( الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام..........!! ).
قفل راجعا يحمل على ظهره تعب السنين وهو يحكي حكايات مرت......؟.
- آخر تحديث :
التعليقات