رشيد طارق: ان اهمية بنديتو كروتشة 1866-1952 تكمن في تصديه الفلسفي الاصيل لمفهوم الفلسفة مقابل مفهوم العلم، وفي المقارنة والمطابقة بالتالي بين الفن والتاريخ، وبين التاريخ والفلسفة. بل ذهب الى انّ تمثيل الفلسفة للحقيقة هو مايجعل الواقع العياني هدفا فلسفيا، وليس الفائدة العملية كما هو الحال في غايات العلم. وان توسط نظرته بين المادة والروح، هو الذي ألصقَ بفلسفته صفة المثالية بعد ردح طويل من تاريخ الفلسفة التجريبية.
من ناحية التطور الفكري يظهر كروتشة، الفيلسوف الايطالي، مثل نموذج للتحول في السيرة الفلسفية المتحررة من اي ضغط عدا البحث عن الحقيقة والاخلاص المتنور لهذا البحث ولا يعد هذا ضغطا. ثم شعوره بالمسؤولية السياسية للفيلسوف، وهذا ايضا من اوجه اصالة الفلاسفة، فتحوله من ماركسي الى وطني- بالمعنى غير الضيق- حتى استقلاله عن الحزب الذي رعاه ndash; حزب الليبراليين - ثم اعتبار الايطاليين له رمزا لقوة الوطنية السلمية في اثناء حكم موسوليني واخيرا رفضه الترشح لرئاسة الجمهورية وتفضيله لحياة الفيلسوف / المثقف على النشاط العملي للسياسة، كل ذلك يعطي الانطباع الكافي عن فيلسوف لا يستطيع فكاكا عن اصالة الفكر المرتبط بـ quot;الروحquot;،هذه الكلمة التي لعبت ايما دور في نظريته الجمالية. ان كتاب الدكتورة افراح لطفي عبدالله: quot;نظرية كروتشة الجماليةquot;، هو فعلا كتاب في النظرية الجمالية وليس سردا لحياة الفيلسوف فحسب، ومن هنا سيتصل القارئ بمفاهيم اساسية متعلقة بالجمال ونظرياته منذ كانط وهيغل وشوبنهاور وبرغسون..الخ..
وستسهر المؤلفة على التركيز على نمو المصطلح وتفرعاته، في بحث يختلط فيه البحث الجمالي الصرف مع الفائدة العملية، وفي فنون تتفاوت علاقتها بالروح من خلال الوسائط، الا ان المؤلفة خرجت على نحو اكاديمي مستند الى مراجع عن الموضوع، اضافة الى عدد من الاعمال الاصلية للفلاسفة المعنيين، خرجت بنتائج تسمح للقارئ بالتعرف على الخلايا الفلسفية الحية لموضوع ليس سهلا، فحين نكون قد انتهينا من قراءة الكتاب، نشعر انه بامكاننا ndash; اذا رغبنا ndash; ان نمر بالانتظار الفلسفي، دون ان نشعر بضياع الوقت.
الكتاب يقع في 300 صفحة. ويعاني في اكثر من موقع، وهذا مما يؤسف له في كتاب يستحق العناية، اعاني من سوء الخدمة الطباعية العربية يضاف الى هذا المشكلة الشائعة في اغلاط التحرير اللغوي التي قد تؤدي الى افساد قصد الكاتبة او عدم الثقة باحد جوانب التاليف.