صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر "كائنات العزلة: انطولوجيا شعرية شخصية" (126 صفحة)، وضعها الشاعر العراقي المقيم في باريس عبد القادر الجنابي. وهي انطولوجيا غريبة لم يفكر فيها أحد من قبل: إذ تبدو، أولا، كأنها ديوان شعري آخر للجنابي، وفي الوقت ذاته هي انطولوجيا لما كتب عن موضوع العزلة. إذ يستلها بتداعيات نثرية وبقصائد برقية كـ "لا أريد الوَحْدهْ/ تابوتاً يُؤويني/ بل العزلهْ/ حيث لا رابط يُغويني"، ثم بمقال تنظيري حول الرابط الصميمي بين العزلة والشعر تحت عنوان "مُنوَّعاتٌ على أوْتار العُزلة"، يوضح فيها مفاهيم عدة حول العزلة، ويبين فرقا رئيسا بين العزلة والوَحْدة، معتمدا على الفيلسوف بول تيليش الذي قال إن "اللّغة خَلَقَتْ كلمة وَحْدة loneliness للتعبير عن الألم الناتج عن الكون وحيداً. وقد خَلَقَت كلمةَ العُزلة solitude للتعبير عن رَوْعة أن تكون وحيداً"! وبعد هذه "المنوعات..."، واعتبارا من هنا يتكون الكتاب من فصلين الأول عنوانه: "ذوبي فيّ، اجْعَلي منّي شاعرَك"، والثاني "من أنت أيّتها العزلة"، فنقرأ في كلاهما قصائد وشقائق لشعراء كبورخس، نرفال، بودلير، هولدرلين، نيرودا، باث، كفافي، البريكان، دنقل، الماغوط، رفقة، درويش، بيضون، مخلوف، طهمازي، الملائكة الخ.&ومن الملاحظ أن اسم كل شاعر وُضِعَ بحرف صغير في نهاية قصيدته أو شقيقته النثرية، أما قصائد الجنابي فخلت من أي توقيع. وهكذا&يصبح الكتاب أشبه بموشور يتداخل فيه صوت الأنا بأصوات الآخر لخلق كلّ شِعريّ متماسك ومُتبنَّى من قبل المؤلف.&وكما جاء في كلمة الغلاف الأخير: "إنه كتابُ العُزلةِ بشتّى وجوهها، يدعونا إلى التمييز بين عُزلة الإبداع الكبرى؛ عُزلة الظلال البعيدة، وبين وَحْدة الحَشد؛ وحشة المشاعر النّرجسيّة المجروحة. فالأولى تلقي شعاعاً على السَّلالم، لتُريك الطريق إلى أعماق السّرداب الذي خُزّنت فيه قلائد الرؤى. الثانية تغلق عليك الباب وتتركك تتسامر مع أشباح اللاشيء".
ولأن هذا الكتاب جاء بنبرة فردانية وشخصية، فإنه أول دفاع بالعربية ومن وجهة نظر شعرية عن العزلة كمفهوم أساسي للإبداع والخلق الحر؛ "عُزلة الشِّعر والحُلم التي تنتشلُنا من وَحْدَتِنا المُفجعة"! إنّه ديوانٌ جديدٌ في بابه!

وإليكم بعض ما جاء في الكتاب:

إلى عُزلتي ذاهبٌ
ومِنْ عُزلتي قادمٌ
لأجْلِ الذهاب ونفسي
فأفكاري تكفيني.

لوبا دي فيخا

***

هذا الذي لا يَمْلأ عالَمَه بالأشباح، يبقى وحيداً.

انطونيو بورشيا

***

مَهما كُنّا أثرياء
عجْزُنا أنْ نكون وحيدين
صيَّرَنا فُقراء!

هولدرلين

***

أجلسُ مُحاطاً
بكلّ هؤلاء
الذين جعلوني
وحيداً.

عباس بيضون

***

العُزلة، إنّها استحالةُ العَيشِ وحيداً!

جين يان

***

داخلَ قفصٍ واحد
الكائنُ والعزلةُ معاً
قبالتهما الذاكرةُ الآفلة
يتعثّر بها الضبابُ
ويَضحك.

عيسى مخلوف

***

المِسْمار الذي دقّهُ العام الفائت في الجدار، عارٍ ووحيد هذه اللّيلة.

بول شاؤول

***

في ظلام اللّيل
تفد الصّرخات من الحقول القريبة
حياةٌ تبدأ وأُخرى تنتهي.

منتصر عبد الموجود

***

كم هو مؤسفٌ
إطلاقُ حِصانٍ
وحيداً في الفراغ!

ريوكان

***

في العُزْلةِ
&&&& المِرآةُ في حِداد!

عبد القادر الجنابي

***

هذا كلُّ ما كان في الغُرفة الصغيرة
التي استأجرتها الرّوح:
سريرٌ مصنوعٌ من الضوء،
كرسيٌّ من الصَّمت،
وطاولةٌ من خشبِ الرجاء.

كريستيان بوبان

&