فوجئت بخبر وفاتها رغم علمي، ان قلبها كان يزامن خفقانه بفترات متباعدة ممزوجة بالالم. لم يكن امامي اي حل الا ان اقود سيارتي من برشلونة الى مقبرة صغيرة جنوب مدريد.. وبسرعة كي اصل مراسيم الدفن والتأبين. وصلت في الساعة الخامسة، حيث غامت الدنيا، وتذكرت الساعة المشؤمة، ساعة رثاء quot;لوركاquot; الصديقه ldquo;سانجيث ميخياسrdquo; في الخامسة بدأ الثلج احتفال تناثره قليلا، ليزيد بشكل غريب حينما هبط نعش ldquo;ناثرةrdquo; في عشها الطيني الابدي، وأنتثرت قشور الثلج الابيض كما زهور الياسمين الدي كانت تعشقه الفنانة، وقبل ان نضع التراب على نعشها كان هدا قد امتلاء ورد الياسمين، وصار مسكنها الاخير ناصع البياض كما كانت روحها، بين عدد من الفنانين العراقيين الدين وصلنا على وقت. جودت حسيب. عبد الحسن البصري. وجودت حبيب. ومنير حنون. حيث ارتجلنا قصائد ونثرا لرثائها.
دفنت في الغربة فنانة عراقية اصيلة، رغم كونها من جيل الرواد التشكيليين العراقيين في منتصف الخمسينات، اعتقد ان الكثير من مؤرخي الفن العراقي الحديث. لم ينصفوا دور الفنانة rdquo;ناثرة ال كتابrdquo; سوا ء بسهو او بعمد، لاادري فهي عاصرت كل الحركات الفنية وارتبطت بالعديد من التجمعات الفنية. التي تأسست بين ldquo;جواد سليم ldquo;و ldquo;فايق حسنrdquo; وأخرون: وهي كانت شاهدة ومساهمة في أهم أحداث الفن والثقافة العراقية مند منتصف الخمسينات. الى حد هجرتها الاخيرة من ldquo;بغدادrdquo; في نهاية السبعينات، حيث لم يعد هناك مكانا ldquo;لتنورrdquo; طينها وخزفها. كما العشرات من مثقفي ldquo;عراقrdquo; انذاك، اختارت الهجرة تاركة فرنا للفخار، وبضعة اشجار، وأزهار حيث جف وتيبس طين ldquo;الدجلةrdquo; الذي كان مادتها الاولية في محاكاة المفردات الخزفية الاولى عند ldquo;العباسيينrdquo;ونمنمات ldquo;قاشانيةrdquo; بزرقة غرابة الغروب في بغداد، اقصد زرقة قبة ldquo;المحطة العالميةrdquo;التي على ارصفة قطاراتها كنا نبتعد المسافات. بعضنا شمالا. والاخرون غربا. وبعضهم شرقا. .
كانت ذات حيوية عجيبة، رغم سنوات الغربة وعذاب البعد ولم تترك ابدا شرطها كفنانة خزافة. وتشكيلية. ورغم صعوبة شروط عملها الفني كانت نموذجا للنشاط والبحث الدؤوب اينما كان. فهي لم تترك المساهمة في اي معرض للخزف والسيراميك، تقود سيارتها القديمة محملة طين الخزف، وموضوعها الابدي. ldquo;العراقrdquo;اقصد هنا عراق الطفولة والالوان ، وrdquo;بغدادrdquo; الحنينrdquo; والطين لتثبت حضورا ذاتيا في غربة زمان ومكان معا.
احزننى موتها ربما يجعلني متحيز الرثاء، فهي التي حورت اسماء اطفالي الى اجمل، والى الان نسمي ابني ldquo;ساميrdquo; سمسم. وهي كانت تزرع حديقتي و تغير اماكن الاشجار الصغيرة وتزرع بدورا جديدة دائما مع ldquo;عيسىrdquo; ومن يعرف عيسى يعرف الطيب والود. .
الان هو حزني الشخصي اولا، وبعده حزن فقد فنانة ومربية لم تترك ولا لحظة شرطها كدالك. فخلال ربع قرن حينما كانت تزورنا كانت تأتي الزهور. وتأخذ ورودا من الغابة المجاورة لبيتي لتزرعها في حديقتي. . بأسماء لاتينية بالطبع.
وهدا كان همها اليومي ldquo;خلودrdquo; الالوان فمن الطين كانت تخلق الوانا عجيبة، التي هي افضل الوانها. أتذكر كثيرا كيف كانت تقف امام أحدهم في الاسواق الحرفية في برشلونة، للتمعن في لون اقراط وقلادات رخيصة، فقط بسبب شدرية الوانها وغرابتها. . والزرقة الابدية وانا كنت اشكو تبديرها البسبط هذا. متأخرا عرفت حبها لتلك الالوان.
هي كانت تبحث طين وغريان دجلة والفرات ، كانت تذهب حذر الانهر المنسية، الضائعة في عمق اسبانيا، وحين تسمع أحدهم يتحدث عن طيبنا نظيفا قليل الملح في جانب نهر ما ، كانت ناثرة لا تضيع فرصة بحثها الطين. rdquo;طين الطيبrdquo;حيث صعوبة اللقاء.
في مقالتي الاخيرة فى ldquo;ايلافrdquo; كنت قد تحدثت عن تأسيس ldquo;جمعية الفنانبن التشكيليين العراقيين ldquo; وذكرت ان لهذا فصلا اخر ، كنت قد كتبته ، ولكن رحيل ldquo;ناثرةrdquo; يجعلني اسرع في كتابة بعض التفاصيل التي لم اذكرها في مقالتي الاولى، وأهمها هو كونها كانت استاذة المادة الفنية في كلية ldquo;الملكة عاليةrdquo; التقت الملك الشاب الذي افتتح معرضا فنيا في ldquo;نادي المنصور ldquo;1957، وطلبت منه وجها لوجه. ان يعين هده الجمعية التي تأسست قبل سنة وليس لها مقر ولابناية. . الفنانة ldquo;ناثرة ال كتابrdquo; لم تقل ابدا ان تبرع الملك بقطعة الارض تلك امام مدينة المنصور لبناء مركز ldquo;الجمعيةrdquo; كان بسبب الحاحها على عاهل العراق الشاب حينداك. . ولانني على يقين من تواضعها الحديث عن تلك الايام، متأكد ان لكلماتها كان له اثر عليه ، حيث لو عدنا كل تلك التواريخ سنجد ان الملك الصغير استمع