بغداد:تشهد التماثيل والنصب الفنية في ساحات بغداد وشوارعها اهمالا واضحا لا يحتاج الى عين فاحصة للتعرف على تفاصيله، فهي في حال يرثى له، وتشير ملامحها الى ان احدا لم يمد لها يد الصيانة والاعتناء منذ وقت طويل، فيما مقترباتها تشكو من آثام كثيرة لا يمكن لها ان تضفي اي نوع من الارتياح عند الناظر، فصارت عبارة عن تلوث بصري كبير يسيء الى اي جمال، ان كان موجودا هناك.
الصورة التي عليها الان اشهر نصب في الشرق الاوسط تجعل الناظر يرثي لحاله، والغريب ان هذا الذي يمثل علامة من علامات بغداد الفارقة وهو (نصب الحرية) تساقطت قطع المرمر منه وبات مشوها في بعض اماكنه وهو الان آيل للسقوط،اما مقترباته فعبارة عن سيارات اسعاف ونجدة واطفاء ومرور ومسقفات لها، وكتلة من الحديد تقف امامه اصبحت مرتعا للاعلانات وتقف مثل حجر عثرة امامه، اذ لايمكن التقاط صورة الا وكانت ظاهرة بشكلها القبيح، وهي عبارة عن سور لمدخل يؤدي الى نفق التحرير المغلق امتلأ بالنفايات والمياه الآسنة، ونصب الحرية.. هو واحد من عشرات التماثيل والجداريات التي تعاني من زحف القبح اليها.

فقد اكد النحات طه وهيب على الفوضى الحاصلة لهذه الاعمال قائلا: ضمن فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية، قامت دائرة الفنون بإدامة 17 عملا نحتيا موجودا في ساحات بغداد عدا نصب الحرية الذي يحتاج الى شركة متخصصة عالية جدا، ولاهمية الموضوع تم التداول مع امانة بغداد وصار الموضوع الى تشكيل لجنة مشتركة بين وزارة الثقافة وامانة بغداد، وكان المقترح الاخير ان تأتي شركة ايطالية متخصصة بصيانة الاعمال الفنية المهمة، اما مقتربات التماثيل فلا اعرف المسؤول عنها، فهم يضعون قطعا او دعايات او دلالات تؤثر على التمثال او النصب الفني، وهي مسؤولية امانة بغداد، والمفروض ان يكون مكان الدعاية مكانا خاصا بعيدا عن التماثيل والنصب.
واضاف: اما جدارية الرازي للفنان ناظم رمزي في مستشفى فيضي فالبناية سيتم تهديمها، وكان لنا رأي كدائرة فنون، ان تنقل الجدارية الى مكان اخر لاهميتها، هناك لجنة مشكلة حول كيفية نقلها الى دار التراث الشعبي، ولكن السبب في تعطيل عدم التوصل الى طريقة لنقلها لانها مصنوعة من الموزاييك مثبت على جدار كونكريت ومن الصعب ذلك والدائرة الهندسية في وزارة الثقافة تدرس الموضوع مع مجموعة من الفنانين وان شاء الله يتوصلون الى حل، اما الجدارية في شارع المطار فالامانة لديها اقتراحات، فهي تتبنى هذا ونحن في دائرة الفنون نقدم استشارات فنية.
وتابع: الاعمال التي توضع في الساحات يجب ان يكون لدائرة الفنون رأي يتم تنفيذها لكي تعينهم بالمستوى المطلوب او بالفنان الذي يليق بالمكان لكي يكون منجزا محسوبا، فالصحيح الصحيح.. على كل من يريد ان ينفذ مشروعا يجب يستشير الجهة التي لها علاقة بالموضوع، كي نصل الى نتيجة صحيحة، وبما ان دائرة الفنون هي المختصة فمن المفروض مراجعتها قبل التنفيذ، ونحن نشد على ايدي كل من ينجز اعمالا فنية لتزيين الساحات.
