بغداد: اثار فيلم المخرج السينمائي العراقي هادي ماهود (سوق سفوان) اعجابا كبيرا عند جمهور المشاهدين اثناء عرضه على قاعة المسرح الوطني ببغداد، وقد تناول قضية خطيرة من قضايا المجتمع العراقي المعاصرة، بجرأة حسبت له لاسيما انها تتعلق بارزاق الناس، حينما كسر تابو الدين ووقف محتجا على الاقنعة التي يرتديها البعض، والغريب ان المخرج صور فيلمه بالموبايل، وهذا ايضا اثار فضول الكثيرين الذي توقعوا ان يشاهدوا صورة غير واضحة ومشوشة وان لا يسمعوا صوتا واضحا، لكن المفاجأة ان الفيلم اعلن عن تكامله وهو ما جعل الكثيرين يحيون المخرج ويرفعون له القبعات تثمينا لجهوده وتقديرا لاجتهاده.

هادي ماهود: كسر التابوات&
&& فقد أكد مخرج الفيلم هادي ماهود لـ (ايلاف) ان الفيلم كان تحديا، أوصل من خلاله رسالة مفادها أن الفنان الحقيقي لا تقف أمامه تحديات التهميش و انعدام التمويل، وقال: سوق سفوان فيلم وثائقي مدته 25 دقيقة صورته بالموبايل والأيباد، هو تسجيل لصراع بين باعة (سوق سفوان) من جهة والوقف الشيعي من جهة أخرى حيث بني هذا السوق وسط مدينة السماوة لبيع البالات والمواد& الكهربائية والمنزلية المستعملة والآثاث ويعتاش على هذا السوق نحو أربعمئة شخص وهو مركز لتسوق الفقراء وأصحاب الدخل المحدود وأصبح ملتقى للأصدقاء والمتسوقين وحدث أن طالب الوقف الشيعي بالسوق مستحصلاً أمراُ قضائياً بذلك لتهديمه وبناء جامع كما أشيع فينشأ صراع بين الباعة المتشبثين بمحلاتهم والسلطة التي تسعى لتنفيذ الأمر القضائي.
واضاف: أستغرق العمل في الفيلم نحو عام، وقد صورت السوق في مراحل متعددة من الصراع وكنت أحياناً أستعين بموبايلات الباعة لتصوير حدث هام عند نفاذ بطارية موبايلي أو عدم حملي للأيباد.
وتابع: الفيلم تسجيل لمشاعر الباعة في لب أزمة تتكسر فيها الحواجز فيعلن البسطاء عن ما تخبأه أرواحهم متخطين التابوات وما يوضع أمامهم من خطوط.
وأوضح: تتدفق الأحداث تلقائياً وببساطة تشبه بساطة شخوص الفيلم ولا تتعالى عليهم عبر تقنيات.. كاميرا الموبايل عمقت تلقائية الشخوص فالكاميرا الإحترافية تحولهم الى ممثلين أما الموبايل فسيضيع في زحام موبايلات الباعة أنفسهم ما جعل المتلقي يتفاعل مع التدفق الحاصل في الأحداث من دون أن يصطدم بإفتعال..
وأكد ماهود: كان الفيلم تحديا، أوصلت من خلاله رسالة مفادها أن الفنان الحقيقي لا تقف أمامه تحديات التهميش و انعدام التمويل أو عدم توفر المستلزمات الإحترافية في العمل، ما زلت أشعر بجرح في أعماقي كون فيلمي الروائي الطويل (في أقاصي الجنوب) أستبعد من أفلام بغداد عاصمة الثقافة لصالح أفلام شهد الجميع بانحدار مستواها الفني والفكري وحتى الأخلاقي..
واشار الى عرضه في المسرح الوطني قائلا: كان الحفل المتواضع لإفتتاح الفيلم أختبار أول للفيلم أمام متلقين متخصصين وكانت المفاجأة أنه كان مؤثراً جداً عبر ما أفصح عنه الجمهور بعنف وما أعقبه من كتابات نقدية مهمة لأسماء معروفة في مجال النقد والإخراج السينمائي.
وختم ماهود حديثه بالقول: قلت في ذلك الإحتفال أني أودعكم فربما هذه آخر مرة أقف بها أمامكم على هذه المنصة فقد وضعت أحلامي في حقيبة وسأعود الى المنفى بعد أن تعبت من البحث عن عراق عدت إليه ولم أجده..

