عبد الجبار العتابي من بغداد: ما زال مسرح الطفل في العراق يعاني الاهمال الكبير من قبل القائمين على المؤسسة الفنية التي ينتمي اليها، ولا زال المهتمون بهذا المسرح يبذلون جهودا ذاتية من اجل الارتقاء به والمحافظة على كينونته، ولكنهم يؤكدون عدم استطاعتهم وحدهم عمل ذلك، دون مؤسسة تقف وراءهم وتدعمهم، ومن هنا.. طالما يجدون انفسهم يعانون من الاحباط والحزن ومن الاستغراب ايضا لعدم التفات الجهات الجهة التي ينتمي اليها مسرح الطفل الى واجبها حيال ذلك.

فقد ابدى المخرج حسين علي صالح، المتخصص بمسرح الطفل، دهشته من عدم الاهتمام بهذا المسرح المهم والخطير، ومشيرا الى ان واقع الحال المؤلم، اذا ان المهرجان الذي كانت تقيمه الدائرة قد إلغي منذ سنتين، وانه حتى حين سافر مع فرقته على حسابه الخاص وجاء بجائزتين مهمتين من مهرجان مهم لم يعر لهم احد انتباها، فقد شاركت الفرقة الوطنية للتمثيل بالتعاون مع فرقة مسرح بغداد بمسرحية (أليس في بلاد العجائب) تأليف الكاتب الانكليزي لويس كارول، اعداد واخراج حسين علي صالح، تمثيل قحطان زغير، صادق عباس، آلاء نجم، ريهام الشواك، احمد محمد صالح وعلاء قحطان.

* ما طبيعة هذه المشاركة؟
- هذه الدورة هي التاسعة لمهرجان اصيلة الدولي، سميت بـ (دورة فرنسا) لان ادارة المهرجان تسمي كل دورة بأسم دولة وتكون مدعومة من قبل تلك الدولة، وشاركت في المهرجان دول مثل مصر، السعودية، الامارات، عمان، المغرب، فرنسا، العراق واسبانيا، وكان حضور العراق مميزا والعرض العراقي شكل انطباعا جيدا عند الجميع، حتى ان الوفدين الاماراتي والسعودي طلبا منا (سي دي) العرض لاهمية العمل، وقد حصل العراق على جائزتي التمثيل، حيث حصل الفنان صادق عباس على جائزة افضل ممثل للكبار، وحصلت الفنانة آلاء نجم جائزة افضل ممثلة، وكان من الاهمية للعرض ان حتى الاعمال التي عرضت بعد عرضنا استفادت من القطعة الديكورية التي نصبناها نحن سينوغرافيا المكان التي اشتغلنا عليها قام بالاشتغال عليها البعض في تقديمه عروضه، وفرنسا شاركت بعملين احدهما حصل على جائزة افضل عرض متكامل وهو يستحق بجدارة، والعرض الثاني مخرجه اسمه لويس، بعد انتهاء العرض العراقي ووقف امامي بوجود كادر عملهم وعملنا، مع مترجم من المغرب، رفع قبعته وانحنى لي وقال اقف اجلالا امامك، انت كبير، انت قوي، انت مختلف، هنيئا لكم بهذا العرض، واحتضننا جميعا وقبلنا، كما تم اختياري انا والفنان قحطان زغير، عضوين ضمن المؤسسين لمركز يسمى (المركز العربي الاوربي للمسرح والطفولة) أسس في مهرجان اصيلة، وستكون له اجتماعات دورية من قبل الاعضاء الذين تم اختيارهم لعقد جلسات في اسبانيا وفرنسا.ولكن.. هذه الصورة الرائعة تؤذيها صور اخرى.

* هل يمكن توضيح ملامح الصورة الاخرى المؤذية؟
- يحز بأنفسنا عندما تأتي دعوة من هذا النوع لكي يشارك العراق، لا نجد من يستقبل الدعوة هذه بشكل جميل، بل انه لا يأبه بها، ونجد هناك من يدعمنا وهو ليس له علاقة بالامور الفنية ويدعم ان يشارك وفد عراقي بمحفل دولي مهم، بينما نبعث الى وزارتنا،وزارة الثقافة، ان توفد هذا الوفد بدون اي مقابل مادي، ونتفاجأ ان الوزارة تعتذر، فيما كان الوفد قد سافر وحصل على جائزتين مهمتين وبحضور السفير العراق هناك الذي احتفى بالوفد بعد ان قطع مسافة طويلة من مدينة كازابلانكا التي تبعد عن مدينة اصيلة بـ 300 كيلومترا، وارتفع العلم العراقي على خشبة المسرح وحضرت الجاليات العراقية في مدينة طنجة واصيلة واحتفوا بالوفد العراق، تصور ان الرد السلبي للوزارة جاء بعد ان احرزنا نجاحا.

* ألم تكن الوزارة تعلم بهذا المهرجان؟
- كانت تعلم بالطبع، وقد بعثنا بكتاب من دائرة السينما والمسرح من اجل ايفاد الفرقة المسرحية للمشاركة في المهرجان، وكنا ننتظر الموافقة فقط، ولكننا لم نحصل على هذه الموافقة حتى مع طلبنا بعدم دفع الوزارة لاي مبلغ لنا، وسافرنا على حسابنا الخاص، ولكن تذاكر السفر كانت مدفوعة من قبل وزارة الشباب والرياضة مشكورة.

