يجب التوقف أمام ثلاث نقاط وسؤال تختص بالشعر والإنسان معاً قبل أعطاء رأي في ديوان الشاعرة البحرينية فاطمة محسن( أسقط منك واقفة)، وهذه النقاط والسؤال هي:

أولا- يعرف الإنسان اجتماعياً:أنه كائن ناطق، ويُعرَّف الإنسان أدبياً: أنه كائن رامز، والرمز أرقى لغة من النطق.

ثانياً- و يُعرف الشعر:بأنه عمل اجتماعي يتفاعل فيه الشاعر مع مجتمعه ويظل محتفظاً بالتأثير الذي يمارسه في المجتمع بما يملكه من وعي يُمكنه من التعبير والتأثير فيه، لكن دور الشاعر الآن تغير عما كان عليه في العصور الماضية، بل أن دوره قد أنحسر وأصبح دوراً تنويرياً بصورة غير مباشرة بعد أن كان في الماضي دوراً مباشراً ناطقاً باسم قومه مدافعاً عنهم ومحرضاً لهم للوقوف بوجه أعدائهم أو من يريد أن ينال منهم.

ثالثاً- يتفق فلاسفة الجمال على أن ليس للشعر موضوع محدد، فمجال الروح بأسره والحياة والعالم بكل ثرائهما يمكن أن يصلحا في لحظة موضوعاً للقصيدة، لذلك لا يصح أن نعد التراث الشخصي أو تراث الأمة التي ننتمي إليها على عظمته هو تراثنا الثقافي والشعري الوحيد، بل أن تراث الإنسانية كله هو تراثنا وثقافتنا انطلاقا من وحدة الإنسان في العالم ووحدة نظرته إلى الحق والجمال والقيم .

رابعاً- والسؤال هو:هل أننا نرى إمكانية لفصل العام عن الخاص على مستوى الأمنيات؟!

والجواب على السؤال :لا، لان هذه العوامل تتداخل مع بعضها ويؤثر بعضها ببعض وان اختلفت نسبة تأثير كل عامل من إنسان إلى آخر، فالعامل الاقتصادي والعامل الاجتماعي، الثقافي، الجغرافي، البيئة والمحيط، الديني، النفسي، الجنسي عوامل الوراثة الداخلية، عوامل الوراثة الخارجية وغيرها من العوامل كلها تؤثر على الإنسان وأن علينا أن نجعل تأثيرات هذه العوامل مجتمعة عن طريق العلم والدراسة أن لتوجه الإنسان لخدمة أخوانه من بني البشر وليس لاستغلالهم وسلب حقوقهم وإلغاء إنسانيتهم، كما يجب علينا الإحاطة بتأثيرات هذه العوامل مجتمعة عند دراسة أي عمل إبداعي أو إعطاء رأي فيه وليس الأخذ بتأثير عامل واحد وإسقاط تأثيرات العوامل الأخرى لان الدراسة ستكون غير كاملة وستكون نتائجهاغيرصحيحة. في البدء سأقوم بمناقشة عنوان الديوان (أسقط منك واقفة) فأقول أن عنوان الديوان قد اختارته الشاعرة البحرينية فاطمة محسن بعناية ودقة فائقة جاء نتيجة لدراسة، وقد يبدو العنوان للوهلة الأولى أنه مباشر ليس فيه من الرمزية شيئاً لكني أرى عكس ذلك لان السقوط ليس سقوطاً تحطيمياً يؤدي إلى الشلل والإعاقة بل هوسقوطاً سليماً على القدمين وهذا يقودنا إلى تعريف الشعر أنه عمل اجتماعي والى استمرار دور الشاعر بمجتمعه تأثراً بما يجري فيه وتأثيرا فيه في الوقت الحاضر بصورة غير مباشرة بالتنبؤ والتنبيه والتنوير لأنه لا يمتلك السلطة التي تمكنه من التغيّر كما يقول الشاعر نذير العظمة:

لو كنت أميراً يا وطني لاجتزت العتبة
لكني قصبة
تهتز بوجه الريح والشجر وجوه مكتئبة

هذا من جهة ومن جهة أخرى أن المخاطب ( في أسقط منك واقفة) هو الرجل، والرجل هو الواحد أو الجزء من الكل والكل هو المجتمع إذا أخذنا بفلسفة محي الدين بن عربي وبصورة أكثر وضوحاً( أن الجزء من البرتقالة يعني البرتقالة كاملة وان البرتقالة كاملة تعني الجزء منها أيضا )، وهذا يعني سقوطاً وقوفا على القدمين من الرجل ويعني الانسلاخ من مجتمع ذكوري ذي حكم شمولي لا يسود فيه العدل لأنه لا يقر للمرأة بالتحرر ولا في المساواة وكونها النصف الثاني للمجتمع الذي يقوم بإعداد أجيال المستقبل، لذا أرى أن عنوان الديوان جاء مؤكداً لدور الشاعرة المنبه التنويري في المجتمع ورسم صورة غير مباشرة لمجتمع آخر يسود فيه العدل تحقق المرأة فيه حريتها وتحصل على المساواة في الحقوق والواجبات وتأخذ دورها في بناء المجتمع وإعداد أجيال المستقبل وهذا هو مجتمع الحلم الذي تنشده الشاعرة الناتج عن معاناتها لما تحس فيه ولكونه لا يتحقق في الوقت الحاضر كما يقول الشاعر عبد الوهاب البياتي:
من يوقف النزيف؟
وكل ما نحبه يرحل أو يموت
ياسفن الصمت ويا دفاتر الماء وقبض الريح
موعدنا ولادة أخرى وعصر قادم جديد
يسقط عن وجهي وعن وجهك فيه الظل والقناع
وتسقط الأسوار.
أما نصوص الديوان فاني أجد أن هناك علاقة متلازمة بينها وبين عنوان الديوان فالنصوص هي الكل وعنوان الديوان هو الجزء، فالنصوص جاءت موضحة لعنوان الديوان والعنوان جاء موضحاً للنصوص، والنصوص أغلبها تهدف إلى هدف واحد في أغلبها وان تعددت صورها وتنوعت أُطرها والهدف هو خيبة المرأة في الرجل، والرجل هو الجزء والكل هو المجتمع (طبقاً لفلسفة محي الدين عربي)، وهذا يعني خيبة المرأة في مجتمع ذكوري ذي حكم شمولي لا يسود فيه العدل ولا تتساوى فيه المرأة مع الرجل وليس للمرأة فيه من حقوق، المرأة فيه لإمتاع الرجل وإشباع
رغباته الجنسية وللإنجاب للمحافظة على استمرار النسل وليس لها كيان بل هي تعامل كسلعة مجردة من إنسانيتها، الرجل هو الذي يحب والمرأة لا يحق لها أن تحب وإذا أحبت (حكم القانون عليها بالجنون)، والرجل هو الذي يختار المرأة زوجة له والمرأة لا يحق أن تختار رجلاً زوجاً لها وعليها أن تقبل ما يقرره الرجل ان كان أباً أو أخاً في اختيار زوجا لها، الرجل هو الذي يحكم ويتقلد الوظائف المهمة والمرأة ليس لها حق في ذلك لكونها امرأة، الرجل يشتهي وله حق التصريح(أشتهيك كالخبز كمراّتك حين ترحلين عنها) والمرأة ليس لها الحق في الاشتهاء كأنها ليست إنسانة تعامل على أنها مجردة من الروح، والرجل هو الذي يجب أن يستمتع و يصل إلى قمة اللذة والانتشاء أثناء العملية الجنسية ولا يهم إن لم تستمع المرأة ولم تصل إلى قمة اللذة والانتشاء .
نصوص الديوان كما قلت تمثل الخيبة في الرجل الذي هو الجزء تعبيراً عن الخيبة في الكل الذي هو المجتمع والخيبة تشعر المرأة بالوحدة والوحدة تؤدي إلى شعور بالحزن والحيرة:
قرّأتك فنجان قلبي
فكان لهيباً وكنتَ الصقيع
تبعت هواك كمنذورة بالجنون
يفاجئني البرد
وأحتار في اللهيب
وفي نص آخر:
أُلملم بين قوافل ظلك
فوضى الأغاني
وأكتب خمساً لعينيك بين الغيوم
وأرسم نافذة القمر
ولكن لماذا يحاورني الشوق وحدي
ويسكن في داخلي سندباد
وفي نص ثالث:
أشتهي خوف ذهابك المبكر
وأرمي بالوقت تحت ورق الماء
على سجادة السلوان والعفة
أفتح التأمل
أسقط من قلبي حبك الرمادي
ورقة
ورقة
ويمكن القول أيضاً أن النصوص لا تمثل تراث شخصي أو تجربة شخصية للشاعرة ولا للمرأة في بلد عربي محدد بل أن النصوص تتحدث عن أوضاع المرأة في جميع اليدان العربية ككل دون تحديد وان تحدثت بلسان امرأة واحدة لان الجزء يمثل الكل والكل يمثل الجزء وحتى النصوص التي جاءت جريئة فهي نصوص تنويرية ودعوة لحرية المرأة لنيل حقوقها بالتساوي مع الرجل لأنها تمثل النصف الثاني في المجتمع
ومشاركة الرجل بالقيام بواجباتها مع الرجل والتساوي معه الحقوق والواجبات، وليس هذا بجديد فقد شاركت المرأة الرجل منذ المراحل الأولى كمرحلة الرعي ومرحلة الزراعة وبعد تطور البشرية أصبحن النساء ملكات يحكمن ويتولين أدارة البلاد منذ أكثر من خمسة ألاف سنة كشبعاد ملكة سومر ونفر تيتي وسمير أميس وبلقيس وزنوبيا وغيرهن .
وأخيراً لابد لي من القول أن نصوص الشاعرة البحرينية فاطمة محسن كان بوحاً جميلاً بلغة شعرية امتلكت زمامها الشاعرة وسيرتها كما تريد ولا عجب في ذلك لان الشاعرة قد تخصصت بدراسة الأدب العربي واللغة العربية في مرحلة الدراسة الجامعية كما أن نصوصها كانت أكثر انفتاحا من غيرها لأنها أكملت دراستها الجامعية في بلد يعد من أكثر البلدان العربية انفتاحاً تتمتع فيه المرأة بحرية أكرمن
من غيرها في اليدان العربية الأخرى إضافة إلى ما أحدثته الثورة في مجال المواصلات مما سهل على الشاعرة الاطلاع على التجارب الشعرية في دول العالم الأخرى.