ربما يكون أهم حدث ثقافي تشهده مدينة ألمانية كل عام هو تنظيم معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وهو المعرض الأهم والأضخم في العالم، حيث ينتظره ويتوجه إليه ويلتقي فيه كل أصحاب الاهتمام بمجال الكتب والنشر والإصدارات والطباعة والتقنيات ومجال الأعمال المرتبطة بها، في جميع أنحاء العالم.&

إيلاف من فرانكفورت: حملت دورة المعرض هذا العام، 2016، الرقم 68، وشاركت فيها أكثر من 7500 جهة عاملة في مجال صناعة الكتب وإنتاجها، إضافة إلى مشاركة 600 كاتب وروائي ومؤلف وأديب من عشرات الدول في العالم، عدا 10 آلاف صحافي تابعوا كل فعاليات الدورة الحالية ونشاطاتها، وحققوا لها التغطية الكاملة التي تستحق.&

وقد شهدت الأيام الخمسة التي انعقد فيها المعرض تنظيم نحو 4 آلاف فعالية، وتوافد أكثر من ربع مليون شخص على صالات المعرض على مدى اليومين الأخيرين فقط. &

لا تقتصر أهمية هذا المعرض على الإصدارات الجديدة التي يتم عرضها، بل تتعداها إلى كون هذا الحدث هو الأهم على صعيد الأعمال الخاصة بهذا المجال، حيث تعقد صفقات، ويتم التوقيع على تراخيص نشر، ويتوصل مشاركون إلى اتفاقات تحكم عالم إنتاج الكتب، وما يتعلق بها، وهو ما يجعل من هذا المعرض أهم سوق تجارية للكتب ووسائل الإتصال والحقوق والتراخيص في جميع أنحاء العالم.&

للمتخصصين والعامة
انطلاقًا من أهمية هذا الحدث على الصعيد التجاري، يخصص المعرض أيامه الثلاثة الأولى للمتخصصين فحسب، ومنهم دور نشر وكتّاب ومؤلفون ومنتجون.. إلخ، فيما يمنح الجمهور اليومين الأخيرين فقط، لتفقد القاعات المتعددة، التي تعرض فيها منشورات من كل نوع، سواء ما يخطر منها على البال أم لا، والتي تتوزع على مساحة واسعة في موقع المعرض التجاري الدولي في فرانكفورت.

وقد رافقت انعقاد المعرض هذا العام ترجمة ما لا يقل عن 250 إصدارًا جديدًا إلى اللغة الألمانية، أي ضعف ما تمت ترجمته في معارض السنوات المنصرمة، كما رافقه انعقاد عدد من المؤتمرات وورش عمل وندوات نقاشية، يتعلق بعضها بثقافة الطفل وبتطور التكنولوجيا الحديثة وتأثيرها على عالم إنتاج الكتب والمنشورات والإصدارات.

كرّس المعرض دورته الحالية، وللمرة الثانية على مدى تاريخه الحديث، للأدب في هولندا وفي إقليم فلاندرز في بلجيكا، ولذا حل ملك بلجيكا فيليب وملك هولندا فيلم الكسندر كضيفي شرف على المعرض، حيث حضرا احتفالية الافتتاح إلى جانب رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتس.&

تكريم الفن
غير أن أهم حدث تضمنه معرض هذا العام هو تكريسه جانبًا من اهتماماته للفنون، ويحدث ذلك للمرة الاولى، حيث عقد ندوات عن "صناعة الإبداع" بحضور عدد من الفنانين والكتّاب المتخصصين في مجال الفنون، إلى جانب شركات ضخمة وعالمية مهمة مثل مونوكل وغوغل وتاشين وسكاي آرتس وكوداك ويوروبيانا وغيرهم كثير.&

ويركز قسم الفنون على مجالات الأعمال الجديدة الخاصة بالإبداع وبالثقافة وتطورهما وتأثرهما بالتكنولوجيا الحديثة، مع التركيز على أثر الثورة الصناعية الرابعة على حياة الإنسان المعاصر. وقد شاركت في الندوات التي عقدت في هذا المجال شخصيات مهمة مثلت 48 بلدًا في العالم.&

ضم المعرض عددًا كبيرًا من القاعات والصالات المخصصة للمعروضات، غير أنه خصص باحة واسعة مفتوحة في قلب المساحة الرئيسة، وتم نصب ما يشبه الخيمة فيها تم تخصيصها للقراءة، وتوزعت داخلها مقاعد وطاولات وأرائك توفر لمحبي القراءة راحة تامة. وإلى جانب هذه المساحة تم تخصيص مساحة أخرى يمكن للقراء وللزائرين الذين أتعبهم التجوال في القاعات والصالات العديدة ومشاهدة المعروضات، التوقف عندها لدقائق لتناول مرطبات وأطعمة خفيفة.&

موغل في القدم
يعود تاريخ معرض فرانكفورت الدولي للكتاب إلى خمسمائة عام خلت، أي إلى الفترة التي بدأت فيها الطباعة على يد يوهانس غوتنبرغ في بلدة مينز القريبة من فرانكفورت.&

وكان ناشرو الكتب المطبوعة في ذلك الوقت أول من فكر في إقامة هذا المعرض للإعلان عن كتبهم وإصداراتهم وإنتاجاتهم التكنولوجية التي كانت تعتبر متطورة في ذلك الزمن. وحتى نهاية القرن السابع عشر كان معرض فرانكفورت هو الأهم في القارة الأوروبية، لكن نوره سرعان ما خبا بعض الشيء نتيجة التطورات السياسية والثقافية في مختلف أنحاء القارة خلال عصر التنوير، وحل محله نجم ساطع في عالم النشر والكتب، معرض لايبزغ للكتاب.&

لكن ما لبثت فرانكفورت أن استعادت مجدها السابق بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث نظمت معرضها السنوي في عام 1949، ثم واصلت نشاطها المعهود كما في سابق سنوات تاريخها. نذكر أخيرًا أن المعرض عادة ما يقدم جائزة للسلام منذ عام 1950 كما يقدم جائزة لأكثر عناوين الكتب طرافة وغرابة.