مرّت الذكرى العشرون لرحيل جبرا إبراهيم جبرا دون حسّ أو خبر. كأنّ رجل المهمّات الصعبة في المشهد الثقافيّ العربيّ . طوال نصف قرن. لم يترك أثراً، أو كأنّنا نحن مثقفي جغرافيا التيه مشغولون عنه بتيهنا وتوهاننا.
ترى ماذا لو كان الرجل حيّاً بيننا ما يزال؟ سأفترض هذا الفرض العابث، وسأبني عليه أنه كان سيغفر لنا. فهو (ويعرف ذلك كل من اقترب منه شخصياً) لا يلتفت لمثل هذه "الصغائر". ثم هو تعوّد الظلم حيّاً، فماذا سيضيره لو لاحقهُ ميتاً؟
لا ضرر ولا ضرار عليك يا أبو سدير. لقد أعطيتَ قُصاراكَ، وأسّست لثقافة الصحراء بعصرها الوسيط ما يربطها عميقاً وبهيّاً بأزمنة العالم الحديثة.
الضرر والضرار، في الحقيقة، علينا نحن ولنا نحن. وغيابك عن إعلامنا الثقافي وعن مثقفينا هو دليل آخر، ضمن مئات الأدلة، على خرابٍ يتقدّم ويتعمّم.
وطبعاً مدخل كهذا للحديث عنك، لن يروقك أبداً. مفردة "الخراب" هذه تغيظك أنت بالأخصّ، لأنك رجل التأسيس، فتّاح السكك والبنّاء، إلى آخره.
لذا سأطوي الصفحة، وأتكلّم (بتعميم ظالم) عن فتوحات فوق العادة، أصّلتك وستبقيك حياً إلى آجال قادمة مديدة.
فتوحاتك كروائيّ، فتوحاتك كناقد، فتوحاتك كمترجم.
أظنّ أنك تفوّقت على نفسك، في هذه المجالات الثلاثة، وكنت فيها رائداً بالمعنى التاريخي والإبداعي الخالص.
بالتأكيد جاء بعدك روائيون وتجاوزوك. لكن سنحتاج إلى جدل طويل، أدلّة وبراهين، حين نتكلّم عن ناقد أدبيّ أو مترجِم تجاوزك.
هل حقاً تجاوزك أحدٌ ما في هذين الحقلين؟
السؤال مفتوح.
موضوع آخر: ماذا عنك كفنان تشكيليّ هو مؤسّس الفن التشكيليّ الفلسطيني بامتياز واستحقاق؟
مَن انتبه لذلك؟ ومن معنيّ بذلك؟
سياسيّوك أبناء بلدك مع تابعيهم من المثقفين بدرجة موظف، لم تكن تعنيهم في شيء، لهذا لم يلتفتوا إليك سوى التفاتة رفع العتب، بتكريم عابر ضمن مئة مُكرّم، فضعتَ في الزحمة!
وطبعاً مخرج كهذا للمقال لن يروقك أيضاً.
فاغفر، أيها النبيل العالي، لأحد تلاميذك، أنه اكتفى بهذين السوءَين، ولم يصرخ..
&