اما النحات خالد المبارك فقد أشار الى عدة عوامل وراء هذا الاهمال، فقال: الاعمال النحتية ومنذ 2003 هي ليست بشي تذكر...الا الشيء اليسير هنا وهناك...وبالمقارنة مع الاعمال التي نفذت وفي فترة الستينيات والسبعينيات وحتى في الثمانينيات من القرن الماضي لاتوجد نسبة مقارنة...وهناك اسباب كثيرة..نعزيها لعدة عوامل تشترك فيها عدة جهات...نوجزها بما يلي: اولا ان الاعمال النحتية بما انها اعمال مكلفة وتحتاج الى تمويل وتبني على مستوى الدولة او مؤسسات ذات قدرة مادية واحيانا الى ممولين وتجار اصحاب ذائقة ووعي فني يساهمون بشكل وبآخر في المساهمة في بناء البنى التحتية لمشاريع فنية تجمل المدينة وتساهم في عملية البناء الحضاري والجمالي...وهذا الشيء غير متوفر الان...لان كل ماذكرته وحددته كجهات راعية ومهتمة بهذا الشآن غير متوفر...فالدولة لايعنيها هكذا اهتمام ومن خلال احتكاكي وتواجدي في الوزارة المعنية بهكذا مشاريع...فهي تهتم بامور اخرى لها مساس بالجانب المنفعي الشخصي...وليس بما يخص النحت والنصب والجداريات...فالدائرة المعنية..وبالتحديد دائرة الفنون معزولة عن الدوائر الاخرى وهنالك تجاوزات كبيرة عليها من قبل مؤسسات اخرى...فالثانية تخطط وتتفق وتنفذ...الاعمال..وهناك تظهر بين الحين والاخر اعمال هزيلة تنتسب للنحت والنصب...وكما نشاهد ونرى وهذا معيب ليس على المستوى الفني بل هو تجاوز على المدينة وجماليتها...وليس التقصير مقتصر على المعنيين في وزارة الثقافة فقط بل ان المسؤولية يشترك فيه جمعية التشكيليين ونقابة الفنانين...ايضا، فهناك اعضاء ارتباط موجودين كممثلين في امانة بغداد وفي مجلس محافظة بغداد.
من جانبه اكد الناقد صلاح عباس، رئيس تحرير مجلة تشكيل، على الاهمال الواضح، فقال: في العقد السابع من القرن الماضي كانت بغداد عبارة عن متحف كبير، فالشوارع والمباني وواجهات الوزارات، كانت تحظى بقدر مميز من الاعمال الفنية لكبار الفنانين العراقيين نذكر منهم الراحل اسماعيل فتاح الترك والراحل محمد غني حكمت ونداء كاظم،ولكن بعد سنوات حرب عام 2003 اصاب هذه الاعمال الفنية والنصب والجداريات الكثير من الاهمال،واعتقد ان توجهات المؤسسة الثقافية اولت شيئا من العناية ولكنها اخفقت في بعض الاحيان،اذكر لك مثلا ان العديد من الاعمال الفنية طليت بألوان ذهبية بينما هي مصنوعة من مادة البرونز، وانت تعرف جمالية الاكاسيد على مادة البرونز حين يتعرض الى الاجواء المناخية كالمطر والحرارة فيتحول الى لون مهيب يضرب الى الاخضر والبني.
واضاف: هذه الاعمال التي تعد من الخوالد والنفيسة في تاريخ الفن التشكيلي العراقي المعاصر لاسيما جدارية جواد سليم التي الان يصيبها التصدع، الان يسقط منها مرمر التغليف وبحسب دراسات قدمتها احدى الجهات بأن هذا النصب آيل للسقوط، لذلك لا نجد الا ان نوجه دعوة للجهات ذات الصلة، امانة العاصمة، وزارة الثقافة ودائرة الفنون التشكيلية بأن تولي المزيد من الاهمية وتجري المزيد من الدراسات على هذه النصب قبل ان نندم عليها او نصل الى حالة مؤسفة جدا.
وتابع: بغداد.. فيها الكثير من التماثيل لشخصيات عراقية وفيها جداريات ونصب ولكن كلها مهملة، وللاسف ان الحديث عنها ربما يأخذ منحى اخر، ولا اريد ان اغامر في الكلام،ومن المؤسف ازاء هذا الاهمال نجد عمليات ارتجال مسؤولة عنها بعض الجهات ومنظمات المجتمع المدني او الثقافية والفنية التي وجدت بعد عام 2003 او حتى امانة العاصمة، لاقامة نصب وتماثيل لا علاقة لها بالفن، وليس هناك اي تنسيق بين وزارة الثقافة وهذه الجهات، وهناك تهريج على صفحات (الفيس بوك) بأنتقاد بعض النصب في بغداد والبصرة، وانا اراها شخصيا ليست اخفاقات واشجع النحت حتى لو كان على شكل دمى، لاننا نريد ان نشيع هذه الثقافة بدل ثقافة البكاء والنحيب، فهي ثقافة الدنيا ونحن بأمس الحاجة اليها، والفنان يعمل للدنيا، نريد فنا يبشر بالحياة بأية طريقة من الطرق ولكن ينبغي على المؤسسة الثقافية ان تجري مسابقات سنوية للنحت وفيها جوائز وان تقيم معارض وما الى ذلك لانها سترفد العملية الفنية بطاقات جديدة وستعرف بالفنانين وستبرز مستوياتهم الفنية المختلفة.