إيلاف من دبي: في كتابه "الهوية الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة: بين خصوصية الثوابت والقيم وعالمية المعايير"، يقدم جمال سند السويدي دراسة تحليلية معمقة تسلط الضوء على الهوية الوطنية الإماراتية، مستعرضًا قدرتها الفريدة على التوفيق بين الإرث الثقافي العريق والانفتاح على المعايير العالمية.
هذا العمل يعيد تأصيل مفهوم الهوية في عصر العولمة والثورة الرقمية، ويبرز كيف استطاعت الإمارات بناء نموذج متوازن يجمع بين الثبات والتطور، وهو ما يميّز تجربتها عن غيرها من الدول.
يرى السويدي أن الهوية الوطنية الإماراتية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تاريخ ممتد عبر القرون، ساهمت فيه العادات والتقاليد المشتركة، الروابط القبلية، والدين الإسلامي. ويؤكد أن تأسيس دولة الإمارات عام 1971 على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، كان نقطة تحول فارقة ساهمت في توحيد كل هذه المكونات ضمن هوية وطنية جامعة. يستشهد الكاتب بمقولة الشيخ زايد: "إن المصير واحد، ما فيه مصير لإمارة ومصير لإمارة أخرى... إن المصير واحد، والحرص واحد، والمصلحة واحدة"، ليبرز كيف كانت الوحدة الوطنية ركيزة أساسية في بناء المجتمع الإماراتي الحديث.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول رئيسية تُقدم رؤية شاملة حول مفهوم الهوية الوطنية ومراحل تطورها. في الفصل الأول، يعيد الكاتب تأصيل الهوية الوطنية نظريًا، حيث يناقش مستوياتها المختلفة، ويطرح أسئلة مهمة حول كيفية الحفاظ على الخصوصية الثقافية في ظل العولمة. يرى السويدي أن الهوية الوطنية ليست مجرد شعور بالانتماء، بل هي نتاج تفاعل مستمر بين الأفراد والمجتمع، ووسيلة لتحقيق التماسك الاجتماعي ومواجهة التغيرات المعاصرة.
في الفصل الثاني، يستعرض السويدي النظريات الحديثة المتعلقة بالهوية الوطنية، ويركز على ثلاثة نماذج رئيسية: الليبرالي، الجمهوري، والجماعاتي. من خلال هذا التحليل، يوضح كيف استطاعت دولة الإمارات توظيف مزيج ذكي من هذه النماذج لبناء هوية وطنية قوية، تتماشى مع طموحاتها التنموية دون المساس بثوابتها الثقافية. كما يربط الكاتب بين الهوية الوطنية والتنمية السياسية والاقتصادية، مشيرًا إلى أن تحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع يعد مفتاح نجاح أي هوية وطنية.
في الفصل الثالث، ينتقل الكاتب إلى التحديات المعاصرة التي تواجه الهوية الوطنية الإماراتية، في ظل العولمة والثورة الرقمية المتسارعة. يعرض السويدي تجربة القيادة الرشيدة في مواجهة هذه التحديات، من خلال المبادرات التي ترسخ مفهوم المواطنة وتعزز الولاء والانتماء. ويرى أن الإمارات نجحت في خلق بيئة تحتفي بتنوع الثقافات وتعزز التسامح، مع الحفاظ على القيم الإماراتية الراسخة.
يشير الكاتب إلى أن مقومات الهوية الوطنية الإماراتية تتجلى في مجموعة من العناصر، أبرزها التسامح والتعايش السلمي، اللذين جعلَا من الإمارات نموذجًا عالميًا للانفتاح والتنوع الثقافي. كما يؤكد على دور الدين الإسلامي كركيزة أساسية في بناء القيم المجتمعية، واللغة العربية باعتبارها رمزًا للهوية الثقافية. ويلقي الضوء على دور القيادة في تعزيز الهوية الوطنية، خاصة جهود الشيخ زايد الذي نجح في تحويل الولاء من القبيلة إلى الوطن، ليجمع المواطنين تحت مظلة واحدة تتسم بالوحدة والتلاحم.
لا يغفل السويدي أهمية التربية الوطنية في تعزيز الهوية لدى الأجيال الجديدة، معتبرًا أنها استثمار استراتيجي يضمن استمرارية هذه الهوية في المستقبل. ويرى أن المؤسسات التعليمية تلعب دورًا محوريًا في غرس القيم الوطنية، من خلال تضمينها في المناهج الدراسية وإطلاق مبادرات تستهدف تنمية الوعي لدى الشباب.
في ختام الكتاب، يؤكد السويدي أن تجربة الإمارات تمثل نموذجًا فريدًا يجمع بين الخصوصية الثقافية والمعايير العالمية. بفضل رؤية قيادتها الرشيدة، تمكنت الإمارات من مواجهة التحديات برؤية مستقبلية تجمع بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر، وتسعى إلى بناء مستقبل مستدام للأجيال القادمة.
الكتاب يقدم قراءة ضرورية لكل من يسعى لفهم الهوية الوطنية في عصر يتسم بالتغيرات المتسارعة، ويكشف عن تجربة ملهمة لدولة جعلت من هويتها عنصر قوة في مواجهة العولمة.
التعليقات