صباح رحيمة: بضاعة عراقية صميمية
من جهته اكد المخرج والكاتب صباح رحيمة انه بضاعة عراقية صميمية، وقال: عرض علينا هادي ماهود بضاعته في سوق سفوان فيلما صوره بعدسة جهاز الاي باد وهي مغامرة اخرى من مغامراته التي اثبت فيها ان سوق الرسائل الثقافية لايمكن ان تحددها حدود التقنيات وانتظار ماهو آت ويقول بصوت عال: ها انذا اعرض بضاعتي في سوق الفقراء للفقراء وتحت تصرف الجميع عبر عنوانه ( wwماهود.com ) وعليكم ان تشاهدوا وتعيدوا البضاعة ان لم تساو ثمنها ولم تكن بآلات، كما عرض لنا في سوقه وانما بضاعة عراقية صميمية حازت على قبول ورضى المتبضعين الذين حضروا هذا العرض واشتروا بوقتهم وجهدهم مشاهدة ممتعة.
واضاف: الذي يحسب لصديقي هادي انه مجد في متابعة الموضوع في كل تفاصيله ولم يثنه صياح الشرطي او طلب هويته او منعه من التصوير لتسجل لنا كاميرتها تفاصيل عملية رفع هذا السوق من على وجه الارض والمبررات القانونية والاجراءات بكل مراحلها دون كلل او ملل ليكون بذلك قد حقق رسالة مفادها ان كل ما يجري مشابه لهذا الفعل سلبا او ايجابا فاسقط موضوعته على كل ما يجري في العراق بجرأة وصدق بل وبعفوية ابطاله الذين هم من طبقات الشعب كافة من البائعين والمشترين والسلطة والمراقبين.

احمد جبار: فيلم ملحمي
&
اما الناقد والاكاديمي احمد جبار فقد اكد انه فيلم ملحمي، وقال: إنشغلت مدونات نقد ما بعد الحداثة بالبحث والتنقيب عن مدلولات العتبات النصية التي تحيط بتخوم النص كبنية جمالية دالة بامتياز، وهذا ما يشكل موقف صانع العمل الفني من عمله أثناء فعل التشكيل الدلالي لانساق عتباته النصية، وبهذا يفتتح مخرج فيلم سوق سفوان التايتل بنص يبوح من خلاله على آلية التكنيك السينمائي التي أسهمت في تشييد صرح معماره السينمائي، حيث نقرأ مدونة كتب فيها باللغتين العربية والأنكليزية إن هذا الفيلم مصور من خلال عدسة الموبايل و الأيباد البسيطتين، وهذه إحالة هامة تمهد المتفرج للولوج الى عوالم سينماتوغرافية وثائقية رصدت خارج التقاليد المعيارية لانتاج العمل السينمائي، بعدها يظهر عنوان الفيلم " سوق سفوان " وهو عتبة تقريرية عن مكان ( إيقونة معروفة ) وبهذا يهيء المتلقي للحدث لأن كل منظرو جماليات المكان في الخطابات الفنية والأدبية يؤكدون على إقتران المكان وقيمته الدلالية بالحدث الذي يجري فيه، إلا إن مخرج الفيلم يركب زمن العرض على وفق ستراتيج يأجج من خلاله فعل التأويل لدى المتلقي، حيث ينفتح السرد في مستهل الفيلم على تحشيد عسكري و أمني ليلاً إستعداداً لفعل ما لا يكشف كينونته الفعل الدرامي للكاميرا وتحولاتها المونتاجية وهي ترصد لنا إستعداد هذا الجهاز الأمني الجاد.
واضاف: يشكل مخرج الفيلم بحنكة عالية نقطة إنطلاق الفعل الدرامي، معلناً عن صراح حاد بين قوتين التقابل بينهما محسوم لصالح القوة الثانية، فالاقطاب المتنازعة غير متكافئة بالقوى، وهذا مكمن التراجيديا التي رصدها ماهود من الواقع، رصدها كشاهد على الحدث، فالجهاز الأمني جهة تنفيذية لقرار قضائي هدفه تدمير سوق سفوان الذي جعلنا ماهود نتحسس كل موجوداته، ونتعاطف مع شخصياته من الداخل لتتجلى أمامنا ككيانات لا هدف لديها سوى الاستحواذ على خبزها اليومي.. وهذه جريمتها الكبرى، فهذه الكيانات يجب ان تعيش في عوز أبدي من منظور السلطة القضائية التي أصدرت أمر تدير المكان و إحالته الى جامع تابع للوقف الشيعي، في هذا المفصل يستعرض مخرج الفيلم عدد الجوامع والحسينيات في أروقة المدينة، نرى بيوتاً لا تمثل الله أبداً إنها محض إفتراء صاغته ايديولوجيا المركزية الشيعية التي تهيمن على هذه المدينة وتتحكم بمقدراته الاقتصادية.