* ما سر عدم الاهتمام هذا بمسرح الطفل على الرغم من اعتراف الكثيرين بأهميته؟
- انا متفاجيء جدا من هذا الاهمال، فمسرح الطفل يعد من اهم المسارح،واساس بناء المسرح ان تكوّن قاعدة صحيحة ورصينة من خلال الطفل حتى تكون لديه تربية مسرحية صحيحة وتنضج افكاره وتنميها، ولكن ما نلاحظه انه لا يوجد اي اهتمام من قبل المؤسسات الفنية او الجهات المسؤولة بهذا المسرح المهم، حيث لم يقم منذ سنتين اي مهرجان لمسرح الطفل في العراق، وهذا انا اعتبره حدثا خطيرا، فلماذا هذا الاهمال، ولماذا عدم الاهتمام بالطفل وبمسرح الطفل.

* هل تعتقد ان الاموال غير متوفرة لذلك؟
- اذا كان الموضوع موضوع اموال فالاموال موجودة والجميع يقر بوجودها في الوزارة او دائرة السينما والمسرح ولكن الى حد الان لم يرصد اي مبلغ لمسرح الطفل، والمبادرات نحن نقوم بها المختصون بمسرح الطفل، مبادرات شخصية، وكم طالبنا ان نقدم عروضنا في المدارس بدون اي مقابل، ولكن لا اهتمام بهذا الموضوع، يبدو ان الموضوع متعلق بضعف الادارة او اهمال من قبلها والتي يمثلها الان الفنان مازن محمد مصطفى الذي يدير مسرح الطفل في الدائرة، لم اجد اي اهتمام ولا اشعر بأي تحرك باتجاه مسرح الطفل، مع العلم اننا وضعنا خطوات كبيرة وراكزة والكل يشهد للعروض العراقية لمسرح الطفل.

* هل تعتقد ان الاهمال مقصود ام خلل جزء ضمن خلل عام؟
- انا لا اعتقده مقصودا، بل اعتقده ضمن الخلل العام، هو اهمال ليس الا، لان الجميع يعتقد ان مسرح الطفل بسيط وسهل، ولكنه على العكس تماما انه مسرح مهم وكبير وليس من السهولة ان يأتي اي شخص ويستطيع العمل بمسرح الطفل، البعض يستسهل الموضوع، وانا استغرب من هذا الاستسهال، فأختيار النص صعب جدا، اختيار المفردة، اختيار العرض، اختيار الممثل الذي يعمل للطفل مهم جدا، كل هذا يؤكد انه ليس من الهين ان اي كان يقدم عملا مسرحيا للطفل.

* هل صعوبة انتاج مسرحيات للطفل يدعو الدائرة الى عدم دعمه؟
- هذا ليس مبررا لكي يهمل بهذا الشكل، فالدائرة من واجبها ان تقدم اعمالا للطفل وللكبار واعمالا تجريبية وشعبية، ونحن عندما توزعت الفرقة القومية للتمثيل وصارت هناك الفرقة الوطنية بأقسامها المتعددة ومنها مسرح الطفل كنا نعتقد ان الانجاز سيكون اكبر، لان هناك صار تخصص، ويجب على كل فرقة ان تقدم عملا، ولكن الى حد الان الفرقة الوطنية قدمتاعمالا وفرقة الرواد قدمت اعمالا، ولكن فرقة الطفل عاجزة على ان تقدم اي عمل.

* ألم تسألوا لماذا غاب المهرجان الخاص بمسرح الطفل؟
- نعم.. اقيمت عدة دورات وحصلت على عدة جوائز، ولكنني لا اعرف حقيقة السبب وراء هذا، وانا ممستغرب لذلك، وعندما نسألهم يقولون لا يوجد دعم، ولا اعتقد ان الدعم يأتيك وانت جالس، على الادارة ان تتحرك على جهات معينة لها علاقة بشؤون الطفل وثقافته، مثل اليونسيف او دار ثقافة الاطفال وحتى وزارة الثقافة نفسها، او اي جهة تعمل في هذا المجال، ومن الممكن حصول تعاون معها، ومن ذلك منظمات المجتمع المدني التي اكثرها لها اهتمام بالطفولة، ولكن لا يوجد اي تحرك من قبل الادارة المسؤولة عن مسرح الطفل بشكل جدي وفعال.

* لماذا لا تحاولون انتم مخرجو مسرح الطفل الى ايجاد مكان خاص بكم او مسرح في مكان ما وتعرضون اعمالكم اسبوعيا او شهريا؟
- اين نعرضها؟، فالمسرح الوطني محجوز للعروض الشعبية بعد ان تم استئجاره لهذا الغرض، ومسرح (الفانوس السحري) تابع لدار ثقافة الاطفال، ونحن كأشخاص ومخرجين لا يمكن ان ننسق معها، فنحن تابعون لفرقة، لدائرة، وهذا التنسيق لابد ان يكون من قبل الدائرة، والمفارقة ان الدائرتين تابعتان لوزارة الثقافة، ولكن لا يوجد بينهما تنسيق، وهذا شيء مضحك.

* الى متى تبقون تعملون بجهود ذاتية؟
- انا بالنسبة لي سأبقى اشتغل بجهود ذاتية الى ان ينقطع نفسي ولن اتخلى عن مسرح الطفل، لانني اعتبره مشروعي، والحمد لله حققت فيه انجازات، ووجدت نفسي فيه وحققت حضوري، وانا مستمر ولله الحمد.

* هذه الاشكالات والصعوبات الا تشكل لك احباطا؟
- بالتأكيد يحدث احباط ولكن عندي اصرار قوي والحمد لله، ومصمم على ان استمر، واعضاء المجموعة التي تشتغل معي انا احسدهم على صبرهم، وقد تحركنا على جهات ما لها علاقة بالفن ولا بالثقافة، احيانا نذهب الى مسؤولين او وزارة الشباب، ووجدنا من يدعمنا ومن يوصلنا الى المكان الذي نريد ان نذهب اليه.