وتابع: هكذا نكون أمام فيلم وثائقي يرصد وبحدة جمالية وبلاغية عالية دراماتيكية الواقع غير المتنبأ بها، كما يرصد وبوعي سينمائي عالٍ النبض الداخلي للشخصيات وهي تصارع جبروت السلطة بلا سلاح، سوى الصوت الذي فضح كل ما هو مكبوت ومقموع ومسكوت عنه في هذه المدينة، معلناً هذا الصوت عن تمرده وكشفه لزيف السلطة المتأسلمة التي تركت الأرهاب يستفحل في بلادها، محابرة البسطاء لتهدد كينونتهم الاقتصادية، وتهدم مستقبلهم، وتودي بحياتهم كمداً، هكذا نكون أمام فيلم ملحمي ينهض ببنيته الدرامية أناس من قاع المدينة.

مهدي عباس: نرفع له القبعات
&&& اما الناقد مهدي عباس،فقد اكد انه عمل وثائقي جميل يبقى طويلا بالذاكرة السينمائية وقال: استمتعت بمشاهدة فيلم وثائقي قمة في الروعة من مخرج دؤوب متحمس عاشق للسينما لم يدع بابا الا وطرقه لتمويل افلامه وحين اغلقت كل الابواب انتج فيلمه الاخير دون ميزانية مستخدما الموبايل لتصويره حيث قام بالتصوير والمونتاج بالاضافة الى السيناريو والاخراج.
&اضاف: الحقيقة انني كنت اتوقع ان اشاهد فيلما فيه مشاكل في الصوت والصورة كونه صور بالموبايل لكنني فوجئت بصوت واضح وصورة نقية..، منذ اللحظات الاولى يشدك ماهود الى عمله والذي يتحدث عن سوق سفوان وهو واحد من اسواق مدينة هادي وعشقه الابدي السماوة وكيف ان الوقف الشيعي مالك الارض حصل على قرار محكمة بازالة السوق من اجل بناء جامع !!، كانت احاديث العاملين في السوق في منتهى البساطة والجرأة والعفوية وهم يشكون ممن يحاول ان يقطع ارزاقهم،فهذا يقول لسنا بحاجة الى جامع فالجوامع كثيرة وبعضها لاتجد فيه اكثر من خمسة مصلين والاخر يدعو الحكومة الى محاربة داعش بدل محاربة الناس البسطاء وواحد ينظر الى صورة كبيرة لنوري المالكي ويقول له لماذا انتخبناك وانت لم تفعل شيئا لنا.
&&& وتابع:كثر من ثلث ساعة من الوثائقية الجميلة وكما قال ماهود انتظر انفاسكم وانتم تشاهدون الفيلم كانت انفاسنا انا والاصدقاء المخرجة دنيا حافظ والمصور عمار جمال ومدير الانتاج سعد عبدالله تشيد بالفيلم وبضرباته الجميلة التي كانت تمس القلب والضمير وكانت تعليقات اعجابنا وتصفقينا هي الدليل ,لم يترك ماهود نهاية الفيلم الا بضربتين سينمائيتين قويتين ,الاولى وفاة احد اصحاب المحال ربما كمدا والثانية ربط التهديم بالآذان كأنه اراد ان يقول ان مؤسسة دينية وبأسم الدين تقطع ارزاق البسطاء وتحرمهم من ابسط حقوقهم.
&&& وختم بالقول:سوق سفوان عمل وثائقي جميل يبقى طويلا بالذاكرة السينمائية ويؤكد ان هادي ماهود مخرج كبير لازلنا ننتظر من يسنده ليقدم فيلمه الروائي الطويل الاول،هادي ماهود نرفع لك كل القبعات